طهران | في حدث قلّ ما تشهده إيران، بثّت القناة السادسة جلسة الاستماع إلى الوفد النووي، أمام لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في مجلس الشورى. اجتماعات هذه اللجنة كانت تحاط، دائماً، بالكثير من السرية، ما عدا التصريحات الإعلامية بخصوص نتائج اجتماعاتها. عباس عراقجي، أحد أهم المفاتيح في الملف النووي، حاضَر لأربع ساعات ونصف الساعة، شارحاً تفاصيل اتفاق فيينا، وأجاب عن تساؤلات النواب بشأن بعض القضايا التي كان قد شرحها وزير الخارجية محمد جواد ظريف، في أكثر من مناسبة. لكن بعض التفاصيل التي دخل فيها عراقجي، أجابت عن أسئلة تخطّت الحدود الإيرانية تجاه رسائل وزعت إلى الخارج، خصوصاً الدول التي بدأت بحجز بطاقات سفر لتجّارها ووزارئها، لزيارة إيران، بعد انعتاقها الرسمي المرتقب من الحظر. ربما تحمل المرحلة المقبلة معها مصطلحاً جديداً، تحت مسمى «الاقتصاد الدبلوماسي»؛ فبعد العرض التفصيلي لبنود الاتفاق، كان الدور لمرحلة ما بعد التوقيع وما يسبقها من هرولة إلى السوق الإيرانية.

طهران تعرف حجم مسؤولية استيعاب الصدمة الإيجابية التي أحدثها الاتفاق النووي، وهي على هذا الأساس وضعت شروطاً للدخول إلى أسواقها، وحاولت كبح جماح المستغلين لحاجاتها. قالها عراقجي: «لن نمنع أحداً من الحضور إلى إيران، ولكن هذا لا يعني أنه سيكون شريكاً تجارياً لنا».
بناءً عليه، تجدر العودة إلى كلمة «ايستادگى» التي تعني بالفارسية «الصمود»، لكن هذا الصمود لن يحصل من دون مقاومة، وهي عبارة ألبسها المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، لبوس الثورة، وأطلق قبل أعوام مقولة «اقتصاد مقاومتي»، أو الاقتصاد المقاوم.
هنا بيت القصيد في كلام عراقجي، الذي أوضح أن الحكومة الإيرانية ووزارة الخارجية والوزارات كافة ستكمل العمل لتطوير هذه المقولة حتى بعد رفع العقوبات. وقال: «من المؤكد أن سياسات البلاد ستستمر وفق برنامج الاقتصاد المقاوم... اليوم نحن في موقع يسمح لنا بأن نختار شركاءنا الاقتصاديين ونحدّد مع من نعمل».
وبينما أكّد عراقجي في سياق حديثه أنّ «الاتفاق النووي» لا يتضمن وثيقة سرية في برنامج العمل المشترك الشامل وملاحقه، فهو وجّه رسالة مهمة إلى كلّ من أتى إلى إيران ومن سيزورها مستقبلاً، لافتاً إلى أن «تقاطر الوفود الغربية والمسؤولين الأوروبيين لا يعني أننا ملزمون بالتعامل معهم، فنحن سنضع على الطاولة ماضي هذه الدول في التعامل معنا، ولن ننسى هذا الموضوع». وأضاف أن «سياسة الاقتصاد المقاوم لا تعني أن نعزل أنفسنا عن العالم ونعتمد على قدراتنا فقط، بل تعني أن نتعامل مع العالم من دون أن نرتهن له».
إيران وضعت شروطاً على طاولة المباحثات، قبل الاتفاق النووي، واليوم تفرض شروطاً للتعاون معها اقتصادياً. وفي هذا المجال، تعكف دوائر القرار، حالياً، على دراسة الدخول السلس والمنهجي والمنظّم للشركات، بما لا يدفع إلى تحويل السوق الإيرانية إلى مستهلك للسلع الأجنبية، ما سيضر بطبيعة الحال بالصناعات الوطنية، وهو ما يعيه تماماً خبراء الاقتصاد في الحكومة.
المخاوف الإيرانية غير ناتجة من القلق من قدرة الأسواق الأجنبية، خصوصاً أنها ستكون تحت السيطرة، لكن البعد الآخر لما يسمى الاقتصاد السياسي سيكون الشق الأكثر خطورة. دخول الشركات سيؤدي إلى انتشار سلعها، واستخدامها للأيدي العاملة الإيرانية وتوزّعها في المحافظات كلها، وهو من الناحية النظرية أمر مرحّب به. لكن التوجس يكمن في محاولات تغلغل هذه الشركات في الوعي الإيراني، عبر بضائعها وثقافتها، ما قد يؤثر في نمط الحياة الإيرانية، على المديين المتوسط والبعيد، ويدخل بهدوء لتغيير بعض من المفاهيم الإيرانية.

أكّد عباس عراقجي
أنّ «الاتفاق النووي» لا يتضمن وثيقة سرية

هذا التحدي قرع جرس الإنذار باكراً في أروقة السياسة والثقافة الإيرانية، وهو يدفع الجميع إلى كبح جماح الاندفاعة الأجنبية تجاه إيران. فهي تريد أن تخرج من عقوباتها لتدخل عالم الاقتصاد وليس لاستجلاب الاقتصادات المعلّبة إليها. وما تأكيد الاقتصاد المقاوم، الذي يشدد في توصياته على الترويج للسلع الوطنية والابتعاد عن الكماليات والتجمّلات، إلا نموذج بسيط عن الإدراك الإيراني الساعي إلى الحفاظ على مجتمعه ومنع تقديمه قرباناً للمصالح السياسية والاقتصادية.
ظريف: علاقات الجوار أولوية
على صعيد آخر، أكد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أمس، أن العلاقات مع دول الجوار تعتبر أولوية بالنسبة إلى بلاده، لافتاً إلى أنه أجرى محادثات إيجابية للغاية خلال جولته الأخيرة في الكويت وقطر والعراق. وكتب ظريف على صفحته الشخصية على موقع «تويتر»، في سياق إشارته إلى جولته الإقليمية الأخيرة، قائلاً: «أجريت محادثات ممتازة في الكويت وقطر والعراق... بالنسبة إلى أولئك الذين تساورهم شكوك، أقول إن دول الجوار تعتبر أولوية لنا وواحداً من الخيارات الضرورية والقيمة».
من جهة أخرى، أكد مستشار قائد الثورة الإسلامية في الشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أن بلاده لن تسمح لأميركا بالتدخل في شؤونها. وقال، في كلمة خلال مؤتمر منعقد في مدينة مشهد، إن «إيران الإسلامية تدعم سوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين، ولن نسمح لأميركا بالتدخل في شؤوننا، ونحن اليوم قوة معتمدة على نفسها ولها استقلالها».
وأضاف رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام بالقول: «لقد قلنا لمندوب الأمم المتحدة إنه لو لم يكن دعم الجمهورية الإسلامية الايرانية للعراق، لكان داعش اليوم في بغداد»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «الدعاية الإعلامية السلبية التي يمارسها الغرب ضد إيران». ورأى ولايتي أن «السبب في هذه الدعاية السلبية هو أننا نسعى إلى استقلالنا وأن الشعب الايراني يريد اتخاذ القرار بنفسه ولا يسمح لأي دولة بالتدخل في شؤون بلاده». وتابع حديثه عن التطورات بالقول، إنّ بلاده «أجرت مفاوضات مع الدول الست الكبرى في العالم، ولقد حان الوقت بعد 12 عاماً من الضغوط ليقبلوا بإيران كدولة ذات تكنولوجيا نووية»، موضحاً في الوقت نفسه أنّ «الأجانب فرضوا الحظر على إيران في المجال التسليحي، لكننا نقوم اليوم بإنتاج السلاح في الداخل، وقد تم بالطبع بذل جهود كبيرة فيه... الموضوع الأهم الوارد في دستور البلاد هو موضوع القدرة الدفاعية».