اسطنبول | بعد زيارة مهمة قام بها رئيس الأركان التركي خلوصي آكار لطهران، حيث التقى الرئيس حسن روحاني مساء أول من أمس، إثر مباحثات «فنية مهمة» أجراها مع نظيره الإيراني محمد باقري، يصل الرئيس رجب طيب أردوغان إلى العاصمة الإيرانية اليوم، في زيارة مهمة لا بدّ أن تحسم الموقف التركي الخاص بإقليم كردستان في العراق، إضافة إلى العديد من القضايا المهمة الخاصة بالوضع في سوريا والمنطقة عموماً.
وتكتسب زيارة الرئيس التركي أهمية إضافية، نظراً إلى توقيتها الزمني الذي يسبق زيارة الملك السعودي سلمان لموسكو غداً الخميس، والتي كان رئيسها فلاديمير بوتين قد زار أنقرة الأسبوع الماضي، حيث التقى أردوغان.
ويأتي قسم كبير من كل هذه التحركات الدبلوماسية في إطار التحرك الإقليمي لمواجهة النتائج والانعكاسات المُحتملة لاستفتاء الانفصال في إقليم كردستان، وفي الوقت الذي تسعى فيه تركيا وإيران وروسيا لحلّ الأزمة السورية. هذه التحركات الدبلوماسية سبقتها اتصالات هاتفية أجراها أردوغان ورئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وخلالها اعترف أردوغان للمرة الأولى بتحركات مشتركة مع إيران والعراق وسوريا في ما يتعلق بالاستفتاء، متّهماً، بالتلميح، مسعود البرزاني بأنه «عميل للموساد»، ومهدّداً إياه بأنّ «تركيا ستلقّنه الدرس الذي لن ينساه، لأنه قام بما قام به من دون أن يستشيرها» (وهذا ما كرره في خطابه للكتلة البرلمانية أمس).

قد تغلق أنقرة
الأنبوب الذي كان ينقل نفط شمال العراق

وكانت العلاقات التركية مع إقليم كردستان ورئيسه (المنتهية ولايته) مسعود البرزاني قد شهدت تطورات مميزة طيلة الأعوام الستة الأخيرة. وتحدث الإعلام التركي عن علاقات شخصية مالية معقّدة بين البرزاني وعائلة أردوغان، إذ كانت السفن التي يملكها نجل الرئيس التركي (بلال) تقوم بنقل نفط البرزاني إلى إسرائيل ودول أخرى، كما كانت تركيا تغطي كل احتياجات الشمال العراقي حيث تعمل أكثر من ٢٠٠ شركة في مجال الإنشاءات والإعمار. وحقق كل ذلك لتركيا أرباحاً زادت على ٥٠ مليار دولار منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فيما كانت العشائر الكردية في تركيا والموالية للبرزاني تدعم أردوغان في حربه ضد «حزب العمال الكردستاني» (يُقال إنّ 70 ألفاً من أعضاء العشائر المذكورة يشاركون في هذه الحرب).
وبينما تستمر القيادة التركية في دراسة «عدد من الإجراءات» ضد إقليم كردستان (وذلك بالتنسيق مع إجراءات مماثلة من بغداد وطهران)، تتوقع مصادر دبلوماسية في الحكومة التركية أن «تُغلق بوابة الخابور الوحيدة مع الإقليم، إلى جانب القرار بإلغاء كل الرحلات الجوية من أربيل والسليمانية وإليهما، وإغلاق المجال الجوي أمام كل الرحلات الأجنبية إلى شمال العراق، وإيقاف نشاط كل الشركات التركية في شمال العراق، وإغلاق أنبوب النفط العراقي التركي الذي كان ينقل نفط شمال العراق، وإيقاف كل مساعدات أنقرة المالية للبرزاني بعدما أوقفت تدريب وتسليح البشمركة مع بداية الأزمة». ويبدو واضحاً أنّ التدابير التركية وحدها ستكون كافية لإقناع أو إجبار البرزاني على إلغاء الاستفتاء، وبالتالي الحوار مع بغداد باعتبار أنّ تركيا هي البوابة الوحيدة للأكراد إلى الخارج.
إضافة إلى ذلك، هناك التهديدات التركية باجتياح الشمال العراقي في حال استمرار الرفض الكردي لاقتراحات الحكومة المركزية الخاصة بحلّ قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها في ديالى والموصل، والتي يقول البرزاني إنها جزء من كردستان العراق، وهو لن يتراجع عن موقفه مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في شمال العراق، التي يسعى البرزاني من خلالها إلى تحقيق انتصار كبير لحزبه، مستغلاً الأجواء القومية التي أثارها الاستفتاء.
وتستبعد المصادر المذكورة أيّ تحرك تركي منفرد من دون الحوار والتنسيق مع بغداد وطهران، ومن خلالهما مع دمشق، «حتى لا ينتج من مثل هذا التحرك التركي أيّ استفزاز لأي من الأطراف الأخرى، وخاصة إيران». ويُذكر أنّ اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، الأسبوع الماضي، قد أشار إلى اتفاقيّتي ١٩٢٦ و١٩٤٦ اللتين «اعترفتا لتركيا بحق التدخل العسكري» في حال نشوب أي تطورات قد تؤثر على الحدود بين الدولتين. وكان أردوغان قد تحدث العام الماضي أكثر من مرة عن «الحق التاريخي لتركيا» في شمال سوريا والعراق، والمقصود بذلك حلب وولاية الموصل التي تضمّ الموصل وأربيل والسليمانية وكركوك. وقد شهدت علاقات أنقرة مع طهران وبغداد فتوراً وتوتراً طائفياً بسبب الدعم العراقي والإيراني لسوريا، ومن ثم علاقات تركيا آنذاك مع دول الخليج التي تُعادي إيران.
وتتحدث المعلومات أيضاً عن «دعم مباشر أو غير مباشر من السعودية لاستفتاء الاستقلال»، وذلك لخلق المشاكل لتركيا، وهي الطرف المتضرر الأكبر من احتمال استقلال كردستان، باعتبار أنّ ٢٠ مليون كردي يعيشون فيها، كذلك فإنّ الشمال السوري تسيطر عليه الجماعات الكردية «المدعومة من واشنطن» (رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آخر لقاء له مع أردوغان في ٢١ أيلول الماضي الطلب التركي المتكرر لإيقاف الدعم الأميركي «للميليشيات الكردية»، وهو ما زاد من حدّة الفتور والتوتر في العلاقات التركية ــ الأميركية).
وتتحدث المعلومات أيضاً عن دعم واسع من «عشائر سنيّة كبيرة لمسعود البرزاني وذلك باستفزاز من السعودية والإمارات» اللتين تعيشان أزمة جديّة في علاقاتهما مع تركيا بسبب تحالفها مع قطر وإرسال قواتها الى هذه الدولة. وتسعى أنقرة من خلال علاقاتها مع محافظ الموصل سابقاً أثيل النجيفي، ونائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي، (وهما أقاما في تركيا طيلة السنوات الماضية) للتدخل وإقناع تلك العشائر بضرورة عدم دعم البرزاني بحجة العلاقات الفاترة أو المتوترة مع الحكومة المركزية في بغداد.
ويأتي كل ذلك في الوقت الذي تستعد فيه المنطقة لمرحلة مثيرة قد تُنهي كلّ الخلافات، وتعيدها إلى ما كانت عليه قبل ما يسمى «الربيع العربي». وقد تبدأ هذه المرحلة بالحوار ثم التقارب، ومن بعدها التنسيق والتعاون، وأخيراً التحالف، بين العراق وإيران وتركيا وسوريا، بعد مصالحة بين الرئيسين أردوغان وبشار الأسد، بوساطة إيرانية روسية مشتركة قد تحدُثُ قريباً، وهو ما يشير إليه الإعلام الموالي لأردوغان منذ مدة.
وقد يساعد هذا «التحالف الرباعي» المفترض في فتح صفحة جديدة في علاقات المنطقة، خاصة إذا نجح الحوار الروسي ــ الإيراني ــ التركي في حلّ الأزمة السورية، بما فيها قضية «النصرة» في إدلب وجوارها، على أن تكون الخطوة التالية إنجاح الحوار بين الفصائل الموالية لتركيا مع الدولة السورية وانسحاب القوات التركية من الشمال السوري.
ومن المتوقع أن تُسهم مباحثات بوتين مع الملك السعودي في الدخول إلى هذه المرحلة الجديدة، وذلك بإبلاغ الرئيس الروسي سلمان «دعم بلاده للمرحلة القادمة في السعودية، أي نقل السلطة لوليّ العهد محمد، والمساهمة في إنهاء الأزمة اليمنية بحوار إيراني ــ سعودي بوساطة روسية». وتتوقع المصادر الدبلوماسية لحوار بوتين ــ سلمان «أن يُسهم في إنهاء الأزمة بين السعودية وقطر، وقد ينجح بوتين في إقناع سلمان بموضوع المصالحة بين إيران والسعودية التي لا بدّ أن تستعد للمصالحة مع تركيا؛ أنقرة تخلت عن ورقة حماس التي اضطرت بدورها إلى المصالحة مع الرئيس محمود عباس، وهو ما سيدفع أنقرة إلى المصالحة مع القاهرة التي تتمنى وتتوقع لأردوغان قطع علاقاته مع الإخوان المسلمين، وهو سبب الأزمة بين كل من قطر والسعودية وحليفاتها».
ويبقى الرهان في جميع الحالات على موقف السعوديين الذين رهنوا إرادتهم دائماً لواشنطن، وخاصة في زيارة ترامب الأخيرة للسعودية التي اعتادت «خيانة شقيقاتها العربية أولاً، والإسلامية ثانياً». لكن هناك من يتوقع أن يخلّ الملك سلمان بهذه القاعدة، ولو لمرة واحدة، من أجل وضع أقوى لنجله محمد الذي سيتخلى له عن عرشه قريباً من دون أيّ مشاكل دولية وإقليمية، وداخل العائلة الحاكمة.