بات للشرق الأفريقي في ميدان السياسة الدولية، كما الإقليمية بطبيعة الحال، موقع متقدم، يحاول الجميع أخذ حصته فيه. ففي ظلّ الوجود العربي ــ الخليجي هناك عبر الاستثمارات والدعم السياسي، إضافة إلى الحضور التركي، شكّل يوم أمس الحدث الأبرز، بوصول وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، إلى إثيوبيا، في زيارة هي الأولى التي يجريها لأفريقيا، من بين أهدافها إبراز «خشية واشنطن» حيال التمدد الصيني في القارة، وتتزامن مع زيارة وزير الخارجية الروسي لعدد من العواصم الأفريقية، من ضمنها أديس أبابا.
جولة تيلرسون التي تشمل خمس دول أفريقية (كينيا، جيبوتي، تشاد، ونيجيريا)، وُصِفت بأنّها تُقام تحت سقف «السيطرة على الأضرار» التي تأكل النفوذ الأميركي إقليمياً. ولكنّ الصحافي في وكالة «أسوشييتد برس» جوش ليديرمان، رأى في سياق تغطيته للزيارة التي يشارك بوفدها الإعلامي، أنّ «ما يُعقّد مهمّة تيلرسون هو الكلام السوقي الذي استخدمه دونالد ترامب حول أفريقيا خلال اجتماع في البيت الأبيض مع مُشرعين أميركيين» قبل مدة، موضحاً أنّه «في حينه، تساءل ترامب لماذا يجب على الولايات المتحدة استقبال مهاجرين أكثر من هايتي، ومن دول حثالة في أفريقيا»، مضيفاً أنّ «الإهانة اسُتقبلت بمزيج من الاشمئزاز والحنق في قارة لا يعرف الكثيرون فيها الرئيس الأميركي، ولا يعرفون رأيه فيهم». وقال إنّ «تيلرسون سيسعى إلى إصلاح تلك النظرة عندما يصبح أعلى مسؤول أميركيّ يزور أفريقيا منذ تولى ترامب الحكم منذ أكثر من عام».

تأتي الزيارة بعد
5 أشهر من تعيين مساعد في الخارجية للشؤون الأفريقية

وفي خطاب ألقاه أوّل من أمس، حدد تيلرسون أهدافاً عامة لزيارته التي تتواصل حتى يوم الثلاثاء المقبل. وقال إن «أفريقيا هي المستقبل»، معلناً في السياق تقديم «مساعدة إنسانية أميركية» تزيد على 530 مليون دولار «لمكافحة الجوع وغياب الأمن الغذائي في القرن الأفريقي وكل حوض بحيرة تشاد». ولعلّ أهم نقاط خطابه تمثّلت في الإشارة إلى الصين، إذ قال إنّ «الولايات المتحدة تريد تشجيع نمو دائم يعزز المؤسسات ودولة القانون ويسمح للدول الأفريقية بالاكتفاء الذاتي»، مضيفاً أنّ «هذا يأتي بعكس المقاربة الصينية التي تشجع التبعية عبر عقود غامضة وقروض... وتوقع الدول في المديونية».
وجدير بالذكر أنّ زيارة تيلرسون تأتي بعد نحو خمسة أشهر على تعيين إدارة ترامب لمساعد لتيلرسون للشؤون الأفريقية بالإنابة، هو دونالد ياماموتو، الذي يتميّز بـ«اطلاع واسع» على شؤون القارة، وبالأخص شرقها، وكان قد وجّه انتقاداً عشية زيارة تيلرسون، إلى بكين، قائلاً: «نرى دولاً لديها ديون بنسبة 50 في المئة و100 في المئة وفي إحدى الحالات 200 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بسبب قروض ميسرة من الصين». وبين عامي 1998 و2016، عمل الديبلوماسي الأميركي، وهو ابن جندي خدم في «جيش اليابان الإمبراطوري»، مديراً مساعداً لشؤون شرق أفريقيا في الخارجية الأميركية، وسفيراً في جيبوتي، وفي إثيوبيا، وقائماً بالأعمال في الصومال.
وقبل أيام (واشنطن ــ محمد دلبح)، اعتبر مسؤول كبير في وزارة الخارجية في حديث إلى الصحافيين، أنّ «جولة تيلرسون هي ثمرة الاجتماع الوزاري الأفريقي الأميركي في واشنطن الذي ضم 37 وزيراً أفريقياً في تشرين الثاني الماضي». ورداً على سؤال عن طبيعة الزيارة لتشاد وجيبوتي، أشار إلى أنّ «جيبوتي كما تعلمون، علاقاتها في الأساس مع فرنسا، ولكن لدينا أيضاً فيها قاعدة عسكرية، وحيدة في المنطقة بأسرها، وبرغم ذلك، فعلاقتنا هي أكثر من مجرد وجود للجيش الأميركي». ولفت إلى أنّه «بعد تفجير السفينة الحربية الأميركية «يو أس أس كول» في اليمن عام 2000، أصبحت جيبوتي نقطة لإعادة التزوّد بالوقود لكل السفن الحربية الأميركية، وللقواعد العسكرية للفرنسيين واليابانيين، وقواتنا التي تقوم بمهماتها في المنطقة تعمل على مكافحة الإرهاب ومكافحة القرصنة». علماً بأنّ الصين تطوّر في جيبوتي قاعدة عسكرية هي الأولى لها خارج حدودها.
ولا تكتسب هذه الجولة الأفريقية أهميتها نظراً إلى التصريحات بشأن الصين (أكبر شريك تجاري لأفريقيا منذ عام 2009) أو «مكافحة الإرهاب» فحسب، بل بسبب الوقائع التي باتت تؤكد حجم التطورات التي أثّرت بمنطقتي الساحل والقرن الأفريقي منذ عام 2011 عقب التدخل الغربي «الهمجي» في ليبيا، بالإضافة إلى حجم الاهتمام الإقليمي ــ الدولي بساحة القرن الأفريقي، والتنافس ضمنها، لكونها مساحةً استراتيجية.
من جهة أخرى، من اللافت أنّ وكالة «بلومبرغ» أدرجت هذه الزيارة في خانة «الاختبار»، نظراً إلى التحديات الداخلية التي تواجهها إدارة ترامب «المهتزة»، أو حتى تلك التي تواجه تيلرسون نفسه (تمثّل آخرها بكشف نيويورك تايمز قبل أيام أنّ أبو ظبي ــ المنافسة بدورها في القرن الأفريقي ــ كانت تسعى إلى عزل تيلرسون من منصبه بسبب موقفه من قطر).
على صعيد آخر، أعلنت أمس، السفارة الروسية لدى واشنطن أن «الجانب الروسي تقدم في الثاني من الشهر الجاري» بطلب لاجتماع وزيري الخارجية سيرغي لافروف، ونظيره الأميركي في إثيوبيا، «إلا أن واشنطن لم تردّ حتى الآن».
(الأخبار)