لم يحل الغموض الذي يحيط بمسار مفاوضات اللحظات الأخيرة بشأن الملف النووي الإيراني دون تحليلات وتكهنات نشرت مؤخراً في الإعلام الغربي. وإن بدا العديد من المحللين كأنهم قد لجؤوا إلى أجهزة استعشار عن بعد، لتغطية مسار المباحثات واستنباط نتائجها ورسم خريطة طريق لما بعدها، لكن معظمهم قد توصلوا إلى نظرية مفادها أن الأطراف الموجودة في فيينا قد تطلب تمديد المفاوضات، بعد الترويج «لما تمّ التوصل إليه من اتفاق على نقاط أساسية ومهمة».
ويأتي إعلان وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، من لندن، أمس، أن بريطانيا «غير متفائلة» إزاء إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران، بحلول الاثنين المقبل، ليعزز هذه النظرية، وخصوصاً أنه رأى أن من الممكن تمديد هذه المهلة.
في مقابل ذلك، أكد قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، أن بلاده لن تتراجع «خطوة واحدةً إلى الوراء» في هذا الملف. ووفقاً لوكالة «إرنا» الرسمية، فقد شدّد جعفري، خلال كلمة ألقاها في مدينة قم، على أن مواقف بلاده خلال المفاوضات النووية مع الدول الغربية اتسمت بـ«المبدئية والثابتة»، عازياً إبرام أي اتفاق إلى «مواقف إيران الحازمة» في المحادثات.
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي أرجأ فيه وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، سفره إلى فيينا. وأوضحت الخارجية الأميركية أن كيري سينتقل من لندن إلى باريس، اليوم، للقاء نظيريه السعودي الأمير سعود الفيصل والفرنسي لوران فابيوس، ثم سيذهب إلى فيينا في موعد لم يحدّد بعد. وكان من المفترض أن يتوجه كيري، الموجود في لندن، في منتصف الأسبوع لإبرام اتفاق.
في سياق الحديث عن إمكانية تمديد المفاوضات، كتب المحرّر السياسي في صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، جوليان بورجر، أن «أفضل الأسباب للتفاؤل في فيينا هو العواقب الكارثية للفشل»، ولكنه أكد أيضاً أن «هذا الأمر ليس كافياً لضمان النجاح». وأوضح الكاتب أن إدارة أوباما بحاجة، في إطار أي اتفاق يوقّع في فيينا، إلى الدلالة على أن قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم قد تقلصت، أما حكومة روحاني فهي بحاجة إلى إظهار العكس في طهران.
بناءً على ذلك، رأى بروجر أن هناك أسباباً كثيرة قد تمنع الأطراف في فيينا من إعلان إخفاق التوصل إلى اتفاق في 24 تشرين الثاني، بل رأى أنهم «قد يطلبون تمديداً، وأيضاً قد يخرجون بورقة تتضمن اتفاق إطار أو مجموعة من المبادئ، ولكن التمديد لن يجعل من السهل التوصل إلى اتفاق». وخلص الكاتب إلى أن روحاني «قد يلجأ إلى الخطة (ب) التي تسمح له بالاستمرار بعد انهيار فيينا، وهي أنه إضافة إلى وضع اللوم على الدول الغربية بسبب مطالبها المفرطة، قد يوقّع اتفاقات وأوراق تفاهم مع روسيا والصين، كبديل من الاندماج الكامل في الاقتصاد العالمي».
صحيفة «نيويورك تايمز» كانت بدورها قد ذكرت، منذ عدة أيام، أنه «لا أحد يريد أن يشهد انهيار مسار المفاوضات»، ولذلك «كثرت الأحاديث عن تمديد المفاوضات، وبعبارات عامة، تأكيد التقدم الكبير الذي تمّ تحقيقه بالفعل».
ورأت الصحيفة في افتتاحيتها أن «اتفاقاً ناجحاً قد يقدم فوائد إلى كل الأطراف»، مشيرة إلى أن «العقوبات على إيران قد تزال تدريجياً، ما يؤدي إلى دعم الاقتصاد الإيراني وفتح الباب أمام اندماج إيران في المجتمع الدولي». لكن «نيويورك تايمز» أشارت في الوقت نفسه إلى معوّقات كثيرة قد تمنع التوصل إلى اتفاق، منها رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وهل سيُسمح للمراقبين الدوليين بزيارة المنشآت النووية بحرية، وغيرها من المسائل العالقة.
بناءً على ما سبق، رأت الصحيفة أن «نتائج الإخفاق في التوصل إلى اتفاق قد تكون جدية وخطيرة، ومنها إضعاف الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، والأخير يعتبر من المعتدلين في إيران، واللذين (مثل الرئيس الأميركي باراك أوباما)، قد خاطرا بسعيهما لإتمام اتفاق».
على خلاف غيرها من الصحف والمجلات الأميركية، رأت «نيويورك تايمز» أن «أوباما قد فعل خطوة جيدة مؤخراً حينما كتب إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، من أجل إتمام الاتفاق»، وأكدت أن على «القادة الآخرين أن يفعلوا الأمر نفسه».
في ما يتعلق بهذه الرسالة أيضاً، كانت مجلة «ويكلي ستاندرد» قد ذكرت في سياق أحد التحليلات التي نشرتها، أن رسالة أوباما إلى خامنئي كانت دليل ضعف. وقالت المجلة الأميركية المحافظة إن «أوباما كان قد قال قبل انتخابه رئيساً عام 2008 إنه سيتبع دبلوماسية حازمة ومباشرة مع إيران»، ولكنها خلصت إلى أنه «لا يوجد شيء حازم ومباشر في رسالة أوباما الرسمية اليائسة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)