توصّل رؤساء دول وحكومات منطقة اليورو في وقت متأخر من ليل الأحد ــ الاثنين إلى اتفاق مبدئي حول برنامج قروض جديد (هو الثالث) لليونان، وذلك بعدما سلمت الأخيرة بالشروط الإضافية التي فرضها ثلاثي الدائنين (المفوضية الأوروبية والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي)، والتي تزيد قسوة عن تلك التي سبق أن رفضها اليونانيون في استفتاء شعبي.
وأعلن، أمس، رئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، توصل بلاده إلى اتفاق «صعب» مع دائنيها، يُبقي أثينا في منطقة اليورو، ويعطيها مطلبها بإعادة هيكلة ديونها (لكن دون إسقاط جزء من الديون)، وتمويل متوسط الأجل بقيمة 35 مليار يورو (قد تصل مجمل قيمة التمويل إلى 86 مليار يورو، منها 10 إلى 25 مليارا للمصارف اليونانية). لكن أثينا ستدفع لقاء ذلك أثماناً سياسية واقتصادية واجتماعية باهظة، رأت أطراف عدة أن الهدف منها «إذلال» اليونان وجعلها عبرة لمن يسعى إلى مواجهة السياسة الأوروبية.
أقرّ تسيبراس بأن الاتفاق سيدفع بالاقتصاد إلى
الركود «حتماً»


حين يكون
مسدس مصوباً
إلى رأسك، سوف توافق أنت أيضاً

«منعنا نقل ممتلكات عامة إلى خارج البلاد، وحُلنا دون تنفيذ خطة خنق النظام المالي للبلاد ودفعه إلى الانهيار؛ وهي خطة صُممت بتفاصيلها الدقيقة، وكان قد بدأ تطبيقها»، قال تسيبراس أمس، مقراً في الوقت نفسه بأن الإجراءات التي التزمت بها حكومته بموجب الاتفاق ستدفع الاقتصاد إلى الركود «بشكل حتمي». لكن رغم ذلك، عبّر تسيبراس عن «إحساس واقتناع وأمل بأن حزمة (تمويل) التنمية بقيمة 25 مليار يورو، وإعادة هيكلة الدين، وتأمين التمويل للسنوات الثلاث المقبلة، ستخلق إحساساً لدى الأسواق والمستثمرين بأن خروج اليونان من منطقة اليورو بات شيئاً من الماضي».
وبعدما وافق البرلمان اليوناني يوم الجمعة الماضي على معظم شروط الدائنين، أتى هؤلاء يوم الأحد بشروط إضافية قاسية، أثار قبول الحكومة اليونانية بها غضباً شعبياً وتصدعاً في صفوف حزب «سيريزا» الحاكم. وعند السؤال عن سبب قبول أثينا بشروط أكثر تشدداً من تلك التي رفضها اليونانيون بنسبة فاقت 61% خلال استفتاء الخامس من تموز الجاري، قال مصدر حكومي يوناني يوم أمس، «حين يكون مسدس مصوباً الى رأسك، سوف توافق أنت أيضاً». أما «المسدس» الذي أجبر الأوروبيون بواسطته الحكومة اليونانية على قبول إجراءات تخالف «تفويضها الانتخابي» بإنهاء سياسة التقشف، فهو التهديد بدفع الخزانة والمصارف اليونانية إلى الانهيار، في وقت تعتمد فيه البلاد (التي أغلقت مصارفها وقيدت حركة الرساميل فيها) على «المساعدات الطارئة» التي يمنحها البنك المركزي الأوروبي للمصارف المغلقة منذ 29 حزيران الماضي.
وفي ختام 17 ساعة من المفاوضات حول الاتفاق مع اليونان، خرجت قمة منطقة اليورو في بروكسل بقائمة شروط تضمنت النقاط الرئيسية الآتية:
اتخاذ أثينا «تدابير أولية... نظراً الى الحاجة لإعادة الثقة»، بينها قيام البرلمان اليوناني بـ«إصدار قوانين في أقرب فرصة» بهدف «تغيير نظام ضريبة القيمة المضافة وتوسيع قاعدتها لزيادة إيراداتها» و«تحسين نظام التقاعد» ــ أي خفض إنفاقه ورفع سن التقاعد ــ و«ضمان استقلالية معهد الإحصاءات» و«إنشاء هيئة ضريبية مستقلة، وآلية لخفض تلقائي للنفقات في حال عدم تحقيق أهداف الموازنة».
وجاء في الشروط أنه بحلول 22 تموز الجاري، سيكون على اليونان «تبني قانون الإجراءات المدنية» وإدخال بند في القانون يتعلق بمد المصارف بالسيولة. وطرح الأوروبيون تطبيق أثينا لهذه التدابير كشرط لمجرد البدء ببحث برنامج القروض الجديد وشروطه. وجاء في مخرجات القمة أن على الحكومة اليونانية «تعزيز مقترحاتها لإجراء إصلاحات بشكل جدي» كشرط للتوصل الى اتفاق، كأن تقوم بـ«إصلاحات أكبر للسوق الداخلية» تتناول حتى تفاصيل عمل الصيدليات والمخابز والمحال التجارية وأيام عملها!
وتفرض الشروط خصخصة الشركة المشغّلة لشبكة الكهرباء و«تحديث» ما يُسمى سوق العمل، وذلك «لتتماشى سياسات العمل مع المعايير الدولية والأوروبية»، أي تسهيل طرد وتوظيف الأُجراء، وتقليص الضمانات المعطاة لهم. وتفرض الشروط على أثينا «تعزيز القطاع المالي»، و«تحديث الإدارات اليونانية» وذلك بـ«إبعادها عن التأثيرات السياسية». وتفرض الشروط على اليونان عرض مشاريعها ذات الصلة على دائنيها بحلول يوم الاثنين المقبل.
أيضاً، تفرض الشروط نفسها على أثينا «أن تطبق كذلك برنامج خصخصة أكثر تطورا» عبر تشكيل صندوق خاص، طرح الدائنون أولاً أن يكون خارج اليونان، ليتم «نقل الأصول اليونانية ذات القيمة الى (الصندوق)، فيستخدمها في عمليات الخصخصة أو عمليات أخرى». الأدهى أن أموال الصندوق التي يُفترض أن تصل إلى 50 مليار يورو، سيتم استخدام نصفها لإعادة رسملة المصارف اليونانية، واستخدام 12.5 ملياراً منها لإطفاء بعض الديون، مقابل 12.5 ملياراً فقط للاستثمارات. وبعد معارضة تسيبراس لأن يكون مقر الصندوق خارج البلاد، تم التوافق على أن تكون اليونان مقراً له، وأن تديره السلطات اليونانية «بإشراف» السلطات الأوروبية.
كما تفرض الشروط على اليونان «تطبيع العلاقات مع المؤسسات (الدائنة)، بما في ذلك خلال عملها على الأرض في أثينا»؛ وتعطي الشروط المؤسسات تلك الحق بالتدخل في بعض مشاريع القوانين وحتى الاستفتاءات.
كذلك، تنص الشروط «المذلة» نفسها على استمرار «شراكة» صندوق النقد الدولي في البرنامج اليوناني، وذلك حتى بعد انتهاء مدة برنامج الصندوق في آذار 2016. كما تفرض على اليونان «إعادة النظر» في بعض التدابير التي اتخذتها حكومة تسيبراس، والتي تتناقض مع التعهدات التي قطعتها الحكومات اليونانية السابقة (لم يحدد النص هذه التدابير).
في مقابل كل ذلك، يقدم الدائنون قروضاً جديدة بقيمة تتراوح بين 82 و86 مليار يورو، منها ما بين 10 و25 ملياراً لإعادة رسملة المصارف أو تصفيتها؛ وعلى المؤسسات الدائنة أن تنظر في إمكان «خفض حاجات التمويل». ونظراً إلى حراجة وضع المالية اليونانية، ينص الاتفاق على أن يطلب رؤساء الدول والحكومات من مجموعة اليورو إيجاد حل انتقالي للسماح لليونان بمواجهة حاجاتها المالية العاجلة، وذلك بتأمين حوالى 12 مليار يورو بحلول منتصف آب المقبل لأثينا، يسمح لها بتسديد أقساط الديون، وخصوصاً لصندوق النقد.
وفيما أثنى الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، على «الاتفاق التاريخي»، مشيداً بـ«الخيار الشجاع» الذي قام به تسيبراس، حذّرت المستشارة الالمانية، أنجيلا ميركل، من أن الطريق سيكون «طويلاً» و«صعباً» حتى تعود اليونان الى طريق النمو. وذلك في وقت أشاد فيه وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، بالتعاون بين بلديهما لتحقيق الاتفاق، قائلاً إن «مفهوم الصداقة الفرنسية الألمانية هذا، وتحالف التضامن والمسؤولية، هو شيء أُريد التأكيد عليه». فهل يختصر حديث فابيوس موقف بلاده؟
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)