الانقسام هو المشهد العام حالياً في كاتالونيا، لم تزده الانتخابات التي جرت أمس، إلّا وضوحاً مع تعقّد صورة شكل الحكم المستقبلي للإقليم الذي زعزع الاستقرار السياسي في إسبانيا لشهرين، منذ الاستفتاء على تقرير مصيره في 1 تشرين الأول الماضي، وصولاً إلى انتخابات أمس التي اعتبرت بمثابة استفتاء ثانٍ، يقرّر فيه الكاتالونيون ما إذا كانوا يريدون من جديد أن تحكمهم الأحزاب الاستقلالية.
وبقي فرز الأصوات مستمراً حتّى وقتٍ متأخر جداً، أكثر ممّا شهدته آخر انتخاباتٍ محلية في الإقليم عام 2015، مع نسبة مشاركةٍ عالية وصلت حتى السادسة مساءً إلى 69 في المئة من أصل 5.5 مليون ناخب. ووفق نتائج تقريبية غير رسمية نشرتها بعض وسائل الإعلام الإسبانية، مساء أمس، فقد بدا أنّ التحالف المؤلّف من الأحزاب الاستقلالية قد تمكّن من حيازة أغلبية صغيرة، مع العلم أن ذلك لم يحسم بسبب تقارب النتائج مع الحزب الوحدوي الأقوى في الإقليم، «ثيودادانوس» الذي لا يستبعد أيضاً أن يحصل على نسبة تصويت مرتفعة. وقد نشرت صحيفة «لا فانغارديا» الكاتالونية نتائج تقريبية، ظهر فيها أن «حزب يسار كاتالونيا الجمهوري» بقيادة أوريول خونكيرس الموجود في السجن حالياً، قد تفوّق على حزب بوغديمون «معاً من أجل كاتالونيا»، بحيازته على ما يقارب 29 مقعداً مقابل 36 مقعداً من أصل 135. وأعطت الصحيفة بنتائجها التقريبية «المواطنون» حوالى 37 مقعداً.

يسود الغموض بشأن شكل الائتلاف الحكومي بسبب النتائج المتقاربة


وفيما يبدو أن النتائج ستكون غير حاسمة، إلا أنه وبشكل عام، جرت تلك الانتخابات بظروفٍ غير عادية، من حيث التوقيت والحالة السياسية مع وضع الحكومة المركزية يدها على الإقليم وملاحقتها لقادة الأحزاب الاستقلالية قضائياً. وقاد أولئك حملاتهم الانتخابية إما من السجن كما هو حال زعيم «حزب يسار كاتالونيا الجمهوري»، أوريول خونكيراس، أو من خارج البلاد مثل ما فعل كارس بوغديمون، الزعيم السابق للإقليم. ودفع الاستقلاليون ثمن تحدّيهم لمدريد التي تعتبر الحكومة فيها أن سيطرتها على الحالة الاستقلالية هو انتصار غير مسبوق لها. ولم تتفجر الأوضاع بين مدريد وبرشلونة إلا بعد إعلان بوغديمون في 10 تشرين الأول أمام البرلمان أن كاتالونيا دولة مستقلة، معلقاً الاستقلال في وقتٍ لاحق، ليعلنه البرلمان في 27 تشرن الأول.
وبعدما قامت مدريد بإجراءات قضائية ضد قادة الاستقلال المتهمين بإساءة استخدام الأموال العامة والتمرد، أقالت الحكومة الكاتالونية، وأعلنت عن إجراء الانتخابات، لكن المعسكر الانفصالي لم يبقَ موحداً، وفضّل بوغديمون وخونكيراس الترشح بلوائح منفصلة وقيادة حملتين انتخابتين منفصلتين. وهذا الخلاف بين أقوى طرفين استقلاليين هو ما سيخيّم على الأجواء السياسية في الإقليم في الأيّام المقبلة، خصوصاً مع النتائج الانتخابية غير الحاسمة، مع العلم أن خونكيراس لم يتمكن من القيام بحملة انتخابية فعلية من السجن، فكلّف الأمينة العامة للحزب، مارتا روفيرا، بتولي المهمة عنه.
وفيما اعتبرت صحيفة «إل بايس» الإسبانية في افتتاحيتها، أمس، أن المهمّة الطارئة أمام البرلمان المنتخب والحكومة الجديدة في كاتالونيا هي معالجة الانقسام الاجتماعي وإعطاء دفع جديد للاقتصاد واستعادة الثقة التي تدمرت، تبدو تلك العناوين غير قابلةٍ للتحقيق. ومن جهته، يقدّم بوغديمون نفسه على أنه المرشح الوحيد المناسب لقيادة الإقليم، محاولاً قطع الطريق على نائبه السابق خونكيراس الذي يتطلّع حزبه اليساري الجمهوري لقيادة الإقليم للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية.
هذا الانقسام يطرح عدة تساؤلات بشأن شكل الائتلاف الحكومي المقبل والغامض. وقد يتحالف حزب بوغديمون مع «حزب يسار كاتالونيا الجمهوري» و«حزب مرشحو الوحدة الشعبية» المناهض للاتحاد الأوروبي، لتشكيل حكومة. لكن هذا التحالف سيواجه بعقبات، أولها التوتر بين الحزبين الكبيرين فيه، وثانيها هو إصرار «حزب مرشحو الوحدة الشعبية» على الاستقلال الأحادي الجانب ما قد يدفع مدريد لاتخاذ إجراءات إضافية بحق الإقليم ووضع اليد عليه من جديد. تحالفٌ آخر قد يحصل، وهو التحالف اليساري الثلاثي، بين فرع حزب «بوديموس» في كاتالونيا، و«حزب يسار كاتالونيا الجمهوري» مع «الحزب الاشتراكي»، إلا أن هذا التحالف أيضاً سيشوبه مشاكل، فمن ناحية قد يضطر «اليسار الجمهوري» إلى التراجع عن مطلبه بالاستقلال الأحادي وأن يتخلى «الحزب الاشتراكي» عن دعمه للحكم المباشر من مدريد.
أخيراً، قد يحاول «المواطنون» المناهض بشدّة للاستقلال أن يبني حكومة وحدويّة تتألف، بالإضافة إليه، من «الحزب الاشتراكي» و«الحزب الشعبي»، إذا ما حصد العدد الكافي من مقاعد البرلمان الـ135. لكن الاشتراكيون والمحافظون غير متوافقين على المستوى الوطني، وهو ما قد ينعكس كذلك على مستوى كاتالونيا. ورأت زعيمة «ثيودادانوس» الليبرالي في كاتالونيا إينيس أريماداس، أمس، أن «هذا الانتخاب ليس مهماً لكاتالونيا فحسب، بل لإسبانيا برمتها وسائر أوروبا».
وبالنسبة لقادة الاستقلال الملاحقين قضائياً، فإن العملية الانتخابية لا تلغي واقع أنهم لا يزالون معرضين للمحاكمة والسجن، على الرغم من قناعتهم بأن فوزهم في الانتخابات سيرفع عنهم الملاحقة القانونية، إلا أن عودة بوغديمون إلى إسبانيا ستعني إلقاء القبض عليه مبدئياً، وهو ما يزيد من غموض مصير حكومةٍ استقلالية جديدة برئاسته.
(الأخبار)