باريس | في خطوة متوقعة ولكنها بالغة الدلالة، عيّن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وزير الداخلية مانويل فالس رئيساً جديداً لـ«حكومة مقاتلة» و«مصغرة» خلفاً لجان مارك ايرولت الذي هزته الهزيمة الانتخابية الفادحة لليسار أول من أمس، ما دفع به إلى المسارعة في تقديم استقالته.
وبعدما أشار إلى أنه تلقى بوضوح «استياء وخيبة» الفرنسيين جراء الانتخابات التي كرست فوز اليمين والاختراق التاريخي لليمين المتطرف، قال هولاند، في خطاب تلفزيوني مقتضب، «عهدت الى مانويل فالس بمهمة قيادة حكومة فرنسا»، بعد انفصاله عن ايرولت الذي كان رئيساً للحكومة منذ 2012. وأضاف أن «النهوض بالبلاد أمر لا بد منه، والنهوض بجهازنا الإنتاجي وبحساباتنا العامة وبنفوذنا في أوروبا والعالم».
ووعد هولاند «بفريق مصغر متماسك وملتحم» وصفه بـ«حكومة مقاتلة» بهدف «منح القوة مجدداً لاقتصادنا».
وستحفظ نتائج الانتخابات المحلية الفرنسية لهذا العام في الذاكرة السياسية الفرنسية، باعتبارها فتحت الباب واسعاً أمام اليمين المتطرف ليتقلد مناصب رسمية بعد محاولات كثيرة فاشلة خلال السنوات الماضية؛ فقد أشارت النتائج غير الرسمية للدورة الثانية التي أجريت الأحد الى تمكن اليمين المتطرف أخيراً من السيطرة على عدد من البلديات، حيث فاز بـ13 بلدية يفوق عدد سكانها تسعة آلاف نسمة من بينها 11 بلدية لحزب «الجبهة الوطنية» التي فازت وحدها بـ9 في المئة من أصوات الناخبين.
في المقابل، فقد مني اليسار بهزيمة وصفت بالقاسية أمام اليمين في العديد من المدن الكبرى كـ«روبيه» شمال البلاد و«سانت اتيان» وسط، حيث حصل الحزب الاشتراكي الحاكم على 42 في المئة من الأصوات مقابل حصول حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» اليميني المعارض على 49 في المئة. واعترف رئيس الوزراء ايرولت بأن هزيمة حزبه في الانتخابات البلدية تمثل فشلاً لحكومته، معتبراً أن «هذه الرسالة الواضحة وصلت وسيتم الاستماع اليها».
وأول المؤشرات طبعاً على أن الرسالة وصلت فعلاً كانت إعلان الحكومة مساء أمس استقالتها. استقالة كانت متوقعة في ظل هذا الفشل، ولكنها لن تكون مجدية ولن تغير من واقع الحزب الاشتراكي إذا اقتصرت على تغيير الاشخاص دون السياسات؛ فقد أشارت استطلاعات الرأي الى أن الرئيس الفرنسي بعد سنتين فقط من وصوله الى الإليزيه أصبح الأقل شعبية بين رؤساء الجمهورية الخامسة، ما يعني أنه المسؤول الأول عن هذه النتائج التي قرأتها الصحف الفرنسية على أنها عقاب له. صحيفة «لوفيغارو» اختارت عنوان «التسونامي الأزرق يجتاح الرئيس هولاند»، في إشارة الى فوز اليمين بالعديد من الدوائر الانتخابية، ورأت أن الدورة الاولى من هذه الانتخابات كانت قاسية على هولاند والدورة الثانية كانت قاتلة. بدورها، خرجت صحيفة «ليبراسيون» المعروفه بتوجهها اليساري بعنوان «العقاب» مرفق بصورة لهولاند تظهر عليه الصدمة من حجم الهزيمة، معتبرة أن التعديل الوزاري بات حتمياً.
وكان هولاند نجح خلال الانتخابات الرئاسية في أن يقدم نفسه بصورة الزعيم الوطني الذي جاء لينقذ البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، وقد أوحى شعار حملته الانتخابية، أن ذاك «التغيير الآن»، بأن هذا الزعيم وإن لم يملك حلولاً سحرية لكنه يعرف جيداً ما عليه فعله. ولكنه حتى الآن لم يحقق تغييراً يذكر، وبدأت صورته تظهر في الاعلام الفرنسي على أنه ذلك الرئيس المتردد المحتار بين ما يعرض أمامه من خيارات، عكس الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي كان حازماً في قراراته. وبالتالي فإن الناخب الذي عاقب هولاند في هذه الانتخابات المحلية سينتظر ما سيقدمه خلال مدته المتبقية في الحكم، خاصة على الصعيد الاقتصادي، ليقول كلمته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

اليمين المتطرف الرابح الأكبر

النتيجة التي حصل عليها اليمين المتطرف تعتبر نجاحاً كبيراً له. فبعد أن كان لا حضور له في المناصب الرسمية، استطاعت «الجبهة الوطنية» الحصول على 9 في المئة من أصوات الناخبين.
ماري لوبن، زعيمة « الجبهة الوطنية» التي كانت تتوقع الفوز بـ15 مدينة في هذه الانتخابات قالت: «إن الجبهة حققت أفضل نتيجة في تاريخها» على صعيد الانتخابات البلدية، معتبرة ذلك مؤشراً على «نهاية القطبين» في الحياة السياسية ما بين اليسار واليمين.
ولا شك في أن جزءاً من هذا النجاح الذي حققته «الجبهة الوطنية» يأتي نتيجة عدم الرضى عن سياسة القطبين التقليديين في الحياة السياسية الفرنسية، وهذا ظهر جلياً من خلال نسبة المقاطعة القياسية لهذه الانتخابات مقارنة بانتخابات سابقة، والتي بلغت في الدورة الثانية حوالى 38 في المئة.