قُبيل تصويت البرلمان اليوناني على «حزمة الإنقاذ» الأوروبية والمزيد من إجراءات «التقشف» التي تفرضها على البلاد، أعلنت نائبة وزير المالية، يوم أمس، استقالتها من منصبها، رفضاً للاتفاقية التي رأت أنها «مولود ميت». وأعلن أمس عشرات النواب من حزب «سيريزا» الحاكم، ومن بينهم وزير الطاقة ونائب وزير العمل، أنهم لن يصوتوا لإقرار الاتفاقية، فيما نفذت نقابة الموظفين الرسميين إضراباً عطل جزئياً النقل العام والتعاونيات المحلية حتى المستشفيات.
«لا يمكن معالجة دين اليونان إلا عبر إجراءات لتخفيف الدين، تذهب أبعد بكثير مما تنوي أوروبا القيام به حتى الآن»، وتصل إلى شطب قسم من هذا الدين، كانت تلك خلاصة تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء الماضي، أيدها أمس رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون.
ورأى الصندوق أن الدين اليوناني «لا يمكن معالجته على الإطلاق» وفق البرنامج الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على اليونان التي توشك مديونيتها أن تناهز 200% من إجمالي الناتج المحلي «في العامين المقبلين»، علماً بأنها تبلغ حالياً نحو 175% من الناتج. واعتبر الصندوق أن لا خيار آخر أمام أوروبا سوى تخفيف الدين اليوناني (وهو خيار تصدت له ألمانيا بقوة)، ملوحاً برفضه المشاركة في برنامج القروض الجديد.
في بلد يتلقى إنقاذا مالياً لا جدوى من إجراء انتخابات

كذلك عرض الصندوق أمام الأوروبيين خيارات ثلاثة، أولها أن تمتد «فترة السماح» من 10 إلى 30 عاماً، لا تكون خلالها اليونان ملزمة بسداد دينها للأوروبيين؛ وثاني الخيارات هو «تحويل» أموال لليونان «سنوياً»، وثالثها يقضي بكل بساطة بـ«شطب الدين». واعتبر الصندوق في تقريره أن تدهور الوضع في اليونان قد يتطلب «عمليات تمويل طارئة إضافية من الأوروبيين»، تتجاوز الـ85 مليار يورو الملحوظة في الاتفاق المبدئي بين اليونان ودائنيها.
يجري هذا كله فيما يتنامى الاحتجاج على اتفاقية الديون، إن كان على المستوى النقابي والشعبي، أو حتى على مستوى حزب «سيريزا» ونوابه ومسؤوليه. فقد توقف العمل في مترو أثينا لساعات، مسبباً ازدحام السير في شوارع العاصمة، كذلك تعطلت التعاونيات المحلية، وباتت المستشفيات تعمل بطواقم محدودة، وذلك بدعوة من نقابة الموظفين الرسميين في اليونان. أيضاً، تجمع مئات الأشخاص ظهراً وسط العاصمة، وذلك رفضاً للشروط التي يسعى الأوروبيون إلى فرضها لقاء برنامج قروض جديد لليونان. والجدير ذكره أن هذا الإضراب هو الأول منذ وصول «سيريزا» اليساري إلى الحكم في كانون الثاني الماضي.
على المستوى الرسمي، قدمت نائبة وزير المالية اليوناني، ناديا فالوفاني، وهي عضو في حزب «سيريزا»، استقالتها من منصبها احتجاجاً على الاتفاق مع الدائنين. وقالت فالوفاني في رسالة الاستقالة التي وجهتها إلى رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس: «عندما عاد وفدنا بالتزامات ولدت ميتة، في كل تقدير، ستكون هناك معضلة، التراجع أو (خروج اليونان من منطقة اليورو)... من غير الممكن بالنسبة إلي، أن أظل عضواً في الحكومة... أريد أن أصدق أن الكفاح مستمر».
يُذكر أن وزير المالية اليوناني السابق، يانيس فاروفاكيس، قدم استقالته في وقت سابق من الشهر الجاري، وذلك كثمن قررت الحكومة أن تدفعه لقاء قبول الدائنين العودة إلى طاولة التفاوض.
في هذه الأثناء، وبرغم اعتبار تسيبراس الاتفاق الأخير «صعباً وسيئاً»، فإنه أصر على أنه أفضل من العروض السابقة التي قدمها الدائنون. وقال تسيبراس، إن «الاتفاق يحوي إجراءات تقشفية صعبة، لكنها لا تقارن مع العروض السابقة»، موضحاً أن الدائنين «كانوا يرفضون منحنا قروضاً، أما الآن فقبلوا بمنحنا قرضاً بقيمة 82 مليار دولار، وإعادة هيكلة الديون من جديد، ولن يكون هنا انقطاع في رواتب المتقاعدين والموظفين».
ورأى رئيس الوزراء اليوناني أن أزمة بلاده المالية ستنتهي خلال الأعوام المقبلة، ولن تكون هناك «ديون متراكمة على أثينا... الحقيقة القاسية هي أن هذا طريق أحادي الاتجاه وفرض علينا». ووفق قوله، فالدائنون بعثوا رسالة مفادها أنه «في بلد يتلقى إنقاذاً مالياً، فإنه لا جدوى من إجراء انتخابات»، ومع ذلك، أصر على أن الأمور كانت ستسير على نحو أسوأ لو لم يجرِ التوصل إلى اتفاق.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)