دخلت تركيا رسمياً يوم أمس، الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في سوريا. بعد نحو سنة من تمنعها عن المشاركة العسكرية في «التحالف» الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا والعراق، تغيّرت على ما يبدو حسابات أنقرة، لتقدم على خطوة طال توقعها من الدولة التي لعبت أحد أكبر الأدوار في الحرب السورية.الهجوم الانتحاري في منطقة سروج الحدودية الذي سارعت الحكومة التركية إلى إعلان انتماء منفذه إلى «داعش»، واشتباك التنظيم مع الجيش على الحدود أول من أمس، مثّلا شرارة مرحلة جديدة في موقع تركيا إزاء الحدث السوري. ثلاثة أيام كانت فاصلة بين التفجير الذي أودى بحياة 32 شخصاً، وبين أولى غارات الجيش التركي على مواقع التنظيم على الحدود، تخللها اتفاق أميركي ـ تركي على السماح للطائرات الأميركية بشنّ غارات انطلاقاً من قاعدة أنجرليك التركية، على التنظيم المتطرّف.

حتى الأمس القريب، تمسكت أنقرة بأولوية إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، مشكلةً نقطة عبور أساسية إلى سوريا للمقاتلين الأجانب. ثم مثلت التطورات في المناطق الكردية على الحدود إحراجاً لأنقرة إزاء موقعها من التحالف ضد «داعش»، في ظلّ مخاوفها من توسع النفوذ الكردي على حدودها، ولا سيما بعد سيطرتهم على مدينة عين العرب (كوباني)، كمقدمة لتأسيس كيان كردي. في ضوء هذه المعطيات، اكتفت حكومة «العدالة والتنمية» بالمشاركة الاستخباراتية واللوجستية في عمليات التحالف الدولي الذي تشكّل في أيلول الماضي، رغم تفويضها إلى قواتها المسلحة المشاركة في عمليات خارج الحدود، مشترطةً قيام منطقة عازلة على الحدود للمشاركة في أي عملية عسكرية، لضمان تقويض قوة الأكراد.
الجيش التركي
سيرد فوراً على أي تهديد يأتي من أي «منظمة إرهابية»

اليوم، تفتح تركيا فصلاً جديداً من مغامرتها السورية التي بدأت قبل أربع سنوات. الرواية الرسمية لأنقرة، مفادها أن ما جرى أمس، مجرد ردّ على تهديد الأمن القومي التركي من قبل «داعش». غير أن العباءة الأميركية التي ظلّلت دخول تركيا الحرب غداة اتصالٍ جرى بين الرئيسين باراك أوباما ورجب طيب أردوغان أول من أمس، يؤكد أن خطوة تركيا ليست مجرد تفصيل آني في موقفها أو في سياساتها الخارجية؛ بالتزامن مع إشارات تضمنتها تصريحات المسؤولين الاتراك أمس، تنبئ بأن «الحرب» ستكون مزدوجة، ضد «داعش» والقوات الكردية، في آن واحد.
ولكن ما الذي تغير اليوم في الحسابات التركية كي تقدم أنقرة على هذه الخطوة؟ أولاً، يصعب عزل دخول تركيا الحرب على التنظيم الذي تجنبت طوال الآونة الماضية توجيه انتقادٍ له، عن مسار التقارب التركي ـ السعودي والاتجاه نحو ضرب «داعش»، وتزكية فصائل المعارضة الأخرى في سوريا. ثانياً، يرجح انعكاس المناخ الدولي الجديد المتولد من اتفاق إيران مع الغرب على مواقع بعض الدول المعنية مباشرةً بالأزمة السورية، في ظلّ الحديث عن تسويات مقترحة تكون تركيا أحد أركانها. ثالثاً، يؤدي الوضع الداخلي المستجدّ في تركيا دوراً بارزاً في هذا المجال، تحديداً بعد خسارة حزب أردوغان الغالبية في البرلمان وحاجته إلى تحشيد الأتراك مجدداً حوله، بالإضافة إلى انهيار عملية السلام مع الأكراد وعودة حزب «العمال الكردستاني» إلى عملياته ضد الدولة التركية وأجهزتها. وفجر أمس، شنّ سلاح الجو التركي أولى غاراته على مواقع «داعش» في سوريا، وذلك بعد أربعة ايام على الهجوم الانتحاري في مدينة سروج الحدودية، نسبته الحكومة الى التنظيم المتطرف. وقبيل الساعة الرابعة فجراً، قامت ثلاث مقاتلات أف ـ 16 تركية بقصف ثلاثة مواقع للتنظيم (مقرين ونقطة تجمع) في المنطقة الحدودية في سوريا المقابلة لمنطقة كيليس، ما أدى إلى مقتل تسعة من عناصر التنظيم، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض.
رئيس الحكومة المنتهية ولايته، أحمد داوود أوغلو، أعلن أمس أن تركيا مصممة على اتخاذ كل الاحتياطات للدفاع عن أمنها القومي، وأن القصف الذي جرى جاء في ضوء التعليمات الصادرة للقوات المسلحة التركية، وذلك غداة اجتماع مع القادة العسكريين وأجهزة الأمن، مؤكداً أن الجيش نجح في تدمير مواقع «داعش» بشكلٍ تام. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول تركي قوله إن أحداث يوم أمس، ليست بداية حملة عسكرية، لكن سياسة الحكومة «ستنطوي على قدر اكبر من التدخل والنشاط والتعامل»، مشيراً في الوقت عينه إلى أن التحرّك «لن يحدث على الارجح من دون مبرر». كلامٌ آخر صدر عن مسؤول في الحكومة، يصبّ في وضع إطار محدد للاشتباك مع التنظيم، حتى الساعة، مفاده أن المقاتلات التركية لم تعبر الحدود السورية أثناء العملية.
داوود أوغلو شدّد في مؤتمر صحافي أمس، على أن «الجيش التركي سيرد فوراً على أي تهديد يأتي من أي منظمة إرهابية على الحدود التركية ومن دون الحاجة إلى صدور أمر من الحكومة»، في إشارةٍ مبطنة إلى إمكانية مواجهة القوات الكردية أيضاً. وأضاف أن العمليات ضد «داعش» لن تتوقف، متابعاً: «سنرد بشدة على أصغر تحرك يشكل تهديداً لتركيا، وستتواصل تدابيرنا حيال أي تهديد لحدودنا، أو محاولة اعتداء داخل البلاد». وحرص داوود أوغلو على التشديد على أن مشاركة تركيا في الحرب المستمرة منذ اربع سنوات في سوريا غير واردة إطلاقاً (...) لكننا سنتخذ جميع الاجراءات اللازمة لحماية حدودنا».
من جهته، أكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن العملية الأخيرة ستتواصل بتصميم، لافتاً إلى أنّ التفجير والاشتباكات التي شهدتها تركيا في الايام القليلة الماضية «تدل على أن الوضع لم يعد تحت السيطرة». وأكد من اسطنبول أمس، أن بلاده «سمحت للولايات المتحدة بشن غارات جوية من قواعدها بما فيها قاعدة انجرليك»، مؤكداً أن القواعد العسكرية «ستستخدم في إطار محدد»، من دون أن يذكرالمزيد من التفاصيل.
وغداة اتفاقه مع أردوغان على السماح لقوات «التحالف» باستخدام قاعدة أنجرليك (تقع في ولاية أضنة، وتضم 5 آلاف عنصر من القوات الجوية الأميركية والمئات من القوات الجوية الملكية البريطانية، إلى جانب القوات الجوية التركية) لشنّ غارات على «داعش»، أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن واشنطن تسعى، من خلال التعاون مع تركيا والأردن، إلى «خلق بيئة مؤاتية لإيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا». وفي تصريحٍ لهيئة الاذاعة البريطانية أمس، قال أوباما إن بلاده «قطعت شوطاً بهذا الخصوص»، مؤكداً في الوقت نفسه ضرورة القيام بالمزيد. وفي سياقٍ آخر، لفت أوباما إلى أن «القسم الثاني في هذا الإطار» يتمثل في «دفع (الرئيس السوري بشار) الأسد والروس والإيرانيين، نحو إدراك ضرورة تحقيق انتقال سياسي في سوريا، قبل أن تجر المنطقة لصراع دموي أطول».