إسطنبول | لن تكون مهمّة أحمد داوود أوغلوا كرئيس للحكومة التركية ولحزب «العدالة والتنمية»، سهلة، إن كان على الصعيد الحزبي أو الداخلي أو حتى الإقليمي والدولي. فمن أهم التحديات التي تواجه داوود أوغلو على الصعيد الحزبي، هو الحفاظ على وحدة الحزب وقوته وكتلته، خصوصاً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يستطيع متابعة شؤون الحزب الداخلية بشكل تفصيلي، ما سيترك كامل العبء على كاهل داوود أغلوا ليتحمل مسؤولية متابعة وحلّ الكثير من القضايا المصيرية والمعقّدة، من أجل رفع عدد مقاعد الحزب في البرلمان خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2015، لتصبح 332 مقعداً على الأقل، ما يؤهل الحزب لطرح مشروع الدستور الجديد الذي وعد به أردوغان ناخبيه.
وسيكون هذا الدستور بمثابة نقطة التحول في حياة الدولة التركية، حيث من المتوقع أن يطرح الحزب تعديل النظام السياسي للبلاد، من برلماني إلى رئاسي.
ومن التحديات المهمة أيضاً، التي ستواجه داوود أوغلو، هو مشروع المصالحة الداخلية، الذي قطع فيه الحزب الحاكم مسافات مهمة، بدءاً من إعطاء الأقليات، وفي مقدمتهم الأكراد الذين حاربوا الدولة لأكثر من ثلاثين عاماً، الكثير من حقوقهم المدنية والثقافية التي حرموا منها في السابق. كذلك تواجه حكومة داوود أوغلوا تحديات كبيرة، تتعلق بالوضع السياسي الداخلي والإقليمي الذي تعيشه تركيا، ومحاربة ما تسميه الحكومة وأنصارها «التنظيم الموازي».
ويبقى الاقتصاد التحدي الأبرز الذي تواجهه حكومة أحمد داوود أوغلو. وهنا، يتركز اهتمام المراقبين ومؤسسات المال الدولية على تطورات السياسة الاقتصادية التركية، كي تقرّر آلية التعامل مع الاقتصاد التركي، في الفترة المقبلة، خصوصاً أن مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية، مثل «ستاندارد أند بورز» و«موديز»، أعلنت أن التغييرات السياسية التركية قد تؤثر سلباً في الاقتصاد التركي، فيما فُهم أنه إشارة منها إلى رغبتها في الإبقاء على السياسة الاقتصادية، من دون تغييرات جذرية. وتجلّى هذا الأمر من خلال بقاء حكيم الاقتصاد التركي علي باباجان في منصبه، كنائب لرئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية.
ويقول الخبير في الشؤون الاقتصادية أوزغور كايا لـ«الأخبار»، إن «الاقتصاد التركي ينمو بنسبة عجز تبدأ بـ7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي»، مضيفاً أن «هذا يعني أننا نستخدم المال الأجنبي، لأن أموالنا ومدخراتنا غير كافية، ومن الواضح أن هذا النمو غير مستدام، ومن الواضح أيضاً أن الاقتصاد سيتعثر إذا لم يكن هناك فائض أو أكثر، خصوصاً إذا قرر آخرون عدم الاستثمار في الاقتصاد التركي».
ويعرب أوزغور كايا عن اعتقاده بأن «تركيا تحتاج إلى تحوّل هيكلي من أجل تحقيق النجاح ولإنتاج منتجات ذات قيمة، وتحويل العجز في التجارة الخارجية إلى ربح».

كان لافتاً إبقاء التشكيلة الحكومية السابقة مع 4 أسماء جديدة

ويؤكد الخبير الاقتصادي أن «رأس المال لا يمكن أن يستثمر في بيئة غير مستقرة»، مشدداً على أن «هذا ما يجعل تركيا تواجه صعوبات في جذب الاستثمارات الأجنبية، لأنها نأت بنفسها عن القوانين العالمية وفشلت في توفير الضمانات القانونية اللازمة للمستثمرين».
كذلك يشير إلى أن «تركيا بحاجة إلى تمويل اقتصادها من المستثمرين الذين هم على استعداد لإنشاء الأعمال التجارية، بدلاً من أولئك الذين يأتون بما يسمى الأموال الساخنة». ويقول إنه «من أجل تحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى قوة العمل المؤهلة، فضلاً عن ضمانات قانونية»، معتبراً أنه «ليس من الممكن تحقيق هذه الأهداف من دون دولة دستورية فاعلة».
وبعد الإعلان، أمس، عن تشكيل الحكومة التركية الجديدة، التي تتلو برنامجها أمام البرلمان، الاثنين، كان لافتاً للانتباه الإبقاء على التشكيلة الحكومية السابقة، مع ظهور أربعة أسماء جديدة فقط. فلم يكن من المفاجئ أن تتكون من المقرّبين من الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث ورث وزير الشؤون الأوروبية السابق مولود جاوش أوغلو وزارة الخارجية من داوود أوغلو. ومن بين الأسماء الأربعة الجديدة، اثنان من الأصدقاء الحميمين لرئيس الدولة، وهما مستشاره يالتشين اق دوغان في منصب نائب رئيس الوزراء، ونعمان قورتولموش النائب القوي لرئيس حزب «العدالة والتنمية» الحاكم الذي يمثل جناحه الإسلامي.
وعلى هذا الأساس، أُبقيت الإدارة الاقتصادية لحكومة أردوغان، الأمر الذي برّره داوود أوغلو، بالقول: «لن نسمح بأن يكون هناك فقدان للثقة عن طريق تغيير الإدارة الاقتصادية الحالية، وإلا فإن تدفّق الأموال الأجنبية سينخفض وسيكون هناك أزمة اقتصادية». وبناءً على ذلك، تمسّك داوود أوغلو بعلي باباجان في حكومته، باعتباره من أبرز المطلعين على النظام الاقتصادي التركي، بعدما عمل على تغييره منذ سنوات. وانطلاقاً من هذه النقطة، يتساءل الشارع التركي عن التغيير الذي قد تقوم به حكومة داوود أوغلو لتحسين الظروف الاقتصادية، خصوصاً في ظل وجود الإدارة الاقتصادية ذاتها، التي أوصلت تركيا إلى الظروف الحالية.