يواصل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو «حربه» ضد الاتفاق النووي الإيراني، في مسعى منه لإسقاطه، برغم التقدير السائد في تل أبيب، بأن المهمة باتت شبه مستحيلة. إصراره الشديد على محاربة الاتفاق، وتصريحه الأخير بأن إقرار الاتفاق في مجلس الأمن الدولي لا يعني «نهاية المطاف»، لا يخفي المصاعب التي يواجهها.
صحيفة «هآرتس» كشفت، يوم أمس، عن «خفايا» المقاربة الإسرائيلية الرسمية لاتفاق فيينا، والصعوبة التي تكتنف مهمة نتنياهو في إسقاطه، مشيرة إلى أن وضعه بات يعبر عن ضائقة ومعضلة، وتحديداً ما يتعلق بأسلوب إقناع أعضاء الكونغرس بالتصويت ضد الاتفاق، إذ لم تعتمد الحكومة الإسرائيلية حتى الآن أي قرار حيال هذه المسألة، ولا تزال في مرحلة دراسة الخيارات.
تجنب نتنياهو استخدام كلمة «كونغرس» في حواراته مع الإعلام الأميركي

وأشارت الصحيفة، في دلالة على الإرباك والامتناع عن اتخاذ القرارات بخصوص المواجهة المفترضة في الكونغرس، إلى أن وزير العلوم والتكنولوجيا داني دانون، كان يستعد قبل أيام لإجراء مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، لكنه اتصل بمكتب نتنياهو ليستفسر عن النقاط التي يمكن إثارتها في المقابلة، وجاء الرد سريعاً بضرورة الامتناع عن التطرق إلى الكونغرس وأعضائه، بصورة كاملة ومطلقة.
وكشفت «هآرتس» عن وجود خيارين اثنين مطروحين على طاولة البحث في تل أبيب حيال الأسلوب الأمثل لإقناع أعضاء الكونغرس بالتصويت ضد اتفاق فيينا: حملة عنيفة وصاخبة ضد الأعضاء الموافقين على الاتفاق، أو حملة إقناع صامتة من وراء الكواليس لتغيير موقفهم... «مع الإدراك المسبق بأن خيار الحملة الصاخبة ستعني أن إسرائيل تتدخل في نقاش يندرج ضمن السياسة الأميركية الداخلية»، الأمر الذي سيسبب نتائج وخيمة في العلاقات بين البلدين.
مع ذلك، أكدت «هآرتس» أن نتنياهو يأمل التصويت ضد الاتفاق في الكونغرس، و«ليس فقط في المرحلة الأولى من التصويت، بل أيضاً في مرحلة ما بعد استخدام (الرئيس باراك) أوباما حق النقض، الفيتو»، كذلك يأمل نتنياهو أن يرد الإيرانيون على التصويت الأميركي الرافض بالمثل، ومن ثم سقوط الاتفاق النووي كلياً.
مع هذا، كشفت الصحيفة وأقرّت بأن نتنياهو ملزم بإقناع 13 من مجلس الشيوخ بالتصويت ضد الاتفاق، وأيضاً العشرات من أعضاء مجلس النواب، الأمر الذي ينظر إليه في مكتبه على أنه «مهمة مستحيلة». ونقلت «هآرتس» عن مصادر مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي قولها إن «من المتوقع النجاح والتصويت ضد الاتفاق بعد تأمين الأغلبية في المرحلة الأولى، ولكن المسألة مغايرة تماماً في مرحلة ما بعد استخدام الفيتو الرئاسي، أي تأمين أغلبية الثلثين، ومن الصعب بل من المستحيل، على نتنياهو تأمين أصوات العشرات من أعضاء الحزب الديموقراطي في المجلسين، والتصويت ضد رئيس حزبهم وتوجهاته».
مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الإسرائيلية أشار في حديث مع «هآرتس» إلى أن «الاستراتيجية المتبعة حالياً في إسرائيل هي تأكيد ضرورة التعامل بحذر مع مسألة التصويت في الكونغرس، إذ إن الانتقاد العلني يعني الدخول في حرب نعرف مسبقاً كيف نبدأها، لكن من الصعب معرفة كيف ننهيها».
وأكد كبار المسؤولين في الخارجية الإسرائيلية أنه إلى جانب مواصلة الجهد ضد الاتفاق النووي، لا بد من التحول أيضاً باتجاه «خطاب التعويض» مع الأميركيين، ومناقشة عرضهم التزود بحزمة مساعدات عسكرية جديدة.
ووفق الصحيفة، فإن المقاربة الإسرائيلية الرسمية الحذرة تجاه المشرعين الأميركيين، تتوافق تماماً مع ما دار من نقاشات في المجلس الوزاري المصغر، الذي ناقش الاستراتيجية الواجب اتباعها مع الكونغرس، من دون التوصل إلى قرار حاسم. ولفتت «هآرتس» إلى أن هذه المسألة انعكست في خطابات نتنياهو الأخيرة، وتحديداً في مقابلاته مع وسائل الإعلام الأميركية، وامتناعه عن استخدام كلمة «كونغرس»، برغم أنه سئل عن ذلك عدة مرات.
في غضون ذلك، ناقش نتنياهو مع وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، في القدس المحتلة أمس، الاتفاق النووي وانعكاساته. واكتفت الإذاعة العبرية بالإشارة إلى أن اللقاء جاء خالياً من التصريحات، قبل وبعد، لكنها أشارت إلى أن نتنياهو أعرب أمام كارتر عن تحفظات إسرائيل على الاتفاق.
وفي وقت لاحق من مساء أمس، كشف نتنياهو «تحفظاته» حول الاتفاق النووي الإيراني، كما عرضها أمام كارتر. وقال في مستهل لقاء رئيس الحكومة الإيطالية، ماتيو رينزي، في القدس المحتلة، إن «الاتفاق مع إيران، كما قلت لوزير الدفاع، هو اتفاق يضع تهديدات خطيرة أمام إسرائيل والشرق الأوسط وكل العالم، لأنه يتيح لإيران خلال عشر سنوات أن تكون في موقع تستطيع من خلاله التسلح بمخزون نووي».
وأضاف نتنياهو أن الاتفاق يسمح لإيران ببناء عدة أجهزة طرد مركزي متى تريد، وأن تخصب اليورانيوم من دون قيود، وتستطيع أن تصل إلى عشرات القنابل النووية في زمن قصير جداً، وتقريباً بصورة فورية، ثم كرر تحذيره من أن «الاتفاق يمنح إيران مئات المليارات من الدولارات التي تساعدها في عدوانها في المنطقة وفي نشر الإرهاب في العالم»، وقال إن «هذا كله يعني مزيداً من الأموال للحرس الثوري الإيراني، ومزيداً من الأموال لقوات القدس، ولحزب الله ولحماس وللجهاد الاسلامي وللإرهاب الذي تدعمه إيران في ليبيا، وأيضاً للمليشيات الشيعية في العراق، وللحوثيين في اليمن... إنه اتفاق سيئ وخطأ تاريخي».