حرب ألوان تعيشها تايلاند اليوم. مواجهة بين «قمصان حمر» و«قمصان صفر»، أدت إلى وضع الدولة الجنوب شرق آسيوية على فوهة بركان. هي الدولة التي أعيتها الانقلابات، معطيةً اياها لقب الدولة ذات الانقلابات الأكثر في التاريخ الحديث، بأحد عشر انقلاباً ناجحاً منذ عام 1932! مع سبعة محاولات انقلابٍ تضاف إلى اللائحة.
تعود أصل مشكلة «القميصين» إلى عام 2006، حين حصل انقلاب أطاح رئيس الوزراء في حينها، الملياردير تاكسين شيناواترا، الذي ألقيت عليه بعدها تهم تتعلق بالفساد، ما دفعه إلى الهرب من البلاد.
ولكن ما لم يكن بالحسبان هو وصول شقيقة تاكسين، ينغلوك شيناواترا، إلى سدة رئاسة الوزراء، بالإضافة إلى تزعمها للحزب الحاكم «بويا تاي» (القمصان الحمر)، بعد 5 سنوات من هرب أخيها الأكبر، وإثر فوز حزبها بالأغلبية البرلمانية في عام 2011. تنعمت ينغلوك بعدها بسنتين من الهدوء النسبي على الصعيد السياسي، إلى أن قامت بالمحظور وأقرت حكومتها قانون إعفاء عن أخيها، ما يسمح له بالعودة إلى تايلاند من دون محاكمة. شكل هذا القرار الشعلة التي كانت تنتظرها أحزاب المعارضة (القمصان الصفر) لإطاحة رئيسة الوزراء.
نزلت المعارضة، وعلى رأسها الحزب الديموقراطي بزعامة سوثيب اوسوبان، إلى الشارع بكامل ثقلها الشعبي، مسببة أعمال شغب وعنف. حاولت الحكومة تدارك الأمور قبل فقدانها للسيطرة. وفي محاولة يائسة منها لتهدئة الأوضاع المتدهورة سريعاً، ألغت ينغلوك قانون الإعفاء الصادر بحق تاكسين. إلا أن هذه الخطوة لم تلق التجاوب المطلوب من أنصار المعارضة، فصعّدوا من تحركاتهم، ما اضطر الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ في الحادي والعشرين من كانون الثاني ولمدة شهرين.
اتهامات واضحة أطلقتها المعارضة على لسان سوثيب نحو ينغلوك، واصفاً إياها بالـ«دمية بيد أخيها»، وما يعزز هذه الادعاءات، تصريحات لتاكسين نفسه، الذي وصفها في حديث له بأنها «نسخة» عنه، وممكن أن تتخذ قرارات بالنيابة عنه. بل يتجاوز الأمر هذه ليصل إلى الشعار الانتخابي المثير للجدل الذي تبناه الحزب الحاكم في عام 2011 القائل: «تاكسين يفكر، بويا تاي ينفذ». هذه العوامل دفعت المعارضين إلى احتلال شوارع بانكوك لثلاثة أشهر من أجل التخلص من حكم تاكسين بالوكالة، وفي تطور قد يؤدي إلى إراقة دماء كثيرة في المستقبل القريب، دعا سوثيب أنصار المعارضة إلى الحشد بكثافة من أجل تعطيل الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها يوم غد الأحد، والتي تنوي أحزاب المعارضة مقاطعتها.
وتتمثل خطورة هذه الدعوات في إصرار أنصار الحكومة على النزول والمشاركة بكثافة في هذه الانتخابات، ولا سيما بعد وصف سوثيب للمشاركين في العملية الانتخابية بـ«خدّام تاكسين»، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى وقوع أعمال عنف بين الطرفين.
وتسعى تايلاند جاهدة للخروج من دوامة العنف التي عاشت بداخلها لعقود طويلة، إذ إن الانقلابات الأحد عشر الناجحة والسبعة الفاشلة، لم تأت دون ثمن، فكان ثمنها أرواح الكثير من المواطنين. وليس على التايلانديين الذهاب بعيداً في ذاكرتهم ليستعيدوا حوادث إراقة الدماء، فشهر أيار من عام 2010، حصد أرواح 91 شخصاً حاولوا إسقاط الحكومة السابقة بقيادة الحزب الديموقراطي (المعارض حالياً). واليوم وحده تأجيل الانتخابات قد يدفع المعارضة إلى إعادة النظر في حساباتها، وسحب أتباعها من الشارع، فيما ترفض فيه الحكومة الإذعان لطلبات المعارضة هذه. تؤكد ينغلوك بحزم قرار الاستمرار في الإعداد للانتخابات. وهنا يحضر الخوف إلى أذهان المراقبين في بانكوك، حيث تغيب بوادر التهدئة بين الطرفين، كذلك فإن الشحن النفسي لأنصار المعسكرين قد بلغ ذروته، ما ينبئ بوقوع الكارثة عما قريب.




قال المتحدث باسم الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبى كاثرين آشتون، مايكل مان، إن «آشتون تشدد على ضرورة احترام حرية الشعب في تايلاند في ممارسة حقه الديموقراطي بالتصويت والاحتجاج السلمي، معربةً عن أسفها لتزايد العنف في البلاد، وتطالب الجميع بالانخراط في حوار سياسي لحل الخلافات».