في وقتٍ تسود أجواء متوترة مع الاتحاد الأوروبي بشأن الـ«بريكست»، تحاول رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الحفاظ على العلاقات التقليدية لبريطانيا مع الدول الكبرى.وبعد لقائها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على هامش «المنتدى الاقتصادي العالمي» في مدينة دافوس السويسرية، حيث أعادت تصحيح مسار «العلاقة الخاصة» التي انحرفت قليلاً خلال الشهرين الأخيرين من عام 2017، انتقلت ماي إلى ثاني أقوى اقتصاد في العالم، والقوة التجارية العظمى، الموازية للولايات المتحدة، تمهيداً لانطلاقة جديدة للاقتصاد البريطاني، من خلال تطوير المبادلات مع الصين، علماً بأنّ البلدين تربطهما علاقات قوية في ميادين شتّى.

ورغم الاختلافات في السياسة الدولية، إلا أن بريطانيا سعت دوماً لتعزيز التنسيق السياسي الرفيع المستوى مع الصين، مدفوعة برغبة في الشراكة الاقتصادية مع «التنين الآسيوي».
انطلاقاً من ذلك، قام رئيس الوزراء الأسبق طوني بلير بزيارة رسمية إلى بكين في عام 2003، وسار على خطاه سلفه ديفيد كاميرون في عام 2013، في وقت توّج فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ «العصر الذهبي» للعلاقات الثنائية خلال زيارته الأولى للندن قبل ثلاث سنوات، وهو ما ستسعى تيريزا ماي للبناء عليه، في زيارتها الحالية لبكين.
ويرافق ماي، في زيارتها للصين، خمسون رجل أعمال وجامعيون بريطانيون يمثلون معظم قطاعات الاقتصاد والأعمال الوازنة، والذين يشكلون ركيزة تطوير التجارة والاقتصاد البريطانيين.
ولا يخفى أن الزيارة تستهدف إرساء استراتيجية اقتصادية تكون فيها الصين إحدى الركائز الأساسية؛ فمنذ عام 2010، تطورت صادرات بريطانيا إلى الصين بنسبة 60 في المئة، في وقت تؤكد فيه الحكومة البريطانية أنّها تسعى لأن تصبح الصين إحدى أهم الجهات الاستثمارية في بريطانيا بحلول عام 2020، أي في مرحلة ما بعد «بريكست»، حيث من المتوقع أن تستمر العلاقة بين لندن والاتحاد الأوروبي إلى نهاية 2019، مع إمكانية تمديد المرحلة الانتقالية، بحسب رغبة الأوروبيين.
ويضغط النواب البريطانيون على تريزا ماي، التي تشكو من بعض العراقيل الداخلية والخارجية، في اتجاه التحرر الكامل من الفضاء الأوروبي، بأقصى سرعة ممكنة، وذلك من أجل وضع خطة تفتح الباب أمام علاقات ثنائية مع الاقتصادات الصاعدة في العالم، وفي مقدمتها الصين.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «إندبندنت» البريطانية عن وزير التجارة العالمية ليام فوكس قوله إن «التبادل بين البلدين (الصين وبريطانيا) وصل إلى 59 مليار جنيه إسترليني (حوالى 84 مليار دولار)»، لافتاً إلى أنّ «الصادرات إلى الصين ارتفعت بنسبة 25 في المئة عام 2017».
وأشار فوكس إلى أنّه «بالنظر إلى التطور المذهل داخل المجتمع الصيني، فإنّ طبقته الوسطى ستشهد تطوراً إلى حدود 600 مليون مواطن في عام 2020، وهو ما يفوق عدد المواطنين داخل الاتحاد الأوروبي» ما يرفع فرص الاستثمار والأعمال بالنسبة إلى الشركات البريطانية.
ولفتت الصحيفة إلى أن «هذه الإستراتيجية تدخل بريطانيا في منافسة مباشرة مع أوروبا، وتختلف نوعياً عن الموقف الأميركي الداعي إلى حرب اقتصاديّة مع الصين».
وقبل وصولها إلى بكين، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية أن «الزيارة ستدعم العصر الذهبي في العلاقات الثنائية»، وسيتخللها «حوار صريح في كل المسائل»، وهو الأمر الذي أكدته خلال اللقاء الذي جمعها، أول من أمس، بنظيرها الصيني لي كه تشيانغ، الذي رأى أن ثمة «فترة مناسبة للتفكير في سبل تعزيز العصر الذهبي والشراكة الاستراتيجية»، مشدداً على أنّ «الربيع الذي حل باكراً، يمكن أن يحمل ثماراً جديدة (للعلاقات الصينية البريطانية)، على نحو يضفي مزيداً من البريق على العصر الذهبي لعلاقاتنا الثنائية».

تجاوزت تيريزا ماي الحذر الأوروبي من «طريق الحرير الجديد»


واستهلت ماي زيارتها للصين بجولة في مدينة ووهان الصناعية الكبرى في وسط البلاد، ثم توجهت إلى العاصمة بكين، حيث اجتمعت مع الرئيس الصيني، على أن تختتمها الجمعة في شنغهاي في الشرق.
وكانت ماي قد أعلنت في وقتٍ سابق أنه سيتم «توقيع عقود بقيمة 9 مليارات جنيه استرليني (12.7 مليار دولار)، علاوة على اتفاق لإنهاء حظر الصين استيراد لحم البقر من المملكة المتحدة»، كما وعدت بالسعي لإيجاد فرص تجارية أكبر.
من جهته، أكد الرئيس الصيني لماي أنه يتعين على بلديهما أن يرتقيا بالعلاقات التجارية الى «مستوى جديد»، مشدداً على ضرورة «تنمية تعاون للمصلحة المشتركة على نطاق أوسع، وعلى مستوى أعلى وأعمق»، من خلال مبادرة «طريق الحرير الجديد» التي يعتز بها.
واللافت أن بريطانيا لا تريد أن تتخلف عن المبادرة الصينية، خصوصاً أن «طريق الحريري الجديد» يعدّ مشروعاً ضخماً من البنى التحتية، ويتميز في كونه عابراً لحدود القارات، بين آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
وبالرغم من أن المبادرة الصينية تثير القلق لدى العديد من الدول الأوروبية، خصوصاً أن البعض يرى أن «الشركات الصينية الحكومية» هي التي ستستفيد منها، علاوة على احتوائها على «نفحة من النزعة التوسعية الصينية»، إلا أنّ تيريزا ماي رحبت بها، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن لندن وبكين ستواصلان العمل معاً «لضمان احترام المعايير الدولية».
بذلك، تكون ماي قد التحقت بموقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الداعي إلى احترام المبادئ الكونية من قبل الصين، في علاقاتها مع البلدان المشاركة في مشروع «طريق الحرير الجديد».
ورغم المخاوف، فقد أعلن «ستاندرد تشارتر بنك» عن توقيع مذكرة تفاهم سيحصل بموجبها المصرف البريطاني على 10 مليارات يوان (1,4 مليار دولار) من مصرف التنمية الصيني الحكومي لدعم مشاريع «طريق الحرير».
(الأخبار)