كييف ــ الأخبار ما يصل إلى خمس الأوكرانيين هم من الروس (نحو 18 بالمئة من نحو 46 مليوناً)، إلا أن هناك الكثير من المعطيات التي تدعم الادعاء الروسي بأن الروس والأوكرانيين والبلاروس، ينتمون إلى أرومة قومية واحدة. وبينما تؤيد الأقاليم الشرقية من البلاد، الخاضعة لتقاليد الكنيسة الأرثوذكسية، علاقة مميزة مع الاتحاد الروسي، يتجه الرأي العام في الأقاليم الغربية، حيث توجد أقلية كاثوليكية كبيرة، إلى توثيق العلاقات مع الغرب.

لكن تأثير الدين ليس حاسماً إلا بشكل محدود جداً، مع إعلان ما يقرب من ثلثي الأوكرانيين أنهم بلا دين، ولا ينتمون إلى أي كنيسة.
لا يمكن فصل تاريخ أوكرانيا عن تاريخ روسيا؛ فقد بدأ تاريخ أوكرانيا الحديث مع السلاف الشرقيين. منذ القرن التاسع وحتى الثاني عشر، أصبحت أوكرانيا المركز السياسي للسلاف الشرقيين، في الدولة التي عرفت باسم روس كييف، وفيها تكونت الهوية الوطنية للأوكرانيين والروس معاً. وكما سيحدث لاحقاً، وخصوصاً في العهد السوفياتي في القرن العشرين، تداخلت نخبة الحكم بين الوطنيتين.
في القرن السادس عشر، انتقلت أجزاء من الأراضي الأوكرانية إلى التاج البولندي، وتحولت النخب السلافية في هذه الأجزاء إلى الكاثوليكية، وأصبحت جزءاً من النبلاء البولنديين. أما الفلاحون، فقد احتموا بالقوزاق الذين حافظوا على مذهبهم الأرثوذكسي وكراهية الدولة البولندية والغرب. وبعد محاولات للتوسع في حكم ذاتي، ارتضى القوزاق حماية روسيا الأرثوذكسية. وفي منتصف القرن السابع عشر، التحقت الضفة اليسرى من أوكرانيا بروسيا الموسكوفية. وبعد تقسيم بولندا في نهاية القرن الثامن عشر، خضعت غاليسيا الأوكرانية الغربية للنمسا، بينما ضم ما بقي من أوكرانيا تدريجاً إلى الإمبراطورية الروسية.
لثلاثين عاماً بين 1657 و1686، حاربت روسيا البولنديين والأتراك، انتهت بضم أراضي كييف والقوزاق شرق دنيبر إلى الحكم الروسي والأراضي الأوكرانية غربي دنيبر إلى بولندا.
في مطلع القرن الثامن عشر، فرض القيصر الروسي الطموح، بطرس الأكبر، الحكم المركزي الروسي على أراضي أوكرانيا. ومذ ذاك، وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي في عام1991، يمكن القول إن أوكرانيا لم تعرف الاستقلال عن روسيا إلا لفترات قصيرة، بينما شهدت المناطق الأوكرانية التابعة للنمسا مركزاً لحركة قومية معادية للروس.
في الحرب العالمية الأولى، كان الأوكرانيون يقاتلون على الجبهتين المتحاربتين، 250 ألفاً قاتلوا مع النمسا ضد ثلاثة ملايين ونصف قاتلوا مع الجيش الروسي؛ أنصار النمسا قاتلوا، لاحقاً، الشيوعيين وجمهورية أوكرانيا السوفياتية التي تأسست عام 1919 وأصبحت من مؤسسي الاتحاد السوفياتي عام 1922، وهي توسعت لتضم معظم أراضي أوكرانيا التاريخية. وخلال الحكم السوفياتي، شهدت الشخصية الوطنية واللغة والآداب والثقافة الأوكرانية، فترة ازدهار، إلا أن اللغة الروسية ترسخت كلغة رئيسية لكل التعاملات، وخصوصاً في الحقل العلمي والتقني والصناعي.
يعود الفضل لروسيا السوفياتية في تحول أوكرانيا إلى دولة صناعية؛ فقد تضاعف الإنتاج الصناعي الأوكراني أربع مرات في عقد واحد، عقد الثلاثينيات. إلا أن سياسة التصنيع الكثيف القائمة على إخضاع كل الموارد للصناعة، أدت إلى ضغوط كبيرة على الفلاحين، غذت لديهم نزعات مضادة للشيوعية والروس. وقد ظهر أثر هذه النزعات لاحقاً في قيام منظمات فاشية أو مؤيدة لألمانيا النازية.
غزت الجيوش الألمانية الاتحاد السوفياتي في 1941، واشتعلت أربع سنوات متتالية من الحرب الشاملة. تغلبت دول المحور في البداية على المقاومة اليائسة للجيش الأحمر. وفي حصار كييف، دعيت المدينة «مدينة الأبطال»، للمقاومة الشرسة التي أبداها الجيش الأحمر والسكان المحليون.
وعلى الرغم من أن أغلبية واسعة من الأوكرانيين قاتلت إلى جانب المقاومة والجيش الأحمر السوفياتي، إلا أن بعض العناصر القومية الأوكرانية شكلت جبهة قومية معادية للسوفيات، وواصلت محاربة الاتحاد السوفياتي في السنوات التي تلت الحرب. باستخدام تكتيكات حرب العصابات، استهدف المتمردون بالاغتيال والإرهاب أولئك الذين عدّوهم ممثلين أو متعاونين على أي مستوى مع الدولة السوفياتية.
خلال الخطة الخمسية 1946-1950، استثمرت موسكو ما يقرب من 20 في المئة من ميزانية الاتحاد السوفياتي في أوكرانيا. ونتيجة لذلك ارتفعت قوة العمل 33.2% بين 1940-1955، فيما نما الناتج الصناعي 2.2 مرة في الفترة نفسها، وأصبحت أوكرانيا من بين الدول الأوروبية ذات الصدارة في الإنتاج الصناعي. وبصورة خاصة، أصبحت مركزاً مهماً لصناعة الأسلحة السوفياتية والبحوث ذات التكنولوجيا العالية. وقد أثر ذلك على النخبة المحلية؛ فقد جاء العديد من أعضاء القيادة السوفياتية من أوكرانيا، بالأخص ليونيد بريجنيف، 1964-1982، فضلاً عن العديد من الرياضيين البارزين السوفيات والعلماء والفنانين.
أسوأ الأحداث في الفترة السوفياتية، جرى في 26 نيسان 1986، حين انفجر مفاعل محطة تشيرنوبل للطاقة النووية، ما أدى إلى كارثة تشيرنوبيل. كان حدثاً مأسوياً أدى إلى مشكلات بيئية واقتصادية وإنسانية.
حصلت أوكرانيا على الاستقلال مرة أخرى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991. وبدأت هذه الفترة بالانتقال إلى اقتصاد السوق، حيث ضرب الركود الاقتصاد الأوكراني طوال فترة التسعينيات، قبل أن يعود إلى الانتعاش المؤقت مطلع الألفية الثالثة. لكن سرعان ما تراجعت نسب النمو، وعرف الاقتصاد الركود مجدداً مع انفجار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بما يقرب من 20 بالمئة.
الصناعة الأوكرانية تتركز في شرق البلاد، أي في المناطق الموالية، جيوسياسياً، للاتحاد الروسي، وتشكل هذه الصناعة جزءاً من الهيكلية الصناعية الروسية، وخصوصاً الصناعة الثقيلة وصناعة السيارات والطائرات (طائرة النقل «أنتينوف» الروسية الشهيرة تنتج في أوكرانيا، فهي روسية ـ أوكرانية). كذلك فإن أوكرانيا تنتج المركبات الفضائية الروسية، وهي تملك وكالة فضائية وأقماراً صناعية خاصة بها.
إن أهمية الصناعة الأوكرانية بالنسبة إلى الروس تفسر إقدام موسكو على منح كييف قروضاً سهلة من دون شروط بقيمة 15 مليار دولار، معظمها موجه للإبقاء على دوران عجلة التصنيع الأوكراني.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ورثت أوكرانيا قوة قوامها 780,000 عسكري على أراضيها، مزودة بثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم. وفي أيار 1992، تخلت عنها لروسيا وانضمت إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية كدولة غير حائزة أسلحة نووية، واتخذت خطوات لخفض الأسلحة التقليدية وعديد القوات المسلحة. وفي بداية القرن الحالي، اتجهت الحكومة الأوكرانية إلى منظمة حلف شمالي الأطلسي، وإلى تطوير التعاون مع قوات التحالف التي حددتها خطة العمل بين حلف الناتو وأوكرانيا الموقعة عام 2002. واتُّفق في وقت لاحق على إجراء استفتاء وطني في مرحلة لاحقة على الانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي. لكن مع صعود حزب الأقاليم الحاكم الموالي لروسيا وانتخاب الرئيس الحالي فيكتور يانوكوفيتش عام 2004، بدأت كييف بالابتعاد عن حلف شمالي الأطلسي. ورفض يانوكوفيتش، انضمام أوكرانيا إلى الحلف، ما جعله هدفاً معادياً بالنسبة إلى الغرب.
تشكل القوى الدفاعية والصناعات الحربية الأوكرانية، أحد أهم عناصر الصراع بين روسيا الطامحة إلى تجديد التدامج الروسي الأوكراني في هذا المجال، وبين الغرب الذي يسعى إلى تفكيك القوى الدفاعية الأوكرانية.



مجلس الامن الروسي يبحث الأوضاع في أوكرانيا

بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، مع أعضاء مجلس الأمن الروسي التطورات الأخيرة في أوكرانيا بعد سقوط عشرات الضحايا في المواجهات بين المحتجين ورجال الأمن. وقال المتحدث الصحفي باسم الرئيس، دميتري بيسكوف إن بوتين ترأس اجتماعاً عاجلاً لمجلس الأمن حضره كل من رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف، ورئيسا مجلس الاتحاد (الشيوخ) فالنتينا ماتفيينكو والدوما (النواب) سيرغي ناريشكين، ومدير الديوان الرئاسي سيرغي إيفانوف، والأمين العام لمجلس الأمن نيقولاي باتروشيف ونائبه رشيد نورعلييف. كما حضر الاجتماع وزراء الخارجية سيرغي لافروف والداخلية فلاديمير كولوكولتسيف والدفاع سيرغي شويغو، ومديرا هيئة الأمن الفيدرالية ألكسندر بورتنيكوف وجهاز الاستخبارات الخارجية ميخائيل فرادكوف، والعضو الدائم في مجلس الأمن بوريس غريزلوف.
(الأخبار)