إسطنبول ـ الأخباربرزت إشارات عدة يوم أمس، تضع أطراً للمعركة التي تخوضها أنقرة حالياً، في خطوةٍ توضح أبعاد الحملة العسكرية على «الدولة الإسلامية» (داعش) وحزب «العمال الكردستاني»، وحجمها الفعلي. تصريحات أميركية وتركية أكدت أمس، اتفاق واشنطن وأنقرة على العمل لإقامة «منطقة آمنة» خالية من «داعش» على الحدود السورية، في وقتٍ أكدت فيه أنقرة أن أكراد سوريا ليسوا في مرمى حربها، حاصرةً أهدافها بـ«الكردستاني» داخل تركيا، ما يلاقي توجهاً أميركياً يبدو أنه يفصل بين الأكراد في البلدين. ويعقد حلف شمال الأطلسي، اليوم، اجتماعاً طارئاً بناءً على طلب أنقرة، بعدما أكد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ أمس أن أنقرة لا تحتاج إلى مساعدة عسكرية، في وقتٍ بدّد فيه رئيس الحكومة المنتهية ولايته أحمد داوود أوغلو الشكوك حول نية بلاده إرسال قوات برّية إلى سوريا، مؤكداً أن دور أنقرة في هذا المجال يقتصر على تأمين غطاء جوي لفصائل المعارضة المسلحة في مناطق الشمال السوري. وقال داوود أوغلو إن أنقرة لن ترسل وحدات برية على الأرض، لكنها ستعمل على «حماية القوات التي تعمل كقوات برية وتتعاون معنا»، في إشارةٍ إلى الجماعات الإسلامية المدعومة تركياً.

واشنطن: أي جهود عسكرية مشتركة لن تشمل فرض منطقة حظر طيران

ونفت أنقرة نيتها استهداف الأكراد في سوريا، إذ أكد داوود أوغلو أن حكومته «ليست ضد مكاسب الأكراد في سوريا». وفي السياق نفسه، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول تركي قوله إن العمليات العسكرية الجارية تهدف إلى القضاء على المخاطر التي تهدد الأمن القومي التركي، وهي تواصل استهداف تنظيم «داعش» في سوريا وحزب «العمال الكردستاني» في العراق، مؤكداً أن وحدات «حماية الشعب» الكردية وسواها «ليست ضمن أهداف عملياتنا العسكرية». ونفى المسؤول قصف الجيش مواقع تابعة لوحدات «حماية الشعب» في محيط جرابلس، بعدما اتهمت «الوحدات» تعرض مواقعها للنيران من قبل تركيا.
وفيما قال رئيس الوزراء التركي إن واشنطن تؤيد الموقف التركي لإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية بعد طرد «داعش» من هذه المنطقة، أكد أن استخدام القوة «بنحو فعال» يمكن أن يؤدي الى تغيير التوازن في سوريا والعراق وكل المنطقة.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن دبلوماسي أميركي يرافق الرئيس باراك أوباما في جولته الافريقية قوله إن الهدف هو إقامة منطقة خالية من تنظيم «الدولة الإسلامية» وضمان قدر أكبر من الأمن والاستقرار على طول الحدود التركية مع سوريا. وأضاف أنه لا يزال يتعين العمل على وضع تفاصيل هذا الاتفاق، مؤكداً أن أي جهود عسكرية مشتركة «لن تشمل فرض منطقة حظر طيران»، ما يتعارض مع رغبة أنقرة القديمة، في إقامة منطقة حظر جوي شمال سوريا. وأضاف المسؤول الأميركي أن الاتفاق سيضمن دعم تركيا «لشركاء الولايات المتحدة على الأرض» الذين يقاتلون «داعش».
على الصعيد الداخلي، يتطلع أردوغان إلى هدفٍ أساسي من مجمل التصعيد الأخير على الحدود. وحظي الرئيس التركي من جديد برضى واشنطن وتأييدها النسبي، وهو ما شجعه على التحرك على هذا النحو في سوريا. الهدف الأساسي هو إفشال مساعي تشكيل الحكومة وحلّ البرلمان لإعلان انتخابات مبكرة قبل تشرين الثاني المقبل. ويسعى الرجل على خط موازٍ إلى إفشال مساعي داوود أوغلو في تشكيل الحكومة مع حزب «الشعب الجمهوري» الذي يشترط تغيير السياسة الخارجية بالكامل ووضع حد لدور أردوغان في الحياة السياسية اليومية وقطع كل أنواع العلاقة مع الجماعات الإرهابية في سوريا. وتشير المعلومات إلى أن أردوغان سيرجح في هذه الحالة الائتلاف مع حزب «الحركة القومية» الذي وضع شرطاً واحداً لدخول الحكومة، هو إنهاء الحوار مع حزب «العمال الكردستاني» ومحاربة الحزب الكردي سياسياً وأمنياً وعسكرياً، وهو ما يفعله أردوغان الآن.

أكد أردوغان أن
الفوضى التي تشهدها سوريا تهدد أمن تركيا القومي

وتزداد التوقعات في هذا السياق، بتوجه أردوغان إلى التخلص من داوود أوغلو عبر إسقاط زعامته لحزب «العدالة والتنمية» في المؤتمر العام الحزبي الذي سينعقد في أيلول المقبل، ولا سيما بعد المعلومات التي أثيرت حول تقارب داوود أوغلو مع الرئيس السابق عبدالله غول الذي قد يعود إلى الساحة السياسية، إذا شعر بأن الأمور تتطور في مصلحته.
من جهةٍ أخرى، وردّاً على سؤال عن حزب «الشعوب الديمقراطي»، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنه يتعين على «الشعوب الديموقراطي» التصرف كحزب سياسي وأن يقطع ارتباطاته بمنظمة «بي كا كا» (العمال الكردستاني). وأشار جاويش أوغلو إلى أن الحزب المذكور لم يندد بأي عملية قامت بها منظمة «بي كا كا»، لافتاً إلى أن الحزب والمنظمة لم يتجاوبا مع «الخطوات المخلصة» التي أقدمت عليها الحكومة في إطار «مسيرة السلام».
وتوجه جاويش أوغلو إلى الحزب بالقول: «عليه أن يقرر ما بين الديموقراطية أو الإرهاب (...) السلام أو الصراع». إلى ذلك، واصلت القوات المسلحة التركية، أمس، شنّ الغارات على معسكرات الأكراد في جبال قنديل في العراق. وأعلنت رئاسة الوزراء التركية توقيف 1050 شخصاً في الأيام الأخيرة، خلال حملة الاعتقال المتواصلة ضد منظات «داعش» و«بي كا كا» و«جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري» اليساري، في 34 محافظة تركية.



البارزاني: لا نتحمل مسؤولية سياسات «العمال الكردستاني»

أشاد رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برزاني، بدور حكومات «العدالة والتنمية» في عملية السلام مع الأكراد في تركيا. وفيما عبّر عن أسفه لوصول «مسيرة السلام» إلى هذا الوضع الذي يهدد بانهيارها تماماً، قال إن «اسم الأكراد وكردستان لم يكن ليذكر قبل مجيء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا». وفي بيان صدر عنه ليل الأحد، كشف فيه عن «رؤيته الشخصية» للتطورات الأخيرة في تركيا، ولا سيما بعد اللغط الذي أثير حول موقفه من استهداف أنقرة مواقع حزب «العمال الكردستاني» شمال العراق. وأكد أن الحكومة التركية خطت خطوات إيجابية في طرحها لمسيرة السلام، «إلا أنَّ بعض الأطراف مع الأسف لم تحسن تقدير الأمور، وأصيبت بالغرور»، مؤكداً «قيامه مرات عدة بإرسال رسائل إلى «العمال الكردستاني» لحثه على اتباع سياسة طويلة الأمد لتحقيق السلام.
وتنصّل البارزاني من نشاطات «العمال»، حيث تضمن بيانه إشارة إلى أن إقليم كردستان «لا يتحمل مسؤولية سياسات تنظيم بي كا كا»، داعياً جميع الأطراف إلى العودة مجدداً لعملية السلام، وعدم الخوض في «حروب لا ضرورة لها، وتوحيد الجهود من أجل محاربة داعش ومخلفاته في المنطقة». وعن إعلان أنقرة الحرب على تنظيم «داعش» بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وصف البارزاني هذه الخطوة بأنها «مهمة جداً وستحدث تغييراً على الأرض».
(الأخبار)