إسطنبول | لا يخلو أي خطاب انتخابي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من جمل حماسية حول العدوان الإسرائيلي على غزة، في محاولة منه لاستفزاز المشاعر الدينية والتاريخية وشحنها لدى المواطن التركي الذي أثبتت كل التجارب أن إرادته باتت خاضعة لسلطة أردوغان.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، استغل رئيس الحكومة والمرشح الرئاسي القضية كمادة إعلامية ساخنة وعاطفية في حربه ضد منافسيه في الاستحقاق المقبل، الذين اتهمهم بعدم الاهتمام «بمأساة الشعب الفلسطيني». ولم يبالِ أردوغان بتساؤلات معارضيه ووسائل الإعلام الذين اتهموه بالمراهنة على دماء الشعب الفلسطيني، لكسب المزيد من الأصوات، وخصوصاً بعد وضع سيطرة أردوغان على مفاصل الإعلام في البلاد.
على سبيل المثال، منع القضاء «الأردوغاني» رسمياً الحديث عن الدبلوماسيين الأتراك الذين اختطفهم «الدولة الإسلامية» (داعش) في الإعلام، يوم الهجوم على الموصل في التاسع من حزيران الفائت. فيما توسل رئيس الحكومة قيادات «داعش» أكثر من مرة إخلاء سبيل المختطفين، فيما لم يعد أحد يذكرهم!
فلسطينياً، سألت المعارضة أردوغان لماذا لا يغلق السفارة الإسرائيلية مثلما أغلق السفارة السورية في بداية الأزمة في سوريا، في وقتٍ تحدّث فيه الإعلام عن استمرار العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا وإسرائيل. علاقات وصلت قيمتها إلى ٥ مليارات دولار سنوياً، يسهم فيها ذلك ابن أردوغان الذي تقوم سفنه بنقل المنتجات والبضائع التركية إلى الموانئ الإسرائيلية. كذلك، تسهم الموانئ التركية في نقل النفط الكردي العراقي إلى اسرائيل. من دون أن يهمل الإعلام المعارض التذكير بالتعاون الوثيق بين الموساد الاسرائيلي والاستخبارات التركية خلال الأزمة السورية حيث زار رئيس الموساد ومسؤولوه أنقرة مرات عدة، خلال الأشهر الماضية، في إطار الحوار المتبادل للاتفاق على صيغة نهائية للمصالحة الإسرائيلية – التركية، وحل مشكلة سفينة مرمرة التي قتل الإسرائيليون على متنها ٩ أتراك ٣١ أيار ٢٠٠٩.
وأثبت الإعلام ومعه المعارضة جهلهما لحسابات أردوغان التي أفرزت معادلات إقليمية معقّدة، بعدما أصبحت تركيا ومعها قطر في الطرف المعادي لمصر والسعودية، وبعد اتهام الدولتين أنقرة باستدراج «حماس» للعدوان.
ويذكر كثيرون كيف استطاع أردوغان ومعه آنذاك السعودية وقطر إقناع قيادات «حماس» بإغلاق مكاتبها في دمشق والمغادرة إلى الدوحة بالتنسيق مع الرئيس الإخواني محمد مرسي أيضاً، بهدف تضييق الحصار على الرئيس الأسد وإقامة حلف إخواني سنّي، عاد وسقط بصمود سوريا وإطاحة مرسي.

ربما ما زال أردوغان يحلم ويخطط للحلف السني من خلال «الثورة السنية» في العراق والمدعومة داعشياً، بالتنسيق والتعاون مع التنظيم العالمي للإخوان ومقره الرئيسي في قطر، في وقتٍ يعرف فيه الجميع أنّ من الصعب وربما المستحيل تحقيق مثل هذا الحلم الذي يواجه معارضة شديدة من قبل السعودية الحليف السابق لأنقرة في موضوع سوريا.
يبقى الرهان الأخير على الخطوة التالية بالنسبة إلى أردوغان الذي يرجح انتخابه رئيساً للجمهورية في ١٠ الشهر الجاري. سيكون أردوغان مشغولاً بترتيب أمور البيت الداخلي لحزب «العدالة والتنمية» وباسمي رئيس الحكومة والحزب المقبلين، بعد استقالته من هذين المنصبين. ما يعني تجاهله لقضية غزة التي بات واضحاً أنها ستدخل مساراً جديداً خلال الأيام القليلة القادمة. من المتوقع أن تشهد المزيد من التطورات المثيرة في سوريا والعراق وليبيا وتونس ومصر، وهي جميعاً ضمن حدود الاهتمام الأردوغاني الذي راهن على قوة «حماس»، وسيرى الجميع كيف أنه سيتمادى في الرهان عليها أو سيتخلى عنها بإشارة بسيطة من واشنطن.