في يوم 19 كانون الثاني الماضي، أعلنت ألمانيا وقف تصدير الأسلحة إلى الدول المشاركة في العدوان على اليمن، في إشارة إلى «التحالف العربي» الذي تقوده السعودية والإمارات. القرار الذي جاء التزاماً بالمباحثات التي جرت بين «التحالف المسيحي الديموقراطي» و«الحزب الاشتراكي الديموقراطي» لتشكيل الائتلاف الحاكم حالياً في برلين بعدما أبصر النور أخيراً الأسبوع الماضي، اتُّخذَ «من منطلق إنساني ويهدف إلى وضع حدّ للكارثة الإنسانية التي يمرّ بها الشعب اليمني»، وفق وزير خارجية ألمانيا زيغمار غابرييل. وكنتيجة لذلك، تفاخرت غالبية المنظمات الحقوقية بهذا «الإنجاز»، فيما شكر يمنيون برلين على موقف اتخذته بعد ثلاثة أعوام من بدء عمليات القصف والتجويع.
لا يمكن إنكار أهمية الخطوة الألمانية، لأنّها تخصّ مباشرةً البلد العربي الأشد فقراً وشعبه المنسيّ الذي يواجه «الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم» وسط صمت دولي مخزٍ وقبول غربي ضمني تحوّل إلى تواطؤ صريح مع تصاعد صفقات تسليح دول العدوان. لكن من جهة أخرى، لا يُمثِّل القرار صحوة ضمير فجائية، ولا رضوخاً لضغوطات المنظمات الحقوقية. وهو أيضاً لا يعكس «رسالة ألمانيا التي تؤمن بالحرية وحقوق الإنسان، إلى العالم، ومفادها: لا للحرب»، كما زعمت القيادية في «الحزب المسيحي الديموقراطي» ساندرا سيغلا، ولا يرقى ليكون تمرّداً ألمانياً على الرياض التي أكّدت أكثر من مرة في العام الماضي حرصها على توطيد العلاقات الاقتصادية مع برلين «تماشياً مع رؤية 2030» لإعادة هيكلة اقتصاد المملكة النفطية.
في الواقع، لم يكن القرار إلا فقاعة إعلامية، بهدف تسكيت المعارضة الداخلية والمنظمات الحقوقية من جهة، وتوجيه رسالة سياسية حذرة إلى «المعسكر المعادي» للسعودية، تقول: «نحن لسنا محسوبين على أحد». بعبارة أخرى، لفهم الدوافع وراء هذه الخطوة وتوقيتها، «ابحث عن النفوذ والمال».


مجبرة «سيّدة الفولاذ»، لا بطلة!

لم يكن صعباً على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التنازل عن صفقات تسليح «دول التحالف» (دول العدوان على اليمن) في مقابل تذليل عقبات تشكيل ائتلاف حكومي يُنقذُ ولايتها الرابعة ويُنهي الفراغ الحكومي الأطول في البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي كان رئيس «اتحاد التجارة والخدمات الألماني» هولغر بينغمان، قد حذّر من تداعياته، مشدداً على ضرورة «عودة الاستقرار السياسي لمواجهة تحديات البلاد وأوروبا».

تحاول برلين
التأقلم مع خريطة التوازنات الجديدة في المنطقة


برغم هذا الائتلاف الحكومي الذي تنبئ صيغته النهائية بأنَّ ميركل لم تعد تنفرد بحكم البلد الموصوف بـ«مرساة استقرار الاتحاد الأوروبي»، فإنّ «السيدة الفولاذية» نجحت في اجتياز «اختباره الضخم دون تقديم الكثير من التنازلات» في ما يخصّ الملفات الشائكة، كما تقول صحف أوروبية، ودون «الرضوخ» لمطالب قد تؤثر سلباً باقتصاد القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا.
في مقابل المشهد الألماني الداخلي، لم يكن للقرار وقع قاسٍ على حلفاء برلين في «التحالف العربي»، ولعلّ السبب يكمن في أنّه كان متوقعاً، إن لم يكن قد تمّ بالتنسيق المسبق مع هذه الدول (على الأقل مع قائدة العدوان، السعودية)، علماً أنّ الرياض كانت قد استبقت الخطوة الألمانية بالتشديد أكثر من مرّة على أنّها في غنىً عن السلاح الألماني. تجلى ذلك بوضوح في شهر أيار/مايو 2016، حين أعلن السفير السعودي لدى برلين (في ذلك الوقت)، عواد العواد، أن «الحقيقة واضحة... المملكة ليست مهتمة بشراء دبابات قتالية من ألمانيا»، مشدداً على أنّ صفقات الأسلحة «ليست جوهريّة» في العلاقات الثنائية. وقد جاء هذا الإعلان في ظلّ الانتقادات التي تعرضت لها ميركل من قبل معارضة داخلية يسندها رأي عام غالباً ما يوصف بأنّه لا يزال مُكبّلاً بـ«عقدة ذنب النازية». وقد سالت الانتقادات عقب ورود تقارير عن صفقات تسليح ألمانية ــ سعودية تشتري الرياض بموجبها مئات (بين 300 و800) الدبابات من طراز «ليوبارد 2»، وعشرات الزوارق الحربية. وفي تصريح إلى صحيفة «در شبيغل»، ينتقد العواد صراحةً «استخدام صادرات الأسلحة للسعودية كورقة ضغط في الداخل الألماني»، موضحاً أنّ «واردات الرياض من الأسلحة الألمانية تمثّل أقل من نسبة واحد في المئة من إجمالي واردات المملكة من السلاح».
موقف السفير لدى برلين، أكّده أيضاً نائب وزير الاقتصاد السعودي محمد التويجري، في حديث إلى «دوتشيه فيله»، عقب زيارة ميركل للسعودية في نيسان/ أبريل 2017. أعلن التويجري في حينه أن دولته، وعلماً منها بـ«الخلفيات السياسية وراء التحفظات الألمانية بشأن الصادرات (السلاح) إليها»، تعتزم «الامتناع في المستقبل عن طلب المزيد من الأسلحة من برلين». وقال: «لن نسبب المزيد من المشاكل للحكومة الألمانية».
المسؤول السعودي الذي وصف ميركل بأنها «قدوة لجميع النساء السعوديات»، قد يعكسُ تصريحه حرص الرياض على إراحة حليفتها من الانتقادات المحلية. وفيما رأت بعض الصحف أن الرياض «مستاءة»، فإن إعلان التويجري رغبة سعودية جدية في «توثيق التعاون الاقتصادي» مع ألمانيا وجعلها «أهم شركائنا الاقتصاديين»، يؤكد أن العلاقات لم تتزعزع.
الجدير ذكره أن ألمانيا لم توقف، في الأعوام القليلة الماضية، تصدير السلاح إلى السعودية، على الرغم من تصاعد حدّة الانتقادات الداخلية لتواصل العدوان على اليمن خلال تلك الفترة. على العكس من ذلك، زادت برلين صادراتها إلى المملكة من 209 ملايين دولار في عام 2014، إلى 320 مليون دولار في 2015، وإلى 628 مليون دولار في 2016، وفق بيانات وزارة الاقتصاد. أما العام الماضي، فقد اشترت السعودية أسلحة بقيمة 316 مليون دولار من برلين، معظمها كان في الربع الثالث من 2017، إذ كشفت وزارة الاقتصاد أن الحكومة منحت تصاريح لصفقات سلاح مع السعودية بقيمة 172.5 مليون دولار في الفترة الممتدة بين شهري تموز/ يوليو وأيلول/ سبتمبر، مسجلةً ارتفاعاً بنسبة 261 بالمئة، مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2016، حين بلغت 47.8 مليون دولار. وهي أرقام كان معارضون ألمانيون وصحف محلية قد عدّوها بمثابة «تواطؤ» صريح من قبل برلين.
على الرغم من إعلان وقف تصدير السلاح إلى «التحالف»، إلا أن الخطوة التي تمنى عدد من الصحافيين أن تتحوّل إلى «عدوى تنتقل» إلى دول أوروبية أخرى، نظراً إلى تأثير ألمانيا الكبير داخل مؤسسات القارة العجوز، لم تكن لها تداعيات عسكرية فعلية على الأرض، وذلك في ظلّ مخازن الأسلحة الغربية المفتوحة أمام الدول العربية المشاركة في العدوان على اليمن. وفي هذا الصدد، يشير الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ، إلى أن «الأسلحة التي تُزوِّدها ألمانيا لدول المنطقة العربية ليست حاسمة في مهمات تلك القوات العسكرية»، لافتاً إلى «تنوّع عمليات الاستيراد (بالنسبة إلى تلك الدول)... وهي تصلها أهم المعدات والأسلحة وأكثرها فعالية من الولايات المتحدة».


تأقلم مع «خريطة التوازنات»

إلى جانب البعد الداخلي لقرار وقف تزويد «التحالف» بالسلاح، ثمة بعد آخر متصل بمحاولات برلين التأقلم مع خريطة التوازنات الجديدة في المنطقة والعالم، والانفتاح على تكتلات اقتصادية بديلة ترى في أسواقها الصاعدة أهمية حالية ومستقبلية. وهي محاولات تجلت في سلسلة مواقف لافتة برزت أخيراً، ابتداءً بتغريدة للخارجية الألمانية على موقع «تويتر» تطالب بفك «الحصار غير المنطقي» عن قطر، مروراً بتصريح لوزير الخارجية وصفته الصحف بـ«غير المسبوق» عن «روح المغامرة» السعودية التي «لن تكون مقبولة ولن نسكت عنها»، عقب احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وصولاً إلى دفاع برلين الشرس عن الاتفاق النووي ووقوفها بوجه الولايات المتحدة بعد عقود من التماهي في ظلّ المنظومة الغربية.


محاولات إعادة التموضع هذه لا يبدو أن ثمة سبيلاً إلى إنجاحها سوى عبر تقاسم الأدوار بين الخصمين الحليفين، الاشتراكيين (غابرييل سيغمار) والمحافظين (ميركل)، في ما يخص الملفات الخارجية والعلاقات الدولية. وعلى الرغم من أنّ لعبة «الشد والإرخاء» في السياسة الألمانية ليست جديدة، فإنّها ازدادت حدة وبرزت أكثر إلى العلن مع تولّد مخاوف جدية لدى ألمانيا من مخاطر السياسة «الترامبية» على أمنها واقتصادها. إذ ليس من مصلحة ألمانيا، بعدما أعلنت إغلاق ملف اللجوء الذي زعزع عرش ميركل، وفي ظل تحذيرات من «عودة الإرهابيين» من سوريا إلى أوروبا، زعزعة استقرار ما بقي من دول آمنة ومستقرة في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أن للصراعات تكلفة مادية تتحمل ألمانيا جزءاً منها «على شكل مساعدات» (كان آخرها لليمن) فُرضت عليها نظراً لمكانتها كدولة أوروبية هي الأكثر نفوذاً. ويشير مراقبون إلى أن عبء «المساعدات» بات أثقل على ألمانيا مع تنصل الولايات المتحدة من التزاماتها كـ«راعٍ للسلام» في الشرق الأوسط، لا بل وتشجيعها لـ«روح مغامرة» ابن سلمان في اليمن من جهة، ومع قطر وإيران من جهة أخرى.

تقول الرياض إنّ وارداتها من الأسلحة الألمانية تقلّ عن
واحد في المئة

وجدير بالذكر أنّ تقريراً تحليلياً لـ«المخابرات الخارجية الألمانية» (BND)، صدر في الثاني من كانون الأول/ يناير 2015 ونأت الحكومة الألمانية بنفسها عنه، كان قد حذّر من «الدور السعودي المزعزع للاستقرار في العالم العربي»، ولا سيما عقب «استبدال سياسة الديبلوماسية الحذرة لأعضاء العائلة الحاكمة القدماء، بسياسة تدخل متسرعة واندفاعية»، منبهاً إلى أن «تركيز السلطات بيد ابن سلمان يحمل بين طياته الكثير من المخاطر».

أين إيران؟

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وصفت صحيفة «شبيغل» تصريحات المسؤولين الأوروبيين بشأن فوز مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بـ«الداكنة». برز ذلك في مقابلة أجراها وزير الخارجية الألماني (حينها)، فرانك – فالتر شتاينماير، مع قناة «ZDF» الألمانية، قال فيها إن «ترامب يشكل خطراً ليس على أوروبا فقط، بل على ألمانيا خاصة»، مشدداً على أن «علينا أن نُعدّ أنفسنا لسياسة خارجية أميركية لا يمكن التنبؤ بها، وأن نستعد لوضع تكون فيه أميركا مهيأة لاتخاذ قرارات منفردة».
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، ترجم الرئيس الأميركي شعاره، «أميركا أولاً»، فعلياً، في جميع قراراته. ففضلاً عن اتباعه استراتيجية مبنية على إثارة الفتن والفوضى، تمكّن من خلالها من إشعال سباق تسلح عربي والاستحواذ على مئات مليارات الدولارات، واصل ترامب وضع عراقيل في مسار العلاقات الأوروبية - الإيرانية، مهدداً بتمزيق الاتفاق النووي وفرض مزيد من العقوبات على طهران، متجاهلاً تحذيرات الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، التي أكد رئيس قطاع الاقتصاد الخارجي فيها، فولكر تراير، أن «إلغاء الاتفاق النووي سيشكل ضربة قوية للاقتصاد الألماني... وسيسبب أضراراً اقتصادية بالغة للشركات الألمانية والأوروبية».
وترى برلين في طهران «شريكاً ذا صدقية»، وفق وزير الخارجية الألماني غابرييل، وهو أول مسؤول غربي كبير يزور إيران بعيد توقيع الاتفاق. ومنذ وصوله مع وفد من ممثلي الشركات الألمانية الراغبة في العودة إلى السوق الإيرانية، ولا سيما قطاع الطاقة، إلى طهران، في نهاية تموز/ يوليو 2015، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، الذي يتوقع مدير الغرفة التجارية الصناعية بين ألمانيا وإيران، رينيه هاروم، أن يتجاوز 10 مليارات يورو في السنوات المقبلة. ووفق الأرقام الرسمية، ارتفعت صادرات ألمانيا إلى إيران إلى 3.5 مليارات يورو في عام 2017، من 2.6 مليار يورو في عام 2016.
«بدأ يرتفع مستوى العلاقات الألمانية - الإيرانية بعد الاتفاق»، يؤكد مصدر ديبلوماسي في الخارجية الإيرانية، مشيراً إلى أن برلين «مهتمة بالحفاظ على الاتفاق، وذلك نظراً للامتيازات التجارية والاقتصادية التي ستحصل عليها». ويذكّر المصدر، في حديث إلى «الأخبار»، بإعلان السفير الألماني في طهران، ميكائيل كلور رشتولد، في مقابلة له مع «وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء ــ إرنا» قبل ثلاثة أشهر، بأنّ «معدل نمو العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين قد بلغ 20 في المئة سنوياً منذ الاتفاق». وكانت ألمانيا لعقود أكبر شريك تجاري أوروبي لإيران، إلا أن تشديد العقوبات على الأخيرة ألقى بثقله على العلاقات التجارية، فهوت الصادرات الألمانية إلى 1.8 مليار بحلول 2013، بعدما كانت 4.4 مليارات يورو في 2005.
وإذ ينفي المصدر وجود علاقة بين انتقادات برلين للسعودية ونمو العلاقات الألمانية ــ الإيرانية، يُبدي تفهمه للموقف الألماني إزاء «مغامرات» الرياض، التي «لم تساعد في حلّ القضايا الإقليمية، بل وأدخلتها في حالة أكبر من التعقيد». فبالإضافة إلى التوتر الخليجي ــ الإيراني، شكل النزاع الخليجي ــ الخليجي قلقاً إضافياً لألمانيا، التي انتقدت «الحصار» المفروض على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، معتبرة أنه «يهدد تطوير المنطقة وتنميتها». وفي فيديو على «تويتر»، قالت وزارة الخارجية الألمانية: «الآن وقت للوحدة وليس الاضطراب (...) التجارة والاستثمار هما ما يوحدنا، وثمة نحو ألف شركة ألمانية تقوم بالأعمال في منطقة الخليج، وتوظف آلاف الأشخاص من أجل ذلك، الاستثمار يجعل الشركات الألمانية والخليجية قوية ومربحة، والتجارة تشهد نمواً في زمن الاستقرار والتعاون (...) نحتاج إلى منطقة خليج موحدة لتحقيق قدراتنا المشتركة».




«انتقاد السعودية لا يعني تقارباً مع إيران»

أثناء الحديث إلى «الأخبار»، يشرح المصدر الديبلوماسي الإيراني، أنّه «لا يمكن القول إنّ الانتقادات الألمانية لسياسات محمد ابن سلمان، ووصفها بالمغامرات، تعني التقارب بين الاتجاهين الإيراني والألماني في الملفات السياسية والأمنية في المنطقة»، موضحاً أنّه «يمكن أن يكون لهذين الاتجاهين التقاء ما عندما ينتقدان السياسات السعودية، ولكن هذا لا يعني أنّ ألمانيا قد اقتربت من إيران بعد هذه الانتقادات». وبرغم التمايز الألماني لناحية الاتفاق النووي وغيره من الملفات، فإنّه «لا يمكن غض النظر عن وجهة النظر الألمانية القائلة بأنّ لإيران دوراً فاعلاً وقوياً في المنطقة»، إضافة إلى انتقادات أكثر وضوحاً.
يشير الديبلوماسي إلى أنّ «ألمانيا ترى أنّ النقاش بين السعودية وإيران، قد هيمن على جميع الشؤون أو الملفات في المنطقة، وحتى أنّه قد حلّ محل الأولوية التاريخية... وهي المسألة الفلسطينية». ويلفت إلى أنّه «في هذا الإطار، هي ترى أنّ السياسات السعودية لم تساعد في حلّ القضايا الاقليمية فحسب، بل أدخلتها في حالة من التعقيد بعد تدخلاتها في اليمن أو في الشوون اللبنانية، وحتى أنّها ترى أنّ التقارب السعودي الإسرائيلي ضد إيران قد يفرِضُ على المنطقة تكلفة كبيرة ويُبعد المنطقة عن السلام، وكل ذلك بعدما جهدت كثيراً من قبل بغية توقيع الاتفاق النووي مع ايران».






«غير حياديين بما يخص أمن إسرائيل»

أثناء المفاوضات الأخيرة التي قادت نحو تشكيل حكومة «المستشارية الرابعة»، نقلت تقارير صحافية أنّ «باب السياسة الخارجية تجاه إسرائيل، في عقد تشكيل الائتلاف الألماني الكبير، أُضيف إليه تأكيد مسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه إسرائيل كدولة يهودية وتجاه ضمان أمن هذه الدولة». فرغم التمايز بين برلين وتل أبيب في ما يخصّ الاتفاق النووي مثلاً، أو حتى عدم موافقة ميركل على قرار الرئيس الأميركي الأخير بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، فإنّ «عقدة الذنب» الألمانية حيال اليهود وإسرائيل لا تزال متحكّمة في السياسة الخارجية لبرلين تجاه هذا الكيان.
وبينما تزوّد ألمانيا إسرائيل بعقود تسليحية، لعلّ أبرز ما تتضمنه الغواصات، فإنّ تصريحات ميركل واضحة تجاه «حليفتها». فخلال إحدى زياراتها لإسرائيل، قالت: «لن نكون يوماً حياديين بما يخص أمن إسرائيل، وضمانه. هذا جزء من أخلاقياتنا»، وهذا ما يجعل من أيّ توترات تقع بين البلدين، عابرة.
من جهة أخرى، عقب الانتخابات الألمانية الأخيرة في شهر أيلول/سبتمبر، التي شهدت صعوداً لحزب «البديل من أجل ألمانيا»، عبّر بنيامين نتنياهو لميركل عن «القلق» إزاء «تصاعد معاداة السامية في السنوات الأخيرة بين عناصر سياسية في اليمين واليسار، وأيضاً بين عناصر إسلامية»، مضيفاً في الوقت نفسه للمستشارة التي تبقى في منصبها منذ 2005 أنّ «العلاقات المميزة بين ألمانيا وإسرائيل ستقوى وتزدهر تحت قيادتها».




أغلقت ألمانيا سفارتها في دمشق منذ أواخر العام 2011، بينما بقيت السفارة السورية في برلين ناشطة حتى اليوم، وهي تزدحم بالمعاملات القنصلية للسوريين هناك، بمن فيهم اللاجئين. وبينما تحظى القوى السياسية الألمانية بعلاقات جيّدة مع معظم أطياف المعارضة السورية، فإن هناك قطيعة ديبلوماسية من ناحية زيارات المسؤولين. لكن تقارير إعلامية ألمانية تؤكد أنّ العلاقات الأمنية بين البلدين لم تنقطع، فيما يذهب بعضها إلى الحديث عن زيارة وفود أمنية ألمانية للعاصمة السورية. ويعزز هذا الطرح، دقة تعامل الأجهزة الألمانية مع الوثائق السورية، ووقف قبولها بعض الوثائق الصادرة من مناطق خرجت عن سيطرة الحكومة السورية