رغم التظاهرة الحاشدة التي دعا إليها أكبر حزب معارض في تركيا (الشعب الجمهوري) في إسطنبول أمس، احتجاجاً على «تورط» حكومة حزب العدالة والتنمية في فضيحة فساد كبيرة، أصدر الرئيس التركي عبد الله غول قانوناً مثيراً للجدل يعزز سيطرة حكومة حزب العدالة والتنمية على القضاء.
ويعدّل هذا القانون تنظيم المجلس الأعلى للقضاة والمدعين وصلاحياته، وهو إحدى الهيئات القضائية العليا في البلاد، من خلال تعزيز صلاحيات وزير العدل فيه، وخصوصاً على صعيد تعيين القضاة.
وللتخفيف من حدة الانتقادات لهذا القانون، برر الرئيس التركي، في خطوة غير مألوفة، تصديقه على القانون الجديد، مشيراً، في بيان، إلى أنه عبّر عن اعتراضاته «على 15 بنداً تتعارض بوضوح مع الدستور»، لكنه أكد أن هذه الاعتراضات أُخِذَت في الاعتبار خلال المناقشات في البرلمان.
وقال غول: «هكذا قررت أن أوافق عليه، معتبراً أن المحكمة الدستورية يمكن أن تناقش أيضاً المواد الأخرى».
وكانت المعارضة التركية قد طلبت من غول استخدام حقه في نقض هذا القانون، فيما كان الاتحاد الأوروبي قد أعرب عن قلقه لدى أنقرة المرشحة لدخول الاتحاد، من التعرض «لاستقلالية القضاء».
فالتعديلات التي أدخلها الرئيس التركي لم تمتص غضب المعارضة، التي سارعت إلى تأكيد عزمها على أن ترفع المسألة إلى المحكمة الدستورية أمس، حسبما أعلن حزب الشعب الجمهوري
المعارض.
ويأتي إصدار هذا القانون المثير للجدل، فيما تواجه حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي يتولى السلطة منذ 2002، «فضيحة فساد» منذ منتصف كانون الأول الماضي. وهو يكمل موجة غير مسبوقة من عمليات التطهير في صفوف الشرطة والقضاء التركيين اللذين يتهمهما بالمشاركة في مؤامرة حاكتها جمعية الداعية الإسلامي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، لتشويه سمعة أردوغان قبل الانتخابات النيابية في 30 آذار، والرئاسية في آب المقبل.
وفي هذا الوقت، عادت المعارضة التركية إلى الشارع من بوابة ميدان تقسيم في إسطنبول أمس، بعد يومين من اتّهام أردوغان خصومه السياسيين بتزييف تسجيل لمحادثة هاتفية يطلب فيها من ابنه إخفاء مبالغ مالية كبيرة مع بدء التحقيق في الفساد.
وفي الساحة التي شهدت مواجهات بين أنصار المعارضة والحكومة في الصيف الماضي على خلفية مشاريع عقارية في حديقة غيزي في إسطنبول، تجمّع نحو ألف شخص أمس للتضامن مع المعارضة، مرددين هتافات تأييد لمرشح المعارضة(حزب الشعب) لرئاسة بلدية إسطنبول، مصطفى صاري غول، وهو رئيس بلدية منطقة شيشلي في المدينة نفسها.
وقالت إحدى سكان إسطنبول موليا مالوساكلي، إنها لم تعد ترغب في بقاء حكومة آردوغان، في السلطة، مشيرة إلى أن «المال الذي كان في منازل زعماء الحزب الحاكم هو مال شعب هذا البلد. ونحن هنا للاحتجاج عليهم. لماذا نريد أن تستمر هذه الحكومة في حكم تركيا؟».
من جهته، أوضح وزير العلوم والصناعة والتقانة التركية، فكري إيشيق، أن رئاسة الوزراء التركية لم تطلب من هيئة الأبحاث العلمية والتكنولوجية التركية (توبيتاك) بعد، إجراء فحوص فنّية على التسجيلات الصوتية، المنسوبة إلى رئيس الوزراء ونجله بلال.
وأضاف إيشيق، أن تعرض هذ التسجيلات لعملية فبركة مسألة واضحة كعين الشمس، مؤكّداً الأنباء التي أفادت عن إقالة عدد من موظفي «توبيتاك»، ورئيس مركز أبحاث مرمرة، مراد أيدن.
ولفت إيشيق إلى أن خمسة من موظفي المؤسسة، المسؤولين عن متابعة قسم الهواتف المشفّرة، مُنِحوا إجازة حتى إشعار آخر، فضلاً عن قطع أي صلة لهم بأماكن عملهم، في إطار التحقيقات الجارية لمعرفة الجهة المسؤولة عن تسريب المكالمات الهاتفية، وفبركتها باستخدام برامج مونتاج صوت.
وتابع قوله إن «توبيتاك» تعرضت لاختراق من قبل تنظيم «الدولة الموازية»، والحكومة تعمل بجد للوقوف ضد محاولات تسلل الدولة الموازية داخل مؤسسات الدولة التركية، في إشارة إلى جماعة
غولن.
(أ ف ب، رويترز، الأناضول)