إسطنبول ــ الأخباريواصل حزب العدالة والتنمية الحاكم هدم الارث الكمالي للجمهورية التركية. هذا الارث الذي حماه الجيش لعشرات السنين، استطاع رجب طيب أردوغان و«إخوانه» تقليص قوة الأخير، ووضع حدّ لتغلغله وتدخّله في مفاصل الدولة والمجتمع. السلطة في تركيا اليوم انتقلت لقوننة هذا الارث عبر مجموعة قوانين وتشريعات تخصّ القطاع التعليمي، ليكون «الهدم» من قلب المجتمع وانطلاقاً منه.

وبعد توليه رئاسة الجمهورية في آب الماضي، بدأ أردوغان باتخاذ سلسلة قرارات مثيرة للسجال حول نيته تغيير هوية الدولة التركية، بدءاً من التغييرات الرمزية، كنقل مكان إقامته من قصر مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، والرؤساء الأتراك كافة، إلى قصر جديد، وصولاً إلى إعلانه أخيراً فرض تدريس اللغة العثمانية في المناهج التربوية، مروراً بقرار الفصل بين الذكور والإناث في مدارس تركيا.
هدف أردوغان إلهاء الشعب عن فصائح الفساد التي طاولته

وأكد أردوغان، أمس، عزم الدولة على إدراج اللغة العثمانية في المناهج التعليمية الثانوية كمادة إجبارية. وقال، في المؤتمر الخامس لمجلس الشوري الديني، إنه «آن الأوان للعودة إلى جذورنا»، مضيفاً أن العثمانية «ليست لغة أجنبية، إنها شكل من التركية لن يصبح بائداً إطلاقاً. لذلك سيجري تدريسها مهما قال معارضوها من أعداء الاسلام والدولة العثمانية». وتحدث أردوغان في المناسبة نفسها عن «الحملة التي تعرض لها المسلمون في تركيا طيلة ٢٠٠ سنة الماضية منذ الانفتاح على الغرب أواخر العهد العثماني، ثم في العهد الجمهوري باسم العلمانية».
تصريحات أردوغان جاءت بعد يومٍ واحد من توصية «المؤتمر الوطني لشورى التعليم» الحكومة بالفصل بين الطالبات والطلبة، اعتباراً من المدارس الابتدائية، إضافة إلى الشروع في بناء مدارس خاصة بالذكور وأخرى بالإناث، ومنع دخول المعلّمين إلى مدارس الإناث في مراحل التعليم كلها.
كذلك أوصى المؤتمر بإعادة النظر في مجمل المناهج التعليمية الخاصة بالأخلاق وبالدين وبعلم الاجتماع، بحيث تصبح متطابقة مع الدين الإسلامي والعادات والتقاليد التركية «الحقيقية». وكانت الحكومة قد سمحت للطالبات بارتداء الحجاب حتى في المدارس الابتدائية والإعدادية. وأوصى المؤتمر أيضاً بزيادة ساعات تعليم مادة الدين أسبوعياً، وذلك في إطار خطابات سابقة لأردوغان أوصى فيها بإنشاء جيل من الشباب المسلم المتدين. وقال أردوغان إن الشباب التركي «ابتعد عن تاريخه الحقيقي وبات يعرف كل شيء عن الغرب، لكنه لا يعرف أي شيء عن تاريخه التركي والعثماني والإسلامي، علماً أن هذا التاريخ مليء بالعظماء، ومنهم من اكتشف أميركا قبل كريستوف كولومبس»، ليتعمّد أردوغان تكرار التصريح الذي أثار غضب الغرب في الآونة الأخيرة، حول اكتشاف القارة الأميركية على يد المسلمين.
توصيات «مؤتمر الشورى»، وكلام أردوغان خلاله، أشعلا نقاشات واسعة في أوساط تركية عدة، منها تلك المحافظة، التي أيدته على نحو مطلق، ومنها من استهزأ بتصريحاته الأخيرة، فيما رأى البعض أن تعليم اللغة العثمانية «لا يعني أي شيء» بالنسبة إلى المجتمع التركي، لأن هذه اللغة ليست تركية، بل هي خليط من اللغة العربية والفارسية والتركية القديمة والمعقدة، التي لا علاقة لها بالتركية الحالية. وأضاف هؤلاء أن الفائدة الوحيدة من تعلم اللغة العثمانية، هي قراءة وترجمة الوثائق العثمانية الموضوعة في الأرشيف، ويقدّر عددها بمئات الملايين. ورأى آخرون أن تصريحات أردوغان ومواقفه جزء من مساعيه لــ«أسلمة» الأمة والدولة والعقلية التركية، طالما هو يحلم بإعادة الخلافة العثمانية وأمجادها. وكانت هناك وجهة نظر مختلفة، ترى أن هدف أردوغان من كل ما يفعله هو «إلهاء الشعب التركي عن فصائح الفساد التي طاولته وأولاده». أما البعض، فيقول إن ما يجري «طبيعي» لكون أردوغان لا يزال يرى في نفسه زعيماً لـ «الإخوان المسلمين» في العالم أجمع، لذلك هو يطمح إلى تحويل تركيا إلى دولة إسلامية.