تحول الكباش بين أطراف النزاع السياسي في كييف إلى صراع أغرق البلاد بالدماء، مطلقاً صافرة الانذار في الاتحاد الأوروبي الذي قرر أن يوفد بعض وزراء خارجيته إلى كييف قبيل اجتماع على المستوى نفسه يعقد في بروكسل اليوم يفترض أن يؤدي إلى فرض عقوبات على نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، ما لم تتصدّ موسكو لتلك المحاولات، وإن كانت التصريحات التي رشحت عنها حملت نوعاً من النأي بالنفس عمّا يجري.
وفي وقت متأخر من مساء أمس، أعلن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش «التهدئة» واستئناف المفاوضات مع المعارضة، وذلك غداة أعمال عنف غير مسبوقة خلفت 26 قتيلاً على الأقل.
وقالت الرئاسة في بيان، إنه إثر اجتماع مع قادة المعارضة الثلاثة، «أعلن الاطراف التهدئة واستئناف المفاوضات لوقف حمام الدم وضمان استقرار الوضع».
وكانت الأزمة السياسية في أوكرانيا قد اشتدت بعد انحدار خطير في مستوى المواجهات في الشارع، حيث تنذر أعمال العنف الدامية بتعميق الهوة بين السلطة وزعماء المعارضة الذين قادوا الاحتجاجات الشعبية المناهضة لقرار يانوكوفيتش بتأجيل خطط لإبرام اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، واستبداله بالسعي لتوثيق العلاقات مع روسيا.
وأعلنت الاجهزة الامنية الاوكرانية مساء أمس، عشية زيارة الوفد الأوروبي، إطلاق عملية «مكافحة الارهاب» في سائر أرجاء البلاد ضد مجموعات متطرفة.
ورأى يانوكوفيتش أن بعض تيارات المعارضة تحاول «الاستيلاء على السلطة» خارج الأطر الدستورية، مؤكداً أن المعارضة «تخطت الحدود» في سعيها للوصول إلى السلطة من خلال الشارع، وأن المذنبين سيحاكمون. وكانت قوات مكافحة الشغب الأوكرانية قد شنت طوال ليل الثلاثاء ـــ الأربعاء هجمات عدة على الميدان، الساحة الرئيسية في كييف، حيث يعتصم المحتجون، ما أدى إلى مقتل 25 شخصاً، بينهم 7 من رجال الشرطة أصيبوا بأعيرة نارية.
ولم تقتصر المواجهات على العاصمة، بل وصلت إلى غرب البلاد حيث هاجم متظاهرون عدة مباني حكومية واستولوا على أسلحة في وحدة عسكرية. مواجهات جاءت بعد فشل كافة المساعي الرامية لاحتواء الأزمة التي تشهدها البلاد منذ كانون الأول الماضي. في المقابل، أعلن الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أمس أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يعطي نصائح ليانوكوفتيش في الازمة التي يشهدها هذا البلد منذ اكثر من ثلاثة اشهر. وقال بيسكوف إن الرئيس الروسي «لا ينوي إعطاء نصائح له في المستقبل». وتداعى الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق على عقد اجتماع طارئ لبحث جوانب الأزمة وسط انتقادات لأداء الحكومة الأوكرانية تجاه المعارضة.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أنه سيزور كييف اليوم مع وزيري خارجية المانيا فرانك فالتر شتاينماير وبولندا رادوسلاف سيكورسكي، قبل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في بروكسل. وقال فابيوس، بحضور وزير الخارجية الاميركي جون كيري: «ينبغي استئناف الحوار السياسي بين المعارضة والنظام». وأعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون إن اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد اليوم سيبحث فرض عقوبات على نظام الرئيس الاوكراني.
وشدد وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ عبر «تويتر» على أن العنف تجاه المتظاهرين السلميين مرفوض، ويجب محاسبة الحكومة الأوكرانية.
إن كان للأزمة السياسية في كييف ملامح صراع على السلطة بين الحكومة والمعارضة، فإن الموقع الاستراتيجي لأوكرانيا وغناها بالثروات الباطنية، إضافة إلى كونها المعبر لتمرير الغاز الروسي إلى أوروبا، وإشرافها على البحر الأسود، تجعل من أحداثها حلبة لصراع الدول الكبرى وساحة للتدخلات، وإن من وراء الستار. فالولايات المتحدة التي تتقن «سياسة التمدد الناعم» تبرع في استغلال المحتجين، الذين لا شك لهم مطالب محقة وتتفنن في إغراء المجتمع المدني بشعارات ووعود التأييد والحقوق والحرية. فتستخدم هذه الذرائع للتدخل في شؤون البلاد. فيما تجاهد روسيا للحفاظ على عنصر قوتها على البحر الأسود. وهي تعتبر أوكرانيا بلداً محورياً وسلاحاً لها في تحديها للمشاريع الغربية؛ فمنذ القرن 19 خضعت أوكرانيا لحكم قياصرة موسكو، لذا لا تسمح بالتدخل بالشؤون الداخلية لكييف.
ويقول الصحافي الأوكراني يولي ميليوكوفيتش إن واشنطن تمني النفس بإعادة مشهد الثورة البرتقالية إلى البلاد وتقليص النفوذ الروسي، وهو ما ظهر جلياً حين أرسلت الولايات المتحدة فكتوريا نولاند، مسؤولة الشؤون الخارجية الأميركية، والتقت مع المحتجين في ساحة الاعتصام. أما صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» الروسية فقد أفادت بأن بول كريغ روبرتس، مساعد وزير مالية إدارة الرئيس الأميركي السابق ريغان، قال عبر موقع التواصل الاجتماعي إن التظاهرات المناهضة للحكومة في أوكرانيا نظمتها وكالة الاستخبارات الأميركية والخارجية الأميركية بالتعاون مع منظمات غير حكومية يمولها الاتحاد الأوروبي. وأضاف روبرتس أن أميركا والاتحاد الأوروبي يسعيان إلى القضاء على استقلال أوكرانيا وجعلها عرضة للنهب من قبل البنوك والشركات الأميركية، توطئة لجرّ أوكرانيا إلى حلف الأطلسي حتى يتاح لواشنطن إقامة القواعد العسكرية عند حدود روسيا. لكن أوكرانيا كانت عصية على التطويع ولم تخرج عن محور موسكو الاستراتيجي.
(الأخبار)