لم يكن باستطاعة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن ينهي ولايته الدستورية من دون أن يحقق خطوة التقارب وإعادة العلاقات مع كوبا «الجارة اللدود» للولايات المتحدة الاميركية. كانت الاشارة الاوضح على أن شيئاً ما يرتسم في الافق عندما اقترب أوباما من الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، في كانون الأول من العام الماضي، ومدّ يده لمصافحته، قبل أن يعتلي المنصة لإلقاء خطاب تأبين رمز الكفاح ضد العنصرية الراحل نلسون مانديلا في سويتو.
لم تتوقف جولات التفاوض بين الطرفين طيلة الاعوام الخمسة الماضية، الوسيط الابرز فيها كان هذا العام البابا فرنسيس. وتشير المعلومات الى أن البابا وجّه نداءً شخصياً الى باراك أوباما وراؤول كاسترو في رسالتين منفصلتين خلال الصيف، وأن الفاتيكان استقبل موفدي البلدين لوضع اللمسات الاخيرة على التقارب. وسبق للناشط الحقوقي الأميركي القس جيسي جاكسون أن توجه إلى كوبا في أيلول 2013 بحثاً عن فرص لتحسين العلاقات بين واشنطن وهافانا. كذلك قامت كندا برعاية هذه المفاوضات.
أبرز الملفات العالقة بين الطرفين ترتبط بتبادل السجناء. من جهة تحتجز الولايات المتحدة منذ عام 1998 من تطلق عليهم كوبا لقب «الأبطال الخمسة» وهم هيراردو ايرنانديز ورامون لابانيينو وأنطونيو غيريرو وفرناندو غونزاليز ورينيه غونزاليز، ولقد أطلق سراح فرناندو في عام 2013 ، ورينيه في شباط الماضي تحت الإفراج المشروط لمدة ثلاث سنوات، ونجح مؤخراً في العودة الى كوبا.
في المقابل، اعتقلت كوبا الجاسوس الاميركي آلان غروس في كانون الاول 2009 ، ثم أصدرت لاحقاً حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً على الرجل المتعاقد مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بتهمة استيراد تكنولوجيا محظورة ومحاولة إنشاء خدمة إنترنت سرية للكوبيين المعارضين.
أوباما سيتحدث إلى
الكونغرس ليطلب منه رفع
الحظر المفروض على كوبا

وفي حين نجحت كوبا في تحويل قضية سجنائها الخمسة الى القضية الدبلوماسية الاولى لها على المستوى الخارجي ومع لجان التضامن حول العالم، باتت مسألة مقايضة حرية هؤلاء بإطلاق سراح الجاسوس آلان غروس أكثر قبولاً من الجانب الاميركي بعدما أطلقت عائلته حملة للمطالبة بإطلاق سراحه بمساندة عدد كبير من أعضاء الكونغرس.
ومع إعلان كلا الطرفين عن تبادل السجناء الذي جرى أمس، بحيث أطلق سراح غروس والسجناء الكوبيين الثلاثة، تكون الولايات المتحدة وكوبا قد اختارتا أن تفتتحا عهداً جديداً في العلاقة بين الطرفيين.
وأدلى الرئيس الاميركي بإعلان في البيت الابيض عند الساعة (17,00 تغ)، بالتزامن مع كلمة ألقاها الرئيس الكوبي راؤول كاسترو في الوقت نفسه.
وقال كاسترو إنه تحدث مع أوباما عبر الهاتف أول من أمس، قبل إعلان أوباما أن الولايات المتحدة ستغيّر سياستها تجاه كوبا وستسعى لتطبيع العلاقات مع الدولة التي ناصبتها العداء لأكثر من نصف قرن. وأعلن كاسترو أنه اتفق مع نظيره الاميركي «على إعادة العلاقات الدبلوماسية» بين البلدين. وأضاف، في خطاب بثته وسائل الاعلام الرسمية، «هذا لا يعني أن (المشكلة) الرئيسية، أي الحصار الاقتصادي، تمت تسويتها». وأشاد بالرئيس الاميركي لاتخاذه خطوات لإعادة العلاقات بين البلدين. وأضاف «هذا القرار من قبل الرئيس أوباما يستحق اعتراف شعبنا وتقديره»، موجّهاً كلمة شكر الى البابا فرنسيس الذي ساهم في التوصل الى هذه الخطوة.
بدوره، أعلن أوباما أن هناك تعاوناً سيجري مع هافانا بشأن مكافحة «الإرهاب» والمخدرات، في حين حثّ الحكومة الكوبية على دعم حقوق الإنسان ورفع القيود عن العمل السياسي وحرية التجارة، مشيراً إلى أن واشنطن ستعيد النظر في تصنيف كوبا كدولة راعية للإرهاب.
وقال إنه سيتحدث إلى الكونغرس الأميركي ليطلب منه رفع الحظر المفروض على كوبا، مضيفاً «سننهي سياسة عفا عنها الزمن في العلاقة مع كوبا». ومن المتوقع أن تواجه هذه الخطوة بمعارضة قوية من قبل اللوبي الكوبي في أميركا المحسوب على اليمين. وندد الرئيس الحالي للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ روبرت مينينديز بما يقوم به الرئيس أوباما تجاه كوبا، قائلاً إنه «يبرر السلوك الوحشي للحكومة الكوبية».
وانتقد رئيس مجلس النواب الاميركي جون بينر بشدة التحول في سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه كوبا، ووصفه بأنه تنازل «آخر في سلسلة طويلة من التنازلات الطائشة». وقال بينر في بيان «العلاقات مع نظام كاسترو لا ينبغي تغييرها.. فضلاً عن تطبيعها».
ودخلت الولايات المتحدة في عداء مع كوبا بعد الثورة الكوبية التي اندلعت عام 1959، وصعدت بفيدل كاسترو ومن بعده شقيقه راؤول إلى قمة السلطة، حيث تبنّت كوبا الايديولوجيا الشيوعية والتقارب مع الاتحاد السوفياتي، في حين كانت واشنطن تقود المعسكر الغربي الرأسمالي.
وبعد فشل محاولة من الولايات المتحدة لإطاحة حكم فيدل كاستروا مطلع ستينيات القرن الماضي، عرفت باسم عملية خليج الخنازير (تأسّست على جلب كوبيين مناوئين لكاسترو من المنفى وتسليحهم لإسقاط النظام الوليد)، اتفق النظام الكوبي والاتحاد السوفياتي على بناء قاعدة صواريخ في جزيرة كوبا، وبالتالي تصبح الولايات المتحدة في مرمى الصواريخ السوفييتية. وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، استندت السياسة الأميركية تجاه كوبا إلى انتقاد متواصل لأوضاع الحريات وحقوق الإنسان، علماً بأن الغالبية العظمى ممن تصنفهم الولايات المتحدة بأنهم سجناء سياسيون في كوبا قد أدينوا من قبل القضاء بعمليات تجسّس لمصلحة أميركا، أو بتلقيهم أموالاً لقلب نظام الحكم. وتفرض واشنطن حصاراً تجارياً على كوبا منذ عام 1961، ولقد نجحت كوبا في الحصول على 23 قراراً للجمعية العامة للامم المتحدة تدين هذا الحصار، وتصوّت جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة على هذا القرار سنوياً باستثناء الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.