يُبدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الآونة الأخيرة مرونة في تعاطيه مع أزمة أوكرانيا، تُرجمت أمس بإعلانه إعادة قواته التي شاركت في مناورات عسكرية قرب الحدود الاوكرنية أواخر الشهر الفائت إلى قواعدها، بعدما تسببت بهستيريا عالمية. خطوة بوتين هذه مشابهة لتلك التي أقدم عليها قبل فترة قصيرة عندما قرر سحب القوات الروسية المرابطة قرب الحدود مع أوكرانيا (قُدّر عددها بـ40 ألفاً)، والتي عُدّت محاولة للتخفيف من التوتر الطاغي على علاقة روسيا مع الغرب. وأفاد الكرملن بأن «فلاديمير بوتين أعطى الأمر إلى وزير الدفاع بسحب القوات إلى ثكناتها، بسبب انتهاء التدريبات التي تطلبت نشرها في مناطق روستوف وبيلغورود وبريانسك» المجاورة لأوكرانيا. وتابع الكرملن، بحسب «ريا نوفوستي»، أن «روسيا تدعو أوكرانيا إلى وضع حد فوراً لعملية القمع وأعمال العنف، وإلى سحب القوات وتسوية كل المشكلات القائمة بالسبل السلمية حصراً»، في إشارة إلى عملية «مكافحة الإرهاب» التي أطلقها الجيش الأوكراني في 13 نيسان.

وأضاف أن «بوتين يبدي ارتياحه للاتصالات الأولية بين كييف وأنصار الفدرالية في أوكرانيا، الرامية إلى إقامة حوار مباشر ينبغي أن تشارك فيه جميع الأطراف المعنية».
وأجاب بوتين أمس عن أسئلة صحافيي وسائل الإعلام الصينية، وذكّر بأن روسيا والصين أصدرتا قبل أربع سنوات بياناً مشتركاً لمناسبة الذكرى الـ65 لنهاية الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى اتفاق البلدين على عدم جواز إعادة تقييم نتائج الحرب. وقال إن «النتائج ستكون خطيرة جداً، وتشهد على ذلك الأحداث المأسوية الجارية اليوم في أوكرانيا، وهي انتعاش القوى النازية الجديدة التي تمارس إرهاباً حقيقياً ضد المسالمين».
من جهته، حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن العملية العسكرية التي تجريها سلطات كييف في شرق البلاد باتت تتحول إلى حملة إرهاب للسكان ولا تساعد في توفير الظروف اللازمة لبدء حوار وطني.


لافروف: لإعادة
النظر في العلاقات
مع «الأطلسي»
وقال لافروف، في مؤتمر صحافي مع نظيره السلوفاكي ميروسلاف لايتشاك أمس، إن مواقف موسكو وبراتيسلافا متطابقة حول ضرورة وضع حد لأعمال العنف في أوكرانيا وبدء حوار شامل داخل أوكرانيا تشارك فيه جميع الأقاليم، وذلك من أجل التوصل إلى مصالحة وطنية وتوفير ظروف لإجراء إصلاح دستوري حقيقي، يأخذ في الحسبان مصالح جميع المكونات الإثنية والسياسية. وشدد الوزير الروسي على ضرورة تطبيق «خريطة الطريق» التي أعدتها سويسرا بصفتها الرئيس الحالي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وأردف قائلاً: «لا تساعد العملية القمعية واستخدام الجيش ضد السكان في توفير الظروف لبدء حوار وطني حقيقي في أوكرانيا من أجل الاتفاق بشأن المصالحة الوطنية وإصلاح دستوري يقبله الجميع. ولذلك نصرّ على أن تكون الخطوة الأولى غير المشروطة هي إيقاف ما يطلق عليه «عملية مكافحة الإرهاب» التي باتت تتحول الى حملة لإرهاب مواطني أوكرانيا بسبب معتقداتهم السياسية».
كذلك رأى لافروف أن هناك حاجة «لإعادة النظر» في علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي في ضوء الخلافات العميقة بشأن أوكرانيا، قائلاً «تتطلب هذه العلاقات إعادة نظر، ونحاول مع شركائنا من دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي إجراء تحليل من أجل فهم أفضل للنقطة التي نقف فيها وأين تتطابق تقديراتنا وأين نختلف».
في هذا الوقت، وعلى إثر قرار الرئيس الروسي القاضي بسحب القوات الروسية من قرب الحدود الغربية مع أوكرانيا، قال ضابط في حلف شمالي الأطلسي أمس إن الحلف لا يرى مؤشراً على عودة القوات الروسية إلى قواعدها بعد مناورات أجرتها قرب حدود أوكرانيا.
في غضون ذلك، أعلن موفد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى أوكرانيا، الدبلوماسي الألماني فولفغانغ ايشينغر أمس، أنه يتوقع سير الانتخابات الرئاسية بشكل «طبيعي تقريباً» الأحد، إلا في قسم من شرق أوكرانيا الذي يشهد حركة انفصالية موالية للروس.
وقال ايشينغر للإذاعة الألمانية العامة داتشلاندفونك «أظن، حسب التقارير التي لدينا، أننا ننطلق من مبدأ أن الانتخابات ستجري في قسم كبير من البلاد بشكل طبيعي تقريباً»، مضيفاً أنه «في بعض مدن الشرق لن يكون الأمر كذلك، إننا نتحدث عن نسبة قد تكون على الأرجح أقل من عشرة في المئة» من المدن حيث ستكون الانتخابات متعثرة.
وأوضح أن «في هذه الظروف، مجرد تنظيم الانتخابات أمر جيد، لأن نتائجها ستجعل من الصعب جداً على الذين يعارضون كييف وصف الحكومة والرئيس اللذين سينتخبان بأنهما غير شرعيين».
وتزامنت تصريحات ايشينغر مع انتخاب نواب «جمهورية لوغانسك الشعبية»، التي أعلن المحتجون المعارضون قيامها، رئيساً لجمهوريتهم، وأقرّوا نص دستورها. واجتمع «مجلس الدولة» الذي يتولى مهمات برلمان الجمهورية المعلنة من جانب واحد مساء أول من أمس، بعد أن انتخبت مؤتمرات شعبية في جميع مدن وبلدات المقاطعة نواباً ليمثلوها في المجلس. وانتُخب «محافظ لوغانسك الشعبي» فاليري بولوتوف رئيساً للجمهورية، أما منصب رئيس الوزراء فتولاه المتحدث السابق باسم «جيش جنوب الشرق» الذي أنشأه المحتجون، فاسيلي نيكيتين.
إلى ذلك، نقلت قناة روسيا اليوم عن مسؤولين، أن قوات الدفاع الشعبي في مدينة سلافيانسك شرق أوكرانيا اعتقلت عدداً من المرتزقة، بينهم اثنان من عناصر الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه).
من جهة أخرى، قُتل أحد عناصر قوات الأمن الأوكرانية وأصيب ثلاثة آخرون بعد تعرّضهم لقصف بالهاون من قبل مسلحين قرب سلافيانسك.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)