إسطنبول | كما هي الحال مع الرئيس السوري بشار الأسد، تحول الداعية الإسلامي فتح الله غولن، إلى عدو لدود بالنسبة إلى رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، الذي استنفر كل إمكانات حكومته والدولة التركية للقضاء على حليفه الاستراتيجي السابق، على الرغم من تلاقي الطرفين قومياً ودينياً ومذهبياً.
واكتسبت قضايا الفساد، التي اتهم أردوغان بفبركتها خصمه المقيم في أميركا وصاحب إمبراطورية إعلامية وتربوية، أهمية إضافية لتوقيتها الزمني الذي صادف الحديث عن خلافات جدية بين أنقرة وواشنطن والعواصم الغربية في موضوع سوريا، بعد المعلومات التي تحدثت عن مساعي أردوغان مع قطر لعرقلة مفاوضات جنيف واستمراره في دعم الجماعات المسلحة، بما فيها جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، حسب أقوال المعارضة والإعلام التركيين.
أثار ذلك ردود فعل الغرب الذي لم يعد يخفِ عدم ارتياحه وقلقه من الدعم التركي للجماعات الإرهابية، وخاصة «القاعدة» و«النصرة» عبر الحدود مع سوريا. ولم تمنع هذه الأفكار، التي سوّقها أردوغان على الصعيد الداخلي، أنقرة من التحرك إقليمياً وأوروبياً، حيث زار لأول مرة منذ ٥ سنوات عاصمة الاتحاد الأوروبي في محاولة منه لإقناع الغرب بنزاهته ونزاهة حكومته. كذلك أراد أن يقول لحلفائه في أوروبا إنه فعل ما فعله في موضوع سوريا بالاتفاق والتنسيق والتعاون معهم جميعاً، وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
واستضاف أردوغان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في أنقرة وقال للأميركيين والبريطانيين إنه على استعداد لتحريك الملف القبرصي. ثم توجّه بدوره إلى برلين للقاء المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي قيل إنها والمسؤولين الأوروبيين وجّهوا انتقادات عنيفة لأردوغان في موضوع الفساد ومساعي الحكومة للقضاء على استقلالية القضاء والحد من حرية التعبير عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومن خلال القوانين الأخيرة التي أقرها البرلمان.
وجاءت زيارة أردوغان لطهران في محاولة جديدة منه لإعادة التوازن في الدور الإقليمي لتركيا بعد أن خسر هذا الدور بسبب سياساته في سوريا ومن ثم سقوط الحليف الاستراتيجي محمد مرسي في مصر. وسبق هذه الزيارة إرسال أردوغان وزير خارجيته أحمد داود أوغلو، إلى بغداد وطهران لإقناع نوري المالكي وحسن روحاني بضرورة زيارة أنقرة، في محاولة منه لإظهار تركيا وكأنها ما زالت البلد المهم في معادلات المنطقة، وخاصة في هذه المرحلة التي تعيش فيها بلاده مع الرياض علاقات تجاذبات وصراعات جدية، إن كان في موضوع سوريا أو مصر.
لكن استناداً إلى ما ينشره الإعلام التركي ويبثّه، لا يبدو أي تغيير في الموقف التركي تجاه الأزمة السورية، ما يعني أن مساعي بعض الأوساط الإعلامية والدبلوماسية العربية لتسويق فكرة تغيير ما في وقف أنقرة، إن لم تكن مقصودة لحساب ما، فهي تعكس جهل أصحابها بعقلية أردوغان ونهجه السياسي الذي لم يتخلّ ولن يتخلى عنه بسهولة، بحسب رأي العديد من المحللين السياسيين والإعلاميين الأتراك.