لمرة جديدة، وفي غضون أشهر قليلة، يعيش العالم على وقع تداعيات إجراء كوريا الشمالية تجربة عسكرية أخرى، وانشغال السياسة الدولية بتوقع حجم الرد الأميركي. إلا أنّه يبدو، وفق مجريات الوقائع، أنّ بيونغ يانغ باتت تدرك كيفية وضع إدارة دونالد ترامب في خانة حرِجة، لا تستطيع فيها الرد عسكرياً ولا رفع سقف المواجهة إلا عبر زيادة العقوبات.
وما لم تقع مفاجآت كبرى، فإنّ الردّ الأميركي على التجربة النووية السادسة لكوريا الشمالية سوف يقتصر في حدّه الأقصى على التلويح بوقف «كل التبادلات التجارية» مع الدول التي تربطها أعمال ببيونغ يانغ، علماً بأنّ المستهدف الأول من هكذا إجراء سوف تكون الصين التي تشكل سوقاً لتسعين في المئة من الصادرات الكورية الشمالية.
برغم ذلك، فإنّ سلسلة التغريدات التي أطلقها ترامب عبر صفحته على «تويتر»، تشير إلى أنّه يفضل تعاملاً غير دبلوماسي مع القضية، فيما قال جاك كيم وسويونغ كيم من وكالة «رويترز»: «السؤال الكبير الآن هو عما إذا كان كبار مستشاري ترامب، مثل وزير الدفاع جايمس ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، قادرين على إقناعه بعدم التسرع في استبعاد الدبلوماسية». علماً أنّ ماتيس أعلن مساء أمس، أنّ «أي تهديد للولايات المتحدة أو أراضيها أو حلفائها سيواجه برد عسكري هائل»، مضيفاً أنّ ترامب «أراد الاطلاع على الخيارات العسكرية الكثيرة».

ثمة من يرى أنّ
المأزق الكوري نتاج لتصاعد التوتر بين بكين وواشنطن


وشدد الرئيس الأميركي، أمس، على أنّ ما وصفه بسياسة «التهدئة» حيال كوريا الشمالية «لن تكون مجدية»، مشيراً إلى أنّ تجربة بيونغ يانغ «عدائية وخطيرة جداً» لبلاده. وفي إشارة إلى حلفائه الذين يدعون إلى «حلّ دبلوماسي» ويخشون التصعيد العسكري، كتب ترامب في تغريدة أنّ «كوريا الجنوبية تدرك، كما قلت لهم، أن سياسة التهدئة مع كوريا الشمالية لن تجدي نفعاً، إنهم لا يفهمون سوى شيء واحد». وجاء ذلك في وقت كثّف فيه وزير الخارجية الأميركي، أمس، اتصالاته بحلفاء واشنطن، وفق ما أفادت به المتحدثة باسمه.
وكان من المتوقع أن يجتمع ترامب مساء أمس، مع فريقه للأمن القومي، في الوقت الذي كانت تحضّر فيه الخزانة الأميركية لفرض عقوبات جديدة على بيونغ يانغ. وقال وزير الخزانة ستيف منوتشين: «سأحضِّر سلسلة عقوبات أقدمها الى الرئيس»، مضيفاً أنّ «من يمارسون أنشطة معهم (كوريا الشمالية) لا يمكنهم أن يمارسوا أنشطة معنا». إلا أنّ الوزير الأميركي استدرك قائلاً: «سنعمل مع حلفائنا. سنعمل مع الصين».
وكانت الوكالات الأجنبية لمراقبة الزلازل قد رصدت، أمس، هزة أرضية تبلغ شدتها 6.3 درجات بالقرب من الموقع الرئيسي للتجارب النووية الكورية الشمالية، وذلك قبل أن تُعلن مذيعة على التلفزيون الكوري الشمالي بلهجة احتفالية عن «تجربة لقنبلة هيدروجينية... (تمت) بنجاح تام». وأوضحت المذيعة أنّها «قنبلة قوتها غير مسبوقة» وتشكّل «فرصة مهمة جداً تتمثل في بلوغ الهدف النهائي وهو استكمال القوة النووية للدولة».
وقبل ذلك بساعات، نشرت بيونغ يانغ صوراً للزعيم الكوري الشمالي وهو يُعاين قنبلة هيدروجينية يمكن وضعها على الصاروخ البالستي العابر للقارات الجديد الذي تمتلكه الدولة الكورية، والذي قد يطاول مداه الأراضي الأميركية.
جدير بالذكر، أنّ التوتر تصاعد في شبه الجزيرة الكورية في شهر تموز عندما قامت كوريا الشمالية بتجربتين ناجحتين لصاروخ بالستي عابر للقارات من نوع «هواسونغ-14». وفي آب الماضي، هددت بإطلاق صواريخ قرب جزيرة غوام الأميركية في المحيط الهادئ، فيما أطلقت الأسبوع الماضي صاروخاً متوسط المدى حلق في سماء اليابان وسقط في المحيط.
وبشأن التجربة الأخيرة، تفاوتت آراء خبراء حول طبيعتها. بينما نقلت «رويترز» عن مسؤول أميركي يعكف على دراسة الشؤون العسكرية والسياسية في كوريا الشمالية، أنّ «من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت التجربة تدعم مزاعم كوريا الشمالية بأنها نجحت في تطوير سلاح نووي حراري، ناهيك عن سلاح يمكن حمله على صاروخ بالستي عابر للقارات يمكنه دخول الغلاف الجوي للأرض ثانية من دون أن يحترق»، قال كوني سوه، وهو أستاذ الهندسة النووية في «جامعة سيول الوطنية»، إنّ «القوة أكثر بعشر أو 20 مرة من تجارب سابقة، وهذا الحجم هو المستوى الذي يجعل أي شخص يقول إنها تجربة لقنبلة هيدروجينية».
وفي حديث إلى «فرانس برس»، عبّر الأستاذ في «جامعة الدراسات الكورية الشمالية» في سيول كو كاب وو، عن «الاعتقاد بأنّ الشمال وصل الى مرحلة لم يعد فيها بحاجة إلى إجراء تجارب»، مذكّراً بأنّ «باكستان أجرت بالإجمال ست تجارب نووية ولم تجد بعدها أنها بحاجة إلى اجراء المزيد... قد تكون كوريا الشمالية وصلت إلى المراحل النهائية لتجاربها النووية».
وفي وقت كانت فيه التصريحات الصادرة عن العواصم الغربية تدعو إلى التعامل «بحزم» مع الحدث وإلى تشديد العقوبات على بيونغ يانغ، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التجربة النووية بأنّها «تهديد حقيقي للمنطقة»، لكنه دعا المجتمع الدولي إلى «عدم الانجرار وراء المشاعر» في ردود الفعل، وذلك في اتصال هاتفي أجراه مع رئيس الحكومة الياباني شينزو أبي. وقال بوتين إن التجرية النووية «تنسف النظام العالمي لمنع انتشار» الأسلحة النووية، و«تنتهك قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي، وتشكل تهديداً حقيقياً للسلام والاستقرار في المنطقة».
وعلى هامش انعقاد قمة مجموعة «البريكس» في الصين، تشاور بوتين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وأعربا عن «القلق العميق» من الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وشددا على «ضرورة عدم ترك الأمور تتحوّل إلى فوضى... (والبحث عن حلّ) ضمن الوسائل السياسية والدبلوماسية حصراً».
ونُقِل عنها أنّ وجود السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية «غير مقبول».
وفي متابعة للصحف الغربية، كانت لافتة مقالة الصحافي الفرنسي في «لوموند» آلان فراشون، الذي اعتبر أنّ «المأزق الكوري الشمالي نتاج للتوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة». وبينما ذكّر فراشون بـ«فخّ ثيوديديس» الذي «كان قد حذّر منه الرئيس الصيني عام 2013»، شرح: «في القرن الخامس قبل الميلاد، كان المؤرخ المنتمي إلى أثينا ثيوديديس، يشرح الحرب البيلوبونيسية، عبر واقع الخشية التي كان يثيرها صعود قوة أثينا، لدى (مدينة) إسبارطة، أي لدى القوة القائمة... من دون البحث (عن صراع)، انّ واقع تصاعد حدة خلاف محلي في ظل لعبة التحالفات، يدفع القوة القائمة (الولايات المتحدة) إلى الدخول في حرب مع القوة الصاعدة (الصين، في هذه الحالة)».
(الأخبار)