أنقرة| تخطت خلال السنوات العشر الماضية حالات انتحار الجنود في تركيا حالات قتل الجنود أثناء تأدية عملهم. وبحسب المعارضة، أغلب هذه الحالات هي موضع «شبهة»، ومعظم الجنود الذين انتحروا هم أكراد أو علويون. لكن القوات التركية المسلحة تؤكد أن الحياة الخاصة والمشاكل العائلية للمجندين هي التي تدفعهم نحو الانتحار أكثر من الصعوبات التي يواجهونها خلال الخدمة.
وأُثير الرأي العام التركي حول هذه الحالات خلال نهاية كانون الأول بعد موت ثلاثة جنود، اثنان منهم قيل إنّهم انتحروا، وواحد قُتل بنيران صديقة. وذكرت التقارير أن الجندي إسماعيل آكا، الذي كان يؤدي خدمته في محافظة إرناك الجنوبية الشرقية ذات الغالبية الكردية، قُتل خلال حادث إطلاق نار في الأول من كانون الأول. لكن زميله في الوحدة اتصل بعائلة آكا ليقول لهم إنها كانت جريمة، وليست حادثاً.
أما أمري تانيك، الذي يملك المواطنة الأميركية أيضاً، فقد انتحر في 26 تشرين الثاني الماضي، أثناء حراسة ليلية في المدينة الجنوبية الشرقية كاهرامانمارا. وأفادت التقارير بأنّه أطلق النار مباشرة تحت ذقنه. وقال شقيقه آكير تانيك، للصحافة، إن أمري تشاجر مع مجموعة من الجنود الرفيعين قبل أسبوع من موته. وأضاف: «لقد طلبوا منه أن يوضّب لهم أسرّتهم. وهذا لم يكن من واجباته. لذلك رفض، فأقدم الجنود الكبار على ضربه. إضافة إلى ذلك، أعطاه المستشفى علاجاً لمشاكله النفسية؛ لأنهم عرفوا أنه مريض، ومع ذلك أعطوه مسدساً وأرسلوه للحراسة الليلية وحده». وتابع آكير القول إن «سحابة من الشك تحوم حول مقتل أخيه، والقوات المسلحة مذنبة بالإهمال الذي أدى إلى انتحاره».
الجندي الثالث هو مرت إفرين أكدا. وذكرت التقارير أنه في 30 تشرين الثاني الماضي ربط أنبوباً حديدياً كان في الثكنة بمدينة آيجيان، حول عنقه وشنق نفسه، فيما كان بقية الجنود يغطون في نومهم.
الشكوك في حالات انتحار الجنود كانت أيضاً على أجندة عمل البرلمان التركي. وأشار رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، أيشان سيفر أوستون، خلال اجتماع خاص للجنة الأسبوع الماضي، إلى أنه خلال السنوات العشر الماضية، انتحر نحو 934 جندياً، وخلال الفترة نفسها، قُتل 818 في الاشتباكات الحربية. وقال إن «عدد حالات الانتحار للجنود تخطى عدد الشهداء. وهذا أمر غير مقبول».
وخلال الاجتماع نفسه، قدم المتحدث باسم مجموعة حقوق مبادرة المجندين، التي تدعمها «هيومن رايتس ووتش»، تولغا إسلام، عرضاً أمام اللجنة حول الموضوع. وقال إنه خلال هذا العام انتحر 32 جندياً، معظهم «في حالات مثيرة للشبهة». وأضاف أن منظمته حصلت على معطيات عن تعرضهم للإهانة والضرب والقوة الجسدية المفرطة وحرمانهم العناية الصحية الملائمة. وتابع: «حالات الانتحار هي الأضرار الأكثر وضوحاً في الخدمة العسكرية الإلزامية. فالجنود لا يملكون أي سبيل للخروج، حتى وإن كانوا يعانون الظروف الأصعب. الجيش يغلق عليهم الطريق بنحو مطلق». وأكد إسلام أنه «إن بقي هذا النوع من الخدمة الإلزامية، عندها يجب التأكد أن هؤلاء الجنود لا يتعرضون للإساءة. نريد أن نساعد أولئك الجنود العشرينيين الذين لا يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم».
وتعد الخدمة العسكرية إلزامية لكل مواطن تركي بلغ العشرين من العمر، وتراوح الخدمة ما بين 6 أشهر و 15 شهراً، تحدد بناءً على المستوى التعليمي، والجيش غير مستعد لإجراء تعديلات على هذه الشروط. لكن مع ازدياد الوعي العام بسبب ارتفاع حالات الانتحار والموت المثير للجدل، أصدرت القوات المسلحة في 7 كانون الأول الماضي بياناً دافعت فيه عن نفسها، وقالت إن «الظروف الخاصة والمشاكل العائلية (للمنتحرين) أدت دوراً رئيسياً في حالات الانتحار أكثر من صعوبة الخدمة العسكرية الإلزامية». وأضاف: «فيما كانت حالات الانتحار تشكّل 32 من 100 ألف خلال عام 2002، فإن هذا الرقم انخفص ليشكل 15 من 100 ألف في عام 2011 وتحديداً مع المساهمات التي قدمها الاحتياط خلال السنوات الماضية. بكلام آخر، خلال السنوات العشر الماضية، انخفضت نسبة الانتحار إلى النصف». وتابع: «لن يكون سليماً خلق صخب وسط الرأي العام، من خلال الإدلاء بتعليقات والتقويمات، فيما لم تنته بعد نتائج التحقيقات الإدارية والقضائية ولم تحدد أسباب الانتحار، وتجريم المؤسسة» العسكرية.
لكن هذا البيان أثار غضب منظمات حقوق الإنسان مثل «مظلومدر» (MAZLUMDER). وقال رئيس فرع حقوق الجندي في المنظمة، ماهر أوراك، خلال مؤتمر صحافي: «أن تدّعي أن الجنود ينتحرون بسبب ظروفهم الخاصة ولمشاكل عائلية، محاولة لتغطية الموت المثير للشبهات داخل الجيش»، مشيراً إلى أن غالبية الجنود الذين ينتحرون هم إما علويون أو أكراد. وأضاف: «هناك شيء غير طبيعي هنا».
بدورها، أكدت النائبة عن حزب «السلام والديموقراطية» (الموالي للأكراد)، صبحت تونسيل، أن الجنود الذي ينتحرون إما علويون أو أكراد. وقالت: «هؤلاء الصبية يرسلون إلى منازلهم بالأكفان، ويُقال لأهاليهم إنهم انتحروا، لكننا نعلم أن غالبيتهم ضحايا جرائم كراهية. فإن المجندين الأكراد والعلويين والأرمن يصبحون داخل الجيش ضحايا جرائم كراهية»، مشيرة بذلك إلى مقتل الجندي الأرمني سيفاج أهين باليكسي في باتمان الجنوبية الشرقية العام الماضي. وكانت الرواية الرسمية لحادثة مقتله أنه قتل خطأً من قبل جندي آخر. لكنّ جندياً ثالثاً أكد أنّ باليكسي استُهدف، وأنه لم يكن مجرد حادث. وقتل باليكسي في 24 نيسان 2011، في التاريخ الذي اختاره الأرمن لإحياء ذكرى الإبادة الأرمنية. ولا تزال محاكمته جارية حتى الآن.



مقتل 14 من الكردستاني خلال اشتباكات

قُتل أربعة عشر متمرداً من حزب «العمال الكردستاني»، إضافة إلى جندي تركي واحد، خلال معارك اندلعت أول من أمس، في محافظة هكاري التركية (جنوب شرق) على الحدود العراقية.
وقال بيان لمحافظة هكاري إن «القوات المسلحة التركية تدخلت ضد مجموعة كبيرة من المتمردين الذين كانوا يريدون أن يهاجموا خلال الليل مركزاً متقدما للدرك على مقربة من الحدود مع العراق». وتقع محافظة هكاري الجبلية في أقصى جنوب شرق البلاد على حدود العراق وإيران. ويستخدم حزب «العمال الكردستاني» شمال العراق قاعدة خلفية لعملياته في جنوب شرق تركيا الذي تسكنه أكثرية كردية.
وقد اندلعت هذه المعارك في وقت بدأت فيه الدولة التركية في الأسابيع الأخيرة حواراً مع زعيم حزب «العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، المسجون مدى الحياة في شمال غرب تركيا منذ 1999، لإقناع الحركة المتمردة بإلقاء سلاحها.
وأدى النزاع الكردي في تركيا إلى مقتل أكثر من 45 ألف شخص منذ بدأ حزب العمال الكردستاني تمرده في 1984. وطالب المتمردون في البداية باستقلال جنوب شرق الأناضول، قبل يطالبوا بحكم ذاتي إقليمي.
(أ ف ب)