ثلاثة أسئلة وتأكيد، هذا ما طرحته أمس أبرز الصحف والمجلات الفرنسية حول العملية العسكرية في مالي التي سمّيت «سيرفال» Serval، على اسم نوع من أنواع القطط المتوحشة التي تعيش في أفريقيا: هل العملية دستورية؟ هل تمتلك فرنسا القدرات الكافية لتحقيق أهدافها؟ وهل لفرنسا مصالح اقتصادية تؤمنها من خلال «سيرفال»؟ والتأكيد هو: لا حرب من دون نوايا وخلفيات.
السؤال الأول حول دستورية العملية طرحته صحيفة «لو موند» على مدير الأبحاث في «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية» بليغ نابلي. وانطلقت «لو موند» في أسئلتها من اعتراض رئيس حزب اليسار والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، جان لوك ميلانشون، الذي أثار مسألة دستورية العملية العسكرية في مالي منذ يومها الاول واعترض على عدم مشاورة المجلس النيابي أو الحكومة قبل إطلاقها.
نابلي أوضح أن الدستور الفرنسي لا يجبر رئيس الجمهورية على استشارة البرلمان قبل اتخاذ قرار الحرب. فالرئيس الفرنسي هو دستورياً القائد الأعلى للقوات المسلحة، ما يترك له حرية اتخاذ القرارات العسكرية من دون أي مشاورات مسبقة. لكن الدستور يفرض أيضاً على الحكومة أن تبلّغ البرلمان بأي تدخل للقوات العسكرية في الخارج بعد ثلاثة أيام على بدء العملية كحدّ أقصى. وفي هذا الاطار، من المقرر أن تستمع اليوم لجنتا العلاقات الخارجية والدفاع الى شهادات وزير الخارجية لوران فابيوس والدفاع جان إيف لو دريان حول قرارات عملية «سيرفال». من جهة اخرى، يمنح الدستور الفرنسي سلطة أن يجيز البرلمان استمرار أي عملية عسكرية في الخارج اذا تجاوزت فترتها الأربعة أشهر». إذاً، البرلمان الفرنسي يمكن أن يقول كلمته حول التدخل العسكري في مالي في حزيران المقبل. لكن نابلي يشير الى أنه حتى لو طالت العملية أكثر من الفترة المحددة دستورياً فإن مجلس النواب قد لا يتمكن من ممارسة سلطته في وقفها أو السماح باستكمالها في حزيران، لأن الحكومة قد تتذرع بأن «سيرفال» ليست إعلان حرب بل هي وضع جيش قدراته في خدمة عملية دولية.
لكن ماذا عن القانون الدولي؟ يشير نابلي إلى أن العملية الفرنسية بشكلها الحالي تخرج من اطار القرار الاممي 2085 الذي يجيز انتشار قوة أفريقية مؤلفة من عناصر أفارقة حصراً في مالي لمدة عام، مع تقديم الاتحاد الاوروبي الدعم المالي واللوجستي اللازم. لكن فرنسا تستعين بالمادة 51 من شرعة الامم المتحدة التي تمنح «الحق الشرعي الفردي والجماعي بالدفاع عن أي دولة عضو في الامم المتحدة في حال تعرضها لاعتداء». ومالي، حسب نابلي، «اعتدي عليها من قبل الجهاديين وفرنسا تمارس حقها الاممي الشرعي بالدفاع عن مالي التي يعجز جيشها عن ذلك». نابلي يشير أيضاً الى وجود اتفاقات ثنائية دفاعية بين البلدين تجعل من «سيرفال» عملية قانونية شرعية من كل الجوانب.
السؤال الثاني، حول قدرة فرنسا على تحقيق أهداف عمليتها العسكرية طرحته سارا ديفالا في مجلة «لو نوفيل أوبسيرفاتور». فالأهداف المعلنة من عملية «سيرفال» هي: «وقف هجوم المجموعات الإرهابية على الأراضي المالية» و«الحفاظ على وجود الدولة» و«التحضير لنشر القوات الافريقية».
ديفالا تنطلق من كلام المسؤولين الفرنسيين لتستنتج بأن الهدف الاول من العملية تحقق بشكل نسبي، إذ إن القوات الفرنسية نجحت بوقف المتمردين في الشرق. لكن ديفالا تلفت الى صعوبة تنفيذ عمليات بريّة لملاحقة المتمردين على الاراضي المالية بسبب المسافات الشاسعة التي تفصل المناطق، ما سيستدعي تجهيزات عسكرية وعتاداً ضخماً، كالذي استخدم في أفغانستان. وقد استغلت فرنسا احتفاظها بنقاط عسكرية في عدة دول أفريقية سهّلت لها مهمتها الاخيرة. لكن المقال يخلص الى أنه سيكون من الصعب جداً على فرنسا وحدها أن تقود عملية «تطهير» شمال مالي من المتمردين الإسلاميين، لذا فهي تحتاج الى دعم دولي وأفريقي، لأن العملية لا يمكن أن تحقق أي نجاح من خلال القصف الجوي فقط بل تحتاج الى مجموعات تقاتل على الأرض.
كذلك يشير المقال الى أنه يجب على فرنسا أن تتفادى الوقوع في أزمة أو جمود وأن تحضّر منذ الآن الأرضية للمستقبل في حال أرادت فعلاً أن تحقق أهداف العملية التي أعلنت عنها.
لكن، هل لفرنسا مصالح اقتصادية تقود من أجلها عمليتها في مالي؟ سأل إيميل لوفيك في مجلة «ليكسبرس». «مالي تأتي في المرتبة 87 على لائحة زبائن الدولة الفرنسية» والصادرات المالية لفرنسا لا تتعدى العشرة ملايين يورو. لوفيك لا ينفي أهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لكنه يشير الى أنها ليست على مستوى عال من الأهمية. حتى أن الكاتب يشير الى افتقار مالي لأي ثروات نفطية واكتفائها بعدد قليل من مناجم الذهب. إذاً، لا تريد فرنسا أن تحمي مصدراً نفطياً مهماً في مالي، يخلص الكاتب.
لكن لوفيك يشير الى أهمية مالي الاقتصادية ــ الاستراتيجية نظراً لموقعها بين دول ذات أهمية اقتصادية كبيرة لفرنسا. فمالي هي جارة النيجر حيث تتولى شركة «أريفا» الفرنسية استخراج اليورانيوم، وجارة موريتانيا حيث تستقر شركة «توتال» النفطية الفرنسية منذ عام 2005 وجارة ساحل العاج وهي أبرز دول المنطقة المالية الاقتصادية للمستعمرات الافريقية السابقة. طبعاً، من دون أن ننسى الجزائر، الجارة الأبرز.
بعد الأسئلة الأساسية التي حاولت الصحف الفرنسية الاجابة عنها، جاء تأكيد صريح على موقع مجلة «لو بوان» بقلم الصحافي هيرفي غاتينيو الذي عنون مقاله: «كلا، لا توجد حرب من دون خلفيات». غاتينيو الذي يعارض العملية العسكرية في مالي يؤكد أن «هناك دائماً حسابات اقتصادية أو استراتيجية لكل حرب تخاض» وأن «فرنسا تدخلت في مالي ليس لقمع الارهاب فحسب بل للحفاظ على آخر معاقل سيطرتها في القارة الافريقية وعلى مصالحها هناك». لكن ماذا عن الاجماع الفرنسي السياسي حول العملية، يجيب الصحافي «إن ذلك يرجع الى تقليد سياسي تاريخي يقدّس العمل العسكري». غاتينيو يخلص بالتعبير عن تشاؤمه من أن «السيناريو الأسوأ ليس مستبعداً بعد أن دُفع فرانسوا هولاند وحيداً الى الحرب».