بات شبه محسوم توجه حزب «التنمية والعدالة»، اليوم، الى إعلان ترشح رئيسه رجب طيب أردوغان رسمياً الى الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 10 آب المقبل. الفترة الماضية شهدت تطورات عدة على صعيد علاقة أنقرة بالمسألة الكردية، أدت إلى اقتراح قانون لعملية السلام مع المقاتلين الأكراد. هذه الخطوة المهمة في تاريخ الجمهورية، مرتبطة الى حدٍّ بعيد بطموح أردوغان الرئاسي، في محاولةٍ لحشد أصوات الأكراد في أول انتخابات تجري بالاقتراع المباشر. قبل خمسة أيام، قدمت الحكومة التركية مشروع قانون، أمام البرلمان، يضع الإطار القانوني لعملية السلام مع المقاتلين الأكراد. مشروع القانون يحمي كل من يشارك في محادثات السلام من الملاحقة القانونية، لكونه جزءاً من الحملة التي قادها حزب العمال الكردستاني، كما يحمّل الحكومة مسؤولية إعادة تأهيل المقاتلين الذين ألقوا سلاحهم. غير أن المنحى السريع الذي اتخذته عملية السلام في الأيام الأخيرة سبقته انتكاسات عدة، كان آخرها «حادثة ليج» في محافظة ديار بكر، حيث وقعت اشتباكات بين شبان أكراد تابعين لحزب العمال الكردستاني والقوات الأمنية التي أردت اثنين منهم، بعد قيام تظاهرات احتجاجاً على بناء قاعدة لقوى الأمن على الحدود اعتبرها حزب «العمال» محاولةً لاستفزازه وإعاقة مسار السلام.
على الأثر، أنزل أحد الناشطين الأكراد العلم التركي عن مقر القوى الأمنية، ما أثار غضب المعارضة والموالاة معاً.
اكتسبت مقاطعة ليج أهميتها لانعقاد أول مجلس لحزب العمال الكردستاني فيها عام 1978، الأمر الذي جعلها هدفاً لإجراءات عدائية من القوى الامنية عام 1990، فضلاً عن كونها معروفة بدعمها وانتماء معظم سكانها إلى حزب العمال الكردستاني. الاشتباكات التي شهدتها المنطقة جاءت بعد سنة ونصف من وقف الاقتتال بين الأتراك والأكراد، الذي جرى تنفيذاً لاتفاق سلام بين زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان والحكومة التركية عام 2013، بعد محادثات طويلة خاضها رئيس الاستخبارات التركي هاكان فيدان، اليد اليمنى لأردوغان، تُوِّجت بسلسلة اتفاقات، أهمها: انسحاب المقاتلين الأكراد الى جبال قنديل في كردستان العراق، وإنهاء الانسحاب في آب 2013 بعد أن يصادق البرلمان على اتفاقات عقدت بين أوجلان والحكومة. غير أن 2000 عنصر من حزب العمال الكردستاني هم فقط عدد المنسحبين الى جبال قندبل. عدم الثقة بالحكومة مثّل سبباً رئيسياً في تعثر عملية السلام، كذلك فشلها في اتخاذ خطوات ذات معنى، كإقرار اللامركزية الإدارية، القانون الذي يستفيد منه الأكراد في المناطق ذات الغالبية التركية. حتى إن تبادل إطلاق النار ظلّ سائداً في الأشهر الماضية بين الأمن التركي وعناصر من حزب «العمال».
التطورات
الإقليمية الأخيرة
ساعدت على التسريع في عملية السلاملقد شارك ثلاثة أعضاء من «العدالة والتنمية» في ورشة عمل في ديار بكر في 6 حزيران الماضي، قبل يوم واحد من الحادثة. حينها، أدلى نائب رئيس الحكومة بشير أتالاي بتصريحات حول «خطوات مهمة سوف تأتي»، واعداً بوضع خارطة طريق من أجل استكمال محادثات السلام.
تلك الحادثة أثارت تساؤلات عدة لدى المعارضين والموالين للحزب الحاكم، طارحةً جدّية رئيس الحكومة على بساط البحث. انتقد موالو «العدالة والتنمية» حزب العمال الكردستاني على اعتبار أنه لا يفاوض «العدالة والتنمية» فقط، بل ملايين الناخبين. وحذره البعض من «اللعب بالنار» وهدم ما بناه «العدالة والتنمية» من أجل إقناع الأتراك بتقبل الاتفاقات. صحيح أن أردوغان هو مهندس المبادرة تجاه الأكراد، غير أن حدوداً معينة تؤطر خارطة الطريق التي وضعها، مثل إخراج أوجلان من سجنه في جزيرة أميرلي وإعادته الى الحياة السياسية، والسماح للأكراد بتعليم لغتهم في المدارس التركية الرسمية.
لكن قبل ذهابه في هذا الاتجاه، كان على أردوغان أن يحسب حساب القوميين الأتراك، وعدم خسارة أصواتهم في الاستحقاق الرئاسي بعد شهر والتشريعية في 2015، الى جانب تأمين أكثرية لـ«العدالة والتنمية» تمكّنه من تعديل الدستور في ما بعد.
من جهتها، أصرّت المعارضة القومية التركية على أن تركيا تخضع اليوم لعملية ابتزاز عبر صفقة تعقد بين «العدالة والتنمية» و«الانفصاليين».
يعلم كل من أردوغان وأوجلان أن تركيا تعبت من صراع دام ثلاثة عقود، قُتل فيه آلاف الشبان من الطرفين. غير أن التطورات الإقليمية الأخيرة ساعدت أنقرة على التسريع في وضع خارطة طريق لعملية السلام. لكن كلا الطرفان يلعبان في المساحة الضيقة: أردوغان يريد تأمين وصوله الى الرئاسة بأصوات الأكراد أولاً، من دون أن يحقق في المقابل مطالب أوجلان الذي وضع حريته شرطاً لدعم أردوغان، إضافةً الى طلبه تعهداً يضمن سلطته على معظم الجهات الكردية السياسية.
في النهاية، الثقة بين الطرفين متأرجحة. فالذاكرة الجماعية تؤدي دوراً في الحذر، لا سيما حين يتعامل الأكراد مع أنقرة.