أكد رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، في خطابه السنوي عن حال الاتحاد في ستراسبورغ، أمس، أن الانتعاش سيعود للكتلة الأوروبية، كاشفاً عن برنامج طموح وسيناريو خاص به لتخطي «الأزمة الوجودية» التي مرت بها الكتلة الأوروبية، ومتحدثاً في الوقت عينه عن عدم احتمال انضمام تركيا إلى الاتحاد في «المستقبل القريب».
ويأتي خطاب يونكر، بعد عام على تحدثه عن الأزمات الاقتصادية وأزمة المهاجرين واستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتصاعد التشكيك في جدوى الوحدة الأوروبية التي أثارت قلق القادة الأوروبيين، خلال العام الماضي وهددت مستقبله.
لكن هذا العام، بدا رئيس المفوضية الأوروبية أكثر إيجابية بحديثه عن «انتعاش» أوروبا من جديد، وعن «نافذة على فرصة لكنّها لن تبقى مفتوحة إلى الأبد»، ودعوته في الوقت نفسه إلى «بذل أقصى الجهود للاستفادة من هذه الديناميكية». وبالفعل، فقد بدأ النمو يتصاعد في دول الاتحاد الـ28، وتراجعت البطالة، بينما تمت السيطرة على تدفق اللاجئين، في خطوات يأمل الاتحاد الأوروبي أن تكون بداية تعافيه من أزماته.
وبعدما دشّن يونكر الجدل في مستقبل الاتحاد بنشره في آذار «كتاباً أبيض»، يتضمّن خمسة سيناريوات لمختلف آفاق التكامل، شكلت العودة «بلا أزمات» فرصة ملحّة له ليحدد الوجهة التي يريدها، مستفيداً من «الرياح الملائمة» لمسار الاتحاد، ومعتمداً على «السيناريو السادس» المرتكز على ثلاثة مبادئ أساسية، هي الحرية والمساواة في الحقوق ودولة القانون.
ورأى أن بناء أوروبا «أقوى وأكثر اتحاداً» يمرّ بتعزيز قوتها التجارية الضاربة، من خلال إبرام اتفاقات مقبلة مع أوستراليا ونيوزيلندا، ومع وضع «إطار» أوروبي لضبط الاستثمارات الأجنبية من أجل حماية القطاعات الاستراتيجية، وهو ما يستجيب للقلق من عمليات الاستحواذ الصينية. أما بشأن أزمة الهجرة، فقد شدّد يونكر على ضرورة تحسين وتيرة إعادة المهاجرين الذين لا يمكنهم الحصول على لجوء، وتعزيز الطرق القانونية للهجرة. ومع بدء سنته الأخيرة على رأس المفوضية، تحدّث يونكر عن إعادة بناء في العمق لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، معبّراً عن دعمه لفكرة تعيين وزير أوروبي للمالية والاقتصاد ورئيس لمجموعة اليورو التي تضم وزراء مالية 19 بلداً تبنّت العملة الواحدة. ورأى رئيس السلطة التنفيذية الأوروبية أن اليورو مصيره، على مر الوقت، أن تتبنّاه كل الدول الأعضاء في الاتحاد تقريباً. واقترح دمج منصبه بمنصب رئيس المجلس الأوروبي الذي يضم قادة الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد، لتسهيل «قراءة» المشهد الأوروبي وجعله أكثر فاعلية. وقال إن «الفاعلية الأوروبية ستتعزّز إذا تمكنّا من دمج رئاستي المفوضية والمجلس الأوروبيين».

دعم فكرة تعيين وزير أوروبي للمالية والاقتصاد ورئيس لمجموعة اليورو
وأضاف أن «قراءة المشهد الأوروبي وفهمه سيصبحان أسهل إذا قاد قبطان واحد السفينة الأوروبية». وأكد أيضاً أن «وجود رئيس واحد سيعكس بنحو أفضل الطبيعة الحقيقية لاتحادنا الأوروبي، كاتحاد دول واتحاد مواطنين على حد سواء».
كذلك، عكس خطاب جان كلود يونكر رغبة في طيّ صفحة «بريكست»، إذ رأى في جملة مقتضبة ورد فيها ذكر الانسحاب البريطاني المقرر في آذار 2019 أن الاتحاد سيتقدم «لأن بريكست ليس مستقبل أوروبا». وقال يونكر إنه على الرغم من خروج أحد الأعضاء، فإن مستقبل الاتحاد يكمن في التوسع إلى غرب البلقان.
من جهة ثانية، دعا يونكر تركيا إلى الإفراج عن الصحافيين المسجونين لديها و«التوقف عن إهانة» القادة الأوروبيين. وقال إن أي بلد مرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يجب أن «يحترم دولة القانون والعدالة والقيم الأساسية». وأضاف أن «هذا يجعل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في مستقبل قريب، مستبعداً»، مشيراً إلى أن هذا البلد «منذ بعض الوقت، يبتعد بسرعة كبيرة وبخطى عملاقة عن الاتحاد الأوروبي». وقال: «لدي انطباع في بعض الأحيان بأن البعض في تركيا يريدون قطع الجسور ليتهموا الاتحاد الأوروبي لاحقاً بفشل مفاوضات الانضمام».
بالإضافة إلى ذلك، شكل الخطاب فرصة للدعوة إلى تجاوز الهوة المهددة بالاتساع بين شرق أوروبا وغربها، بينما دعت المفوضية بولندا والمجر إلى الانضباط بشأن احترام القواعد الأوروبية في مجالات استقلال القضاء والهجرة والبيئة. وأكد يونكر أن «أوروبا يجب أن تتنفس برئتيها»، مشيراً إلى أن «لديها رئتين، في الشرق وفي الغرب، وإلا فستضعف». وتجنّب يونكر ذكر أي طرف، مؤكداً أن «الحق والقانون يجب أن يضمنهما قضاء مستقل». وأعاد التشديد على سلطة محكمة العدل الأوروبية لضمان تطبيق التشريعات الأوروبية.

(الأخبار، أ ف ب)