كثيرة هي القواسم المشتركة بين شبه جزيرة القرم وكوسوفو؛ فكلاهما يتمتعان بحكم ذاتي، وقواعد عسكرية أجنبية على أراضيهما، والرغبة في الاستقلال أيضاً موجودة لدى غالبية سكانهما. لكن بينهما أيضاً العديد من الخلافات، لعل الأهم فيها اختلاف الراعي لكل منهما.
في الأيام الأخيرة، طفت على السطح المقارنة بين أحداث القرم وعدوان حلف شماليّ الأطلسي على يوغوسلافيا عام 1999. بل إن الروس أنفسهم قارنوا في المقابل حمايتهم للقرم وسكانه، وغالبيتهم من أصول روسية. بعض المحللين يرى أن «ليس هناك ما يدفع إلى المقارنة بين شبه جزيرة القرم وأوكرانيا من جهة، وكوسوفو مع صربيا من جهة أخرى. وقتها كانت صربيا تهدد سكان كوسوفو، في حين أن أوكرانيا لم تكن تهدد أحداً». فهل يمكن دولةً ما أن تهدد جزءاً من أراضيها؟ في إقليم كوسوفو ذي الحكم الذاتي، يعيش الصربيون والألبان والأتراك وقوميات أخرى، ولم يكن هناك ما يُسمى «سكان كوسوفو». المعضلة ليست هنا. هي تمكن في إشكالية أخرى يمكن اختصارها بالتساؤل الآتي: من هي الجهة التي كانت تحميها الولايات المتحدة في كوسوفو؟ في ذاك الإقليم اليوغوسلافي لم يكن يعيش أي مواطن أميركي، خلافاً طبعاً للوضع في شبه جزيرة القرم حيث يوجد مليون ونصف مليون روسي.
ومع ذلك، دأبت وسائل الإعلام الغربية على إيجاد بعض أوجه التشابه بين القرم وكوسوفو. فعلى سبيل المثال، كتب يان تريينور في صحيفة «ذا غارديان»: «يمكن أن نلاحظ بجلاء التكتيكات والأساليب التي استخدمها ميلوسيفيتش خلال الحروب التي اندلعت في يوغوسلافيا السابقة وكوسوفو. وإذا قرر (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين أن يصبح ميلوسيفيتش جديداً، فإننا سنرى تقسيماً جديداً في أوروبا».
كانت نيّة سلوبودان ميلوسيفيتش الحصول على وضع أفضل للصرب، لكن للأسف لم تكن لديه القوة لمقاومة توسع الأطلسي شرقاً!! ورغبة منها في إعادة نشر قواتها من غرب أوروبا إلى شرقها، اختارت أميركا إقليم كوسوفو الصربي ذي الحكم الذاتي وميتوهيا، لبناء قواعدها الاستراتيجية. ولتحقيق هذا الهدف، استخدمت الولايات المتحدة جيش تحرير كوسوفو الذي أدرجته أميركا سابقاً ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.
استُغلت عملية مكافحة الإرهاب التي قامت بها القوات الخاصة الصربية ضد جيش تحرير كوسوفو في شهر كانون الثاني من عام 1999، ذريعةً لقصف يوغوسلافيا من خارج الأمم المتحدة. وبناءً عليه، دعت وسائل الإعلام الغربية آنذاك، التي صورت عملية القوات الخاصة في قرية راتشاك على أنها مذبحة جماعية بحق المدنيين هناك، الولايات المتحدة إلى الرد لحماية الناس الأبرياء. وبعد مرور 10 سنوات، كتبت بعض وسائل الإعلام الغربية أن الجثث كانت لإرهابيين ألبان وليست جثث أناس أبرياء.
بعدما دخلت قوات حلف الأطلسي إلى كوسوفو، شرعت الولايات المتحدة في بناء ثاني أكبر قاعدة في أوروبا في بوندستيل. وهذه القاعدة تسمح للولايات المتحدة بالسيطرة على منطقة البحر المتوسط والبحر الأسود، وكذلك الطرق المؤدية إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإلى القوقاز. كذلك فإنها تسمح بمراقبة منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، مع الإشارة إلى أن بناء القاعدة في صربيا أصبح يحمل طابعاً قانونياً ومربحاً من الناحية المادية، وذلك لأن الأميركيين لا يدفعون سنتاً واحداً لاستخدامهم الأراضي الحكومية في كوسوفو.
في المقابل، خلافاً لما فعلته أميركا، فإن روسيا تدفع نحو 100 مليون دولار سنوياً لقاعدتها في القرم، وإن أسطولها البحري موجود في شبه الجزيرة منذ 230 عاماً. لهذا، درج نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين على التأكيد أن «أسطول البحر الأسود لا يمكن اعتباره من دون مأوى، وأن مدينة سيفاستوبول موطنه الأصلي». بل إن القرم كان جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد السوفياتي منذ 50 عاماً، وفي الوقت الذي لجأت فيه الولايات المتحدة إلى العدوان لاحتلال جزء من الأراضي الصربية، وتبذل جهدها لبناء دولتها الدمية هناك.
بناءً عليه، تجد تياراً جارفاً بين المراقبين يؤكد أن العلاقات التاريخية والاقتصادية والثقافية مع أوكرانيا، تعطي روسيا الحق في التدخل لحماية شعبها، في الوقت الذي يمكن أن نتساءل: ماذا تفعل الولايات المتحدة على الأراضي الصربية وغيرها من أماكن وجود جيشها؟