منذ استعادتها إلى الحضن الصيني عام 1997، تشهد هونغ كونغ أخطر أزمة سياسية، قد تنذر، في حال تفاقمها، بتأثيرات خطيرة على بكين. تتواصل التظاهرات الحاشدة منذ 22 من أيلول الفائت في شوارع الجزيرة، احتجاجاً على قرار بكين السماح بانتخابات مباشرة لرئيس الحكومة في المقاطعة الصينية بحلول عام 2017، ولكن مع احتفاظها بحق مراقبة الترشيحات.
القرار الذي أعلنته بكين في 31 آب الفائت، أعقب استفتاءً غير رسمي نظمه ناشطون بشأن «إصلاحات سياسية»، قبل أن يتدفق المحتجون إلى شوارع المركز المالي في شرق آسيا، حيث اندلعت التظاهرات التي تمكّنت من تعطيل عجلة الانتاج في مناطق مهمة، وأثرت بصورةٍ خاصة على عمل بعض المصارف والفنادق.

وسارعت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الاعلام حول العالم، إلى إطلاق اسم «ثورة المظلات» على التحرك، وذلك بسبب العواصف التي حملت المتظاهرين على فتح مظلاتهم الملونة، كما شهدت شوارع ، ليل الاثنين والثلاثاء، صدامات بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، عندما حاولت الشرطة تفريق المحتجين باستخدام غاز مسيل للدموع وغاز الفلفل.

يوم أمس، تزامنت التظاهرات مع ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، حيث صمّم المحتجون على جعل الاحتفالات بقيام الصين الشيوعية، مناسبةً لعرض قدرتهم على تعبئة الناشطين والضغط على الحكومة المركزية، وفيما كان العلم الصيني وعلم هونغ كونغ يُرفعان، صباح أمس، أمام ساحة غولدن بوهينيا الرئيسية في حي وانشاي وسط المدينة، كان يُمكن سماع أناشيد المتظاهرين.
في هذا الوقت، لم يتحدّث رئيس الحكومة المحلّية ليونغ شون يينغ بوضوح عن حركة الاحتجاج في الخطاب الذي ألقاه في ختام الحفل، داعياً إلى التعاون مع الصين. وقال ليونغ إن «تطوير هونغ كونغ وتطوير القارة مرتبطان ارتباطا وثيقا»، مضيفاً أنه «يجب العمل يداً بيد لكي يصبح الحلم الصيني حقيقة».

واكتفى بالاشارة إلى ما يجري بالقول «نتفهم أن هناك أشخاصا لديهم مفهوم مختلف عن الاصلاحات المرجوة، لكن من الواضح أنه من الأفضل أن ينظم اقتراع عام مباشر على ألا ينظم مطلقاً». وتابع «نأمل أن تعمل كل شرائح المجتمع مع الحكومة على نحو سلمي ومشروع عقلاني وبراغماتي» من أجل المضي قدماً «في تطورنا الدستوري».

من جهتها، أعلنت الصين أنها تدعم بالكامل رئيس حكومة هونغ كونغ في إدارة أزمة التظاهرات «غير المشروعة» في الجزيرة.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا شونينغ ان «بعض الدول أدلت بتصريحات حول هذا الموضوع»، مؤكدةً أن «شؤون هونغ كونغ من القضايا الداخلية الصينية». ودعت "الأطراف الخارجية الى ضبط النفس وعدم التدخل باي شكل كان». كذلك، كان من المقرر أن يلتقي وزير الخارجية الاميركي جون كيري نظيره الصيني وانغ يي للبحث في «الأزمة السياسية الراهنة» في هونغ كونغ، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الاميركية.

وكانت واشنطن قد حثت السلطات في الجزيرة، الاثنين الفائت، على ضبط النفس في التعاطي مع المحتجين، داعيةً المحتجين أيضاً إلى التعبير عن السلمي. وأكد المتحدث باسم البيت الابيض جوش إرنست أن المجتمع المفتوح في هونغ كونغ وأعلى درجات الاستقلالية، وسيادة القانون، أمور أساسية، لاستقرار هونغ كونغ وازدهارها.

منذ استعادتها من الاستعمار البريطاني، تمتعت هونغ كونغ بدرجات متقدمة من الاستقلال، وبنظام سياسي مختلف عن النظام المركزي في بكين. ومن أبرز سمات استقلالية الجزيرة، النظام الاقتصادي الليبرالي الذي جعلها أحد المراكز الرأسمالية الرائدة في العالم، وهو يقوم على التجارة الحرّة والضرائب المنخفضة، بالاضافة الى اعتمادها على «دولار هونغ كونغ»، العملة الثامنة الأكثر تداولاً على مستوى العالم، ما رسّخ شعار «صين واحدة، نظامان مختلفان» للدلالة على التناقض الفاقع بين الدولة المركزية والجزيرة التابعة لها. وتمتلك المدينة استقلالية قضائية، ولديها قانون خاص، كما ينص دستورها على استقلاليتها عن بكين في مختلف جوانب الدولة، باستثناء السياسة الخارجية والدفاع، على أن يستمرّ هذا النظام طوال السنوات العشرين الأولى من الحكم الصيني (1997 - 2017).

الاحتجاجات المستمرة تمثّل تحدّيا سياسياً حقيقياً بالنسبة إلى بكين، ما دفع البعض إلى تشبيهها بأحداث ميدان تيان آن مين الشهيرة عام 1989. ويثير هذا الحراك المتصاعد إشكاليات عدة، أبرزها التساؤل عن بعده الانفصالي، وخصوصاً مع اقتراب انتهاء العقدين المحددين في دستور ما بعد الاستعمار. ثانياً، قد ترمي الاحتجاجات القائمة على قضية الحريات السياسية (في مواجهة سياسة بكين الشيوعية)، إلى فصل الجزيرة الرأسمالية عن الفلك الصيني على نحو كامل وإلحاقها بالنفوذ الغربي في شرق آسيا عبر ضمها إلى الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة.

أما على الصعيد الاقتصادي، فتشرح مجلة «ذي ايكونومست» الأميركية الوضع باختصار، إذ تقول إن «الصين استفادت كثيراً من الوضع الفريد لهونغ كونغ. المدينة منخرطة انخراطا كاملا في الاقتصاد العالمي، لكنها تبقى خاضعة في النهاية للحزب الشيوعي في بكين".
وترى الصحيفة أنه على الرغم من الحكم الذاتي في الجزيرة ووضعها الفريد، «ليس هناك شك في مكامن ميزان القوى في علاقتها مع الصين: نحو نصف صادرات هونغ كونغ تذهب إلى الصين. كذلك، فإن خُمس الأصول المصرفية منها هي القروض للمستهلكين الصينيين». وتخلص المجلة إلى أنه في حال تعرض علاقة بكين بالجزيرة للخطر، فإن معاناة هونغ كونغ ستكون الأكبر، ولكن الصين ستدفع ثمناً باهظاً أيضاً.

(الأخبار، أ ف ب)