ريما فخري*طوت تركيا مرحلة الانتخابات البلدية والاختيارية على فوز مهم ولافت لحزب العدالة والتنمية الحاكم، والأهم على خيبة أمل لكل معارضي هذا الحزب، الذين كانوا يتوقعون تراجعا في شعبيته ونفوذه، وقد بنوا تقديراتهم على الأجواء التي سبقت هذه الانتخابات: التظاهرات والمواجهات التي انطلقت في شهر حزيران 2013، على خلفية أحداث حديقة غيزي، والاتهام بالفساد الذي طاول حلقة قريبة من رجب طيب أردوغان، ولا سيّما ابنه بلال ووزراء في حكومته؛

كذلك التوتر في العلاقة بين أردوغان والداعية فتح الله غولن، ذي النفوذ القوي والواسع في مؤسسات الدولة التركية، الذي خرج إلى العلن من خلال اتهامات وتهديدات متبادلة، وصولاً على إغلاق ألف مدرسة تابعة لجمعية «خدمة»، إحدى مؤسّسات غولن الكبرى؛ الملابسات والسجالات التي رافقت تدخّل حكومة حزب العدالة والتنمية في الأزمة السورية، وكذلك تداعيات هذا التدخّل الذي بلغ ذروته قبل أيام من انطلاق العملية الانتخابية من خلال التدخل التركي العسكري المباشر إلى جانب المسلحين في محور أنطاكية ـــ كسب، وإسقاط طائرة عسكرية سورية؛ وأخيراً حظر وسيلتي التواصل الاجتماعي، تويتر ويوتيوب، عشية الانتخابات، في بلد يقدِّم نفسه نموذجاً للديمقراطية والتطور، ويرمي إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
كل هذه الظروف، كل هذه الضغوط والتوترات، كان من المفترض، بحسب الكثير من الباحثين، فضلاً عن المعارضين، أن تؤثِّر في نتائج الانتخابات، وأن تساعد على تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، وإن كان من الإنصاف الإشارة إلى أنه كان ثمة شبه إجماع على تقدير فوز هذا الحزب.

فما الذي حصل؟

أولاً: الأحزاب المتنافسة: تنافس على ملء المقاعد البلدية والاختيارية سبعة أحزاب ومستقلّون.
وهذه الأحزاب هي: حزب العدالة والتنمية، حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية (اليميني)، حزب السلام والديمقراطية (الكردي)، حزب السعادة، حزب الشعب الديمقراطي، حزب الاتحاد الكبير، وإن كان لم يظهر منها على خارطة النتائج الانتخابية سوى الأحزاب الخمسة الأولى، بسبب طبيعة قانون الانتخاب، حيث يفترض بالناخب اختيار حزب مرشح.
ثانياً: النتائج والعوامل المؤثِّرة:
1. حصص الأحزاب المتنافسة: أفرزت الحكومة التركية 194.304 صناديق اقتراع، لـ 52.695.831 ناخبا تركين، توزعوا على 80 بلدية على امتداد الأراضي التركية، وجاءت النتائج على النحو التالي:
ـ حزب العدالة والتنمية نال 45.6% من إجمالي أصوات المقترعين.
ـ حزب الشعب الجمهوري نال 27.8%.
ـ حزب الحركة القومية نال 15.2%.
ـ حزب السلام والديمقراطية نال 4.2%.
ـ حزب السعادة نال 2%.
بالمقارنة، في عام 2009، وُضع 177.221 صندوق اقتراع في كل البلديات التركية، وجاءت النتائج على النحو التالي:
ـ حزب العدالة والتنمية نال 38.8%.
ـ حزب الشعب الجمهوري نال 23.1%.
ـ حزب الحركة القومية نال 16.01%.
ـ حزب المجتمع الديمقراطي (الكردي) نال 5.7%.
ـ حزب السعادة نال 5.2%.
وهكذا، تبدو واضحة زيادة حصة كل من هذه الأحزاب، وذلك بسبب الزيادة الطبيعية في عدد الناخبين من جهة، والزيادة الطبيعية في عدد المقترعين ونسبة المشاركين من جهة أخرى، وهذا طبيعي في زمن التشنج والتحريض.
2 ـ نتائج بعض المدن الكبرى والأساسية: بالنظر إلى خارطة النتائج يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
أ ـ فاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة كل بلديات المدن الممتدة على شاطئ بحر إيجه، كما كان الحال تاريخياً، حيث تُعد هذه المدن مركز سكن وحضور الأتاتوركيين، نسبة لمصطفى أتاتورك. ويلاحظ في هذه المدن وجود فارق يعتدّ به لناحية نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب الشعب الجمهوري، أو حزب العدالة والتنمية. ففي مدينة شنكالي مثلاً، نال الشعب الجمهوري 54.4% من الأصوات، بينما نال العدالة والتنمية 35.9% منها. وكذلك الأمر في مدينة أزمير، حيث نال الشعب الجمهوري 49.5% بينما نال العدالة والتنمية 36%، ويبدو واضحا وجود فارق مهم في النسب.
كذلك فاز حزب الشعب الجمهوري ببلدية أنطاكية على الحدود السورية، التي كانت من حصة حزب العدالة والتنمية عام 2009، وإن كان الفارق في الأصوات ليس كبيراً، 41% للشعب الجمهوري و40% للعدالة والتنمية، مقارنة بعام 2009، حين كانت 50.9% للعدالة والتنمية، في مقابل 32.8% للشعب الجمهوري، لكن هذه المنطقة كانت من أكثر المناطق تضرراً بسبب الأحداث والتدخّل التركي في سوريا، ولطالما اشتكى أهلها من ارتفاع عدد النازحين السوريين فيها، كما أن إحدى مناطقها، الريحانية، شهدت تفجيرات إرهابية قاسية في أيار 2013، فُسِّرت يومها على أنها ردّ على الانخراط التركي في سوريا.
لكن الانتكاسة التي مُني بها حزب الشعب الجمهوري كانت بخسارته العاصمة أنقرة، بفارق بسيط (43.8%)، أمام العدالة والتنمية (44.8%)، الأمر الذي دفعه إلى الطعن بالنتيجة التي صدرت بالنسبة إلى أنقرة وغيرها من المدن كأنطاليا على البحر المتوسط. وأهمية أنقرة معنوية لكونها العاصمة السياسية للدولة من جهة، ولطالما عدّت معقلاً لجماعة حزب الشعب الجمهوري من أيام مصطفى كمال أتاتورك.
ب ـ حصّة حزب السلام والديمقراطية الكردي تعزّزت بإضافة بلديتي بيتلس وتونجلي إلى ما كان معه من بلديات عام 2009. وقد فاز الحزب الكردي برئاسة معظم بلديات المدن الواقعة شرق وجنوب شرق تركيا، التي تقطنها غالبية كردية، لكن حزب العدالة والتنمية كان أيضاً حاضراً، وحلّ في المرتبة الثانية بعد السلام والديمقراطية، ما يؤشِّر إلى حضور ونفوذ هذا الحزب في المجتمع الكردي أيضاً، وذلك لاعتبارين، أحدهما ديني، والآخر إنمائي، وإن كانت النتيجة التي حصّلها حزب السلام والديمقراطية تعكس أيضاً المزاج الشعبي الكردي، وطموحاته في تحصيل امتيازات تراعي خصوصياتهم القومية.
ج ـ حافظ حزب الحركة القومية على مستوى حضوره، في المرتبة الثالثة، لكن بفارق كبير عن حزب الشعب الجمهوري. وقد تمكن ممثّلوه من الفوز في مدينتي أضنا، ومرسين على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ولهما أهمية اقتصادية وسياحية كبيرة، ومن الفوز أيضاً في مدينة كارص على الحدود مع أذربيجان. ويرجّح أن النتائج التي حصل عليها هذا الحزب هي نتاج أداء إداري وإنمائي جيّد لممثليه.
د ـ تضافرت جملة من العوامل وساعدت حزب العدالة والتنمية على الفوز والتفوّق مجدداً في الانتخابات، ولعل من أهمها:
ـ تجربتهم القديمة والناجحة في العمل الإنمائي، التي جعلت الناخبين أحياناً يغضّون الطرف عن فضائح الفساد.
ـ قدرتهم على الإعلان والدعاية والترويج لمشاريعهم وإنجازاتهم.
ـ تجربة حزبهم في المجال الاقتصادي، التي كانت ناجحة في محطات عديدة.
ـ تقديم أنفسهم للناس على أنهم خيار إسلامي متديّن تقبله المجتمعات المحافظة كما في قونيا، مثلاً، وحتى في المجتمع الكردي، وفي وسط الأناضول عموماً.
. فشل معارضيهم في تقديم مشروع بديل وتجربة تشجِّع الناس على التغيير، وكذلك تشرذم قوى المعارضة وعدم توحّدها في مواجهة حزب العدالة والتنمية.
ـ بعض الإجراءات الإدارية التي اتخذتها حكومة أردوغان خلال السنوات الماضية، والتي ساعدته على تعزيز وضعه، كدمج بعض المدن وتحويلها إلى بلديات كبرى، كما هو الحال في أنطاليا على البحر المتوسط، وإسطنبول.
ـ حتى فتح الله غولن، فشل في إضعاف أردوغان وحزبه، بل أثبتت تجربة الانتخابات هذه أن جماعة غولن هم نخب ولا يؤثّرون على الصعيد الانتخابي، فضلاً عن أن وجود الرجل في بنسلفانيا الأميركية، بعيداً عن تركيا منذ أواخر القرن الماضي، يقلل أكثر من تأثيره في الشارع التركي.
- نجح أردوغان في تحويل انتخابات محلية إلى استفتاء على شعبيته، واستدرج خصومه إلى هذه المعركة. بالتالي عندما ظهرت النتائج، خرج منتصرا ليس فقط بالانتخابات المحلية، بل أيضا كزعيم يمتلك شعبية عالية، في المباشر تقدر بـ 45%، تضاف إليها أصوات الذين انتخبوا حزبه دون أن يفلحوا في إيصال مرشحهم إلى بلديات مدنهم.

في التداعيات

تمثل نتائج الانتخابات البلدية هذه، وما أفرزته من تعزيز لحضور حزب العدالة والتنمية في المجتمعات التركية، محطة مهمة، يؤسّس عليها لفهم المرحلة القادمة من تاريخ تركيا، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مجمل الظروف التي سبقت ورافقت هذه الانتخابات.
سيحاول أردوغان استيعاب جزء من من المعارضة لتمرير التعديل الدستوري المطلوب


أثبتت الانتخابات أن
جماعة غولن هم
نخب ولا يؤثّرون على الصعيد الانتخابي
فرئيس الوزراء التركي قال صراحة في خطاب الانتصار إن فوز حزبه يمثِّل «صفعة عثمانية» للمعارضين له، وتوعّد كل من انتقده واتهمه، بدفع الثمن. كذلك رأى أردوغان أن انتصاره إنما هو «انتصار للإسلاميين في مصر وسوريا وفلسطين والبوسنة، وكل مكان يناضل فيه المسلمون من أجل الديمقراطية».
أمام رجب طيّب أردوغان مواجهة الداعية فتح الله غولن، من خلال الحدّ من نفوذه في الدولة ومؤسساتها المختلفة، وهو الذي يتّهم غولن بإدارة دولة عميقة داخل الدولة التركية، وقد وعد أنصاره بهذه المواجهة. فالنتائج التي حصّلها ستشجّعه على المضي قدماً بإقالة أنصار غولن من مراكز الدولة، وخاصة من المؤسسات الأمنية والقضائية، ليمهِّد للمرحلة القادمة.
كذلك أمام أردوغان معارضة، قرأ جيداً ضعفها وعدم قدرتها على التغيير، بالرغم من كل الحملات التي شنّتها عليه طيلة العام الماضي. هذه المعارضة سيحاول استيعاب جزء منها، يستعين به لتمرير التعديل الدستوري المطلوب، الذي يريده ليترشّح على أساسه إلى منصب رئيس الجمهورية، أي تعديل الدستور لتحويل النظام التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.
الأكراد في جنوب شرق البلاد قدّموا تجربة لها دلالات كبيرة يقرأها حزب العدالة والتنمية جيداً. فمن جهة أثبتوا أنهم قادرون على التوحّد والتغيير، ومن جهة ثانية رأى أردوغان أنهم لا يرفضونه بالمطلق، لكن لهم مطالبهم.
خلاصة مهمة يمكن استنتاجها أيضاً من تجربة الانتخابات البلدية التركية، وهي أنه كما هو الحال في كل الانتخابات البلدية في العالم، تكون العوامل المحلية الداخلية هي المؤثّرة في النتائج. فخيارات حكومة العدالة والتنمية على صعيد السياسة الخارجية لم تؤثِّر كثيراً، اللهم إلا في المناطق والمدن التي تضرَّرت مباشرة، كأنطاكية.
لكن أردوغان سيستفيد من النتائج لإضفاء شرعية شعبية على أحد وجوه سياسته الخارجية، دعم «الإسلاميين في مصر وسوريا وفلسطين...». أي دعم جماعة الإخوان المسلمين، هذه السياسة التي انتهجها مع انطلاق الحراك في العالم العربي. وهذا سيرتّب عليه تداعيات إضافية وكبيرة، في الداخل وفي الخارج.
الأشهر المقبلة كفيلة بإيضاح الصورة أكثر.
* باحثة في الشؤون التركية




«المحكمة الدستورية»: حظر «تويتر» غير قانوني

أصدرت المحكمة الدستورية العليا في تركيا أمس حكماً يعدّ قرار الحكومة بحظر موقع «تويتر» انتهاكاً للقانون، بحسب ما نقل التلفزيون الخاص «أن تي في».
وقضت المحكمة الدستورية بأن الحجب الاحترازي الذي طاول موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، قد انتهك حقوق 3 مواطنين تقدموا بشكاوى فردية منفصلة، يتصل بانتهاك حرية التعبير، وأمرت برفع الحظر عن «تويتر».
وأرسلت المحكمة القرار إلى هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وإلى وزارة الاتصالات والنقل والملاحة البحرية، طالبة اتخاذ التدابير اللازمة لرفع الانتهاك الذي تعرض له المشتكون.
ودخل حظر الموقع حيز التنفيذ في 20 آذار بعدما انتشرت على الموقع تسجيلات صوتية تزعم تورط رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ومحيطه المقرب في فضيحة فساد. وكانت محكمة إدارية في أنقرة قد أصدرت قراراً بإلغاء قرار الحكومة المثير للجدل بفرض الحظر على تويتر.
(أ ف ب، الأناضول)