لا تتوانى أوكرانيا عن اتخاذ الخطوات الاستفزازية، التي تكون نتيجتها في معظم الأحيان ارتفاع حدة التوترات مع روسيا، وإن كان آخرها ما زال في إطار القرار الذي «لن ينفذ قريباً» وفق الرئيس الأوكراني، لكنه كفيل بتسميم العلاقات بين الدولتين، وعرقلة القدرة على تدوير الزوايا في سبيل تحقيق بعض الهدوء على كافة الجبهات.
وحتى لو أُعلنت جولة جديدة من المفاوضات بين كييف والانفصاليين، تجرى اليوم، لكن موافقة البرلمان الأوكراني في جلسته، أمس، على مقترح تقدم به الرئيس بيترو بوروشينكو، لتخلي البلاد عن وضع عدم الانحياز، الذي يبقي البلاد من دون أي تحالف عسكري، والذي يفتح المجال بالتالي أمام دخول أوكرانيا إلى «حلف شمال الأطلسي»، يعني في ما يعنيه أن ردّ موسكو الذي أتى على شكل تصريحات مسؤوليها الغاضبين والمحذرين من نتائج عكسية، لن يكون أقلّ قساوة في حال المضي قدماً من أجل تنفيذ الخطط الأوكرانية الغربية، والمتمثلة بدور جديد قد يؤديه حلف «شمال الأطسلي» على المدى القريب أو البعيد.
وقد وافق 303 نواب، أمس، على المقترح الذي نصّ أيضاً على إجراء تعديلات في المادة السادسة من قانون «أسس الأمن القومي الأوكراني»، وإعادة تحديد أولويات أوكرانيا في المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية.
وطلب بوروشينكو، الأسبوع الماضي، من مجلس الأمن والدفاع القومي، إلغاء وضع عدم الانحياز، مشيراً إلى أن وضع عدم الانحياز الذي أعلن عام 2010 في أوكرانيا لم يقدّم أيّ ضمانات لوحدة أراضي البلاد وأمنها، كما أكد ضرورة التخلي عن ذلك الوضع، ولكنّ الرئيس الأوكراني لفت الانتباه في الوقت ذاته، إلى أن تخلي بلاده عن وضع عدم الانحياز لا يعني انضمامها، على نحو عاجل، إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
هذه الخطوة وإن كانت مؤجلة، بحسب تصريحات بوروشينكو، لكنها كانت كفيلة بتحفيز رد من رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، ووزير الخارجية، سيرغي لافروف، اللذين أكدا أنها ستؤدي إلى نتائج عكسية، محذرين من الرد عليها. فقد رأى ميدفيديف، في بيان له، أن تخلّي أوكرانيا عن وضع عدم الانحياز يعدّ بمثابة انضمام إلى «الحلف الأطلسي»، مضيفاً أن «ذلك قد يحوّل أوكرانيا إلى عدو محتمل لروسيا».
وفي سياق آخر، تطرق ميدفيديف إلى قانون العقوبات ضد روسيا الذي وقعه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مؤكداً أنه سيسمّم علاقات البلدين لعشرات السنين. وكتب على صفحته على موقع «فايسبوك» ليلة أمس، أن «رئيس الولايات المتحدة وقع قانوناً مضاداً لروسيا يتيح لأي رئيس أميركي استخدام العقوبات ضد بلدنا في أي وقت». وأوضح أنه «كما الحال مع قانون جاكسون-فينيك، فإن علاقاتنا مع أميركا ستُسمم لعشرات السنين».
وأكد رئيس الورزاء الروسي أن هذين القرارين، أي العقوبات الأميركية ودخول أوكرانيا في «حلف شمال الأطلسي»، «يتركان آثاراً سلبية جداً وستضطر بلادنا إلى الرد عليهما».
أما وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فقد صرح بأن قرار كييف التخلي عن وضع الدولة غير المنحازة، الذي يمثل خطوة إضافية لانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي «سيؤتي نتائج عكسية»، ولن يؤدي سوى إلى «تأجيج أجواء المواجهة».
وقال لافروف، في تصريحات بثها التلفزيون الحكومي الروسي، إن القانون «سيؤتي نتائج عكسية. إنه يوحي بأنه سيسمح بتسوية الأزمة الداخلية العميقة التي تمر بها أوكرانيا»، مؤكداً أنه «يجب وقف تأجيج أجواء المواجهة».
وأشار إلى أنه «سيكون من الأجدى لأوكرانيا أن تبدأ أخيراً حواراً مع قسم من شعبها جرى تجاهله بالكامل» في الشرق الموالي لروسيا.
وشدد لافروف على أنه «لا حلّ آخر سوى إصلاح دستوري بمشاركة كل المناطق وكل القوى السياسية في أوكرانيا»، داعياً كييف إلى «الاعتراف بالانفصاليين محاورين شرعيين».
في موازاة ذلك، قال وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، إن هناك مخاطر كبيرة من ألا تتمكن أوكرانيا، قبل نهاية العام الحالي 2014، من تسديد ما تراكم عليها من ديون مقابل الغاز الروسي، بسبب نقص الموارد لديها.
وهدّد الوزير الروسي بأن بلاده ستكون مضطرة لقطع إمدادات الغاز الروسي عن أوكرانيا، إذا لم تسدد الأخيرة حتى نهاية كانون الأول الحالي جزءا من ديون سابقة قيمته 1.65 مليار دولار، جرى الاتفاق على سداده في وقت سابق.
وقال نوفاك إن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في بروكسل بحضور المفوضية الأوروبية ينص على أنه اذا لم تدفع كييف الجزء الباقي من ديونها، الذي تبلغ قيمته 1.65 مليار دولار، قبل نهاية العام الحالي، فإن روسيا ستقطع توريدات الغاز إلى أوكرانيا في الشهر المقبل.
وأضاف أن على شركة «نفطوغاز أوكرانيا» أن تحوّل أيضا لشركة «غازبروم» قبل نهاية الشهر الحالي دفعة مسبقة من ثمن توريدات الغاز الروسي في شهر كانون الثاني المقبل.
كذلك أعرب الوزير الروسي عن استعداد بلاده للنظر في مسألة منح كييف تخفيضاً على ثمن الغاز الروسي، بعد آذار المقبل، موعد انتهاء مفعول اتفاق الغاز الشتوي، مشيراً إلى أن الجانب الأوكراني لم يتقدم بعد بطلب كهذا، ولافتا الانتباه إلى أن سعر الغاز الروسي لأوكرانيا من دون أي تخفيضات، قد يصل إلى 440 دولاراً لكل ألف متر مكعب اعتباراً من نيسان المقبل.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)