يصل البابا فرنسيس الأول إلى تركيا، غداً، في زيارةٍ تستمر ثلاثة أيام، وفي توقيت بالغ الدلالة على المستوى السياسي الدولي. زيارة البابا الأرجنتيني هي الرابعة لرأس الكنيسة الكاثوليكية لتركيا، بعد بولس السادس ويوحنا بولس الثاني وبندكت السادس عشر، في ظلّ الجدل الذي يعتري علاقة المركز الكاثوليكي العالمي بتركيا التي احتضنت آخر خلافة إسلامية.
زيارة تركيا التي لا تضمّ إلا نحو 150 ألف مسيحي فقط، أي ما يقارب 1% من سكانها الـ 76 مليوناً، أعلنها الفاتيكان لإطلاق دعوة «من أجل السلام والتعايش بين الأديان». وهي تستمر لثلاثة أيام، حيث من المقرّر أن يتوجه البابا الأرجنتيني أولاً، إلى ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى أتاتورك، ثم يلتقي بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبرئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، وبرئيس الشؤون الدينية في البلاد محمد غورماز. على أن يمضي القسط الأكبر من الزيارة في إسطنبول التي تحتضن أقلية مسيحية، حيث يتوجه، السبت، إلى متحف كنيسة القديسة صوفيا سابقاً، ثم إلى مسجد السلطان أحمد، المعروف بـ «المسجد الأزرق». وقال المتحدث باسم البابا، الأب فريديريكو لومباردي، أن البابا فرنسيس «سيدخل إلى المسجد مثلما فعل من قبله بندكت السادس عشر، وهي بادرة مهمة للعلاقات مع المسلمين». كذلك سيحيي يوم الأحد المقبل قداساً في الكاتدرائية الكاثوليكية الصغيرة، وسيعقد لقاءً بالبطريرك المسكوني للروم الأرثوذكس برثلماوس الذي تقتصر رعيته في تركيا على بضعة آلاف.
تأتي زيارة البابا فرنسيس الأول لتركيا في أوج الجدل المثار حول دور الأخيرة في التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وتحفظها من المشاركة العسكرية في الحرب على التنظيم التكفيري على الأراضي السورية والعراقية، ما يغذّي تنافراً بين واشنطن وأنقرة. ويُعتقد أن البابا سينتهز زيارته لتركيا ذات الدور الأساسي في منطقة مشتعلة منذ ثلاث سنوات، لتجديد نداءاته بشأن «حماية الأقليات في الشرق الأوسط».
وعلى الرغم من إعلان البابا، في آب الماضي، رغبته في «تقديم الدعم الروحي إلى مسيحيي الشرق» بذهابه إلى كردستان العراق، فإن برنامج الزيارة لا يتضمن أي لقاء مع اللاجئين السوريين أو العراقيين الذين يبلغ عددهم مليوناً ونصف مليون في تركيا. غير أن الأب لومباردي قال إنه قد يكون هناك حضورٌ للاجئين في لقاء البابا بطلاب المدارس الكاثوليكية في الشرق الأوسط، يوم الأحد المقبل، في إسطنبول.
وعلى الرغم من إشارة محللين في الفاتيكان إلى أن تركيا «تواجه نزاعاً معقداً على حدودها ينخرط فيه أكراد وجهاديون من تنظيم الدولة الاسلامية، وهي ربما غير راغبة في مبادرات تكتسي طابعاً سياسياً من قبل البابا»، واكتفاء أردوغان في رسالة دعوته إلى البابا فرنسيس بالتشديد على ضرورة «الحوار والتفاهم المتبادل بين أتباع مختلف الديانات»، ينظر إلى هذه الزيارة على أنها في صلب الحدث السياسي الإقليمي والدولي، حيث إن تركيا تمثل محوراً رئيسياً في الحرب الدولية على «داعش». وقد تندرج اللقاءات مع المسؤولين الأتراك في إطار دفع أنقرة إلى المشاركة العسكرية في العمليات ضد التنظيم، التي تجري على حدودها، خصوصاً بعدما كرر البابا من ستراسبورغ، أول من أمس، قوله إنه «عندما يجب عليك وقف المعتدي الظالم، ينبغي أن تقوم بذلك من خلال الإجماع الدولي»، وكان الفاتيكان الذي يدور في الفلك الغربي في مسألة الحرب على «داعش»، قد أعلن، في آب الماضي، أن العنف ضد التنظيم، «يمكن أن يكون مبرراً» في كسرٍ لسياسة الفاتيكان في معارضة التدخل في المنطقة.

وتأتي افتتاحية صحيفة «حرييت دايلي نيوز»، أول من أمس، في السياق نفسه، حيث ذكّرت بأن «أنقرة متهمة بالسماح لآلاف الجهاديين بالمرور إلى سوريا لزعزعة نظام الرئيس بشار الأسد»، وقالت الصحيفة التركية: «في الواقع إن تنظيم الدولة الإسلامية، يمثل تهديداً أكبر من الأسد، وعلى تركيا أن تغتنم الفرصة مع زيارة البابا لإدانة التنظيم، من دون مواربة».
وإلى جانب بُعد الزيارة الإقليمي، من المتوقع أن يبحث البابا خلال لقائه بالبطريرك الأرثوذكسي المسكوني برثلماوس، علاقة الكاثوليك والأرثوذكس، في ضوء النزاع بين روسيا والغرب في أوكرانيا.

(الأخبار، أ ف ب)