بدأت باريس تروّج لـ«النصر الفرنسي» في مالي، مدعومة بالتطورات العسكرية في اليومين الماضيين، مع دخول الجيش المالي إلى مدينة تمبكتو التاريخية معقل الإسلاميين الأهم في الشمال المالي. غير أن ذلك لم يمنع المحللين الفرنسيين من التحذير من عودة قريبة للإسلاميين الذين يستعدون لاستعادة المبادرة. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خرج أمس في ما يمكن اعتباره خطاب الانتصار، بتأكيده أن بلاده مدعومة من شركائها الأفارقة «في صدد الانتصار في معركة» مالي. وأضاف أنه يقصد الجيش المالي، أي الأفارقة تحديداً، مدعومين من الفرنسيين.
وأكد هولاند، في مؤتمر صحافي عقده مع رئيس الحكومة البولندية دونالد تاسك، «استعادة أبرز المدن» في شمال مالي، مشيراً إلى غاو وتمبكتو اللتين كانتا في أيدي مجموعات إسلامية منذ أشهر. وأعاد الرئيس الفرنسي التأكيد مجدداً على أن باريس لا تنوي البقاء طويلاً في مالي، بل ستعمل على توفير الأرضية الجيدة للقوات الأفريقية لضمان الاستقرار الدائم في مالي.
بدوره، كان موقف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس متطابقاً مع موقف الرئيس هولاند بتأكيده أنه «لا نريد أن تعلق» في مالي، موضحاً «أننا نستخلص العبر من عدة نزاعات ولن نعلق»، ومشيراً بوضوح إلى أفغانستان. كذلك لخّص فابيوس الوضع في مالي بالقول إن «الأمور ماضية كما هو مخطط لها، والأهم هو أن مالي تتحرر شيئاً فشيئاً».
ورداً على سؤال لقناة «فرانس2» بشأن ما إذا كان الجيش قرر أن يسرع في تحركه، أكد فابيوس أن الأمور تسير كما حددها رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند.
ميدانياً، أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد أنها سيطرت على منطقة كيدال، المدينة الأخيرة في شمال مالي، التي لم يسيطر عليها بعد الجنود الفرنسيون والماليون، في حين دخل الجيشان الفرنسي والمالي مدينة تمبتكو الواقعة أيضاً شمال البلاد، في خطوة على الطريق نحو استعادة المنطقة التي ظلت لعدة أشهر بين أيدي الجماعات المسلحة.
وقال المسؤول الإعلامي للحركة الوطنية لتحرير أزواد موسى آغ أسريد إن مقاتلي الحركة دخلوا كيدال الواقعة على بعد 1500 كلم شمالي شرقي باماكو، مشيراً إلى أن سكان المنطقة عبّروا عن سعادتهم بدخول قوات الحركة التي قال إنها تضم مختلف المكوّنات العرقية، ولا تقتصر على الطوارق وحدهم. ورداً على سؤال عمّا إذا كانوا قد حصلوا على تطمينات من فرنسا، قال «نحن على تواصل مع جميع الدول المنخرطة في العملية الجارية في مالي، بما في ذلك دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن فرنسا في إطار تواصلنا». وبشأن الموقف مع مالي، أشار إلى أن حركته قاتلت الجيش المالي وتخوض ثورة ضده في أراضي أزواد، وأوضح أن على «فرنسا أن تتحمل مسؤولية خروج مالي من أراضي أزواد».
وفي مدينة تمبكتو التاريخية، التي تقع عند نهر النيجر، أغلقت القوات الفرنسيّة والمالية أحد مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في المدينة، بعدما أحرق مقاتلون إسلاميون فارون عدة مبان في البلدة، ومن بينها مكتبة للمخطوطات تحتوي على آلاف المخطوطات القيّمة التي لا تقدر بثمن.
«بشائر النصر» الفرنسي كانت محطّ تعليق للمحللين الفرنسيين، فأجمعوا على أن النتائج المسجلة إلى الآن في مالي دليل على نجاح خطة الرئيس فرانسوا هولاند، إلا أن ذلك لا يمنع من توخّي الحذر من إمكانية عودة قوية للإسلاميين.
وأوضح مصدر دبلوماسي فرنسي أنه رغم نجاح رهان الرئيس هولاند في شمال مالي، يستعد الآن لمواجهة مخاطر عديدة أيضاً، منها مصير الرهائن في منطقة الساحل ومخاطر وقوع هجمات جديدة من الإسلاميين.
بدوره، شدد الخبير في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية (FRS)، فرانسوا هايسبورغ، على أن هولاند يعيش لحظة نشوة النصر بعد «التحرك السريع وبشكل مناسب» لصدّ تقدم الإسلاميين في باماكو، موضحاً أن ذلك «أدى إلى النصر العسكري، واستعادة وحدة أراضي مالي».
ورغم ذلك، أوضح هايسبورغ أن الجزء الصعب من مواجهة الإرهاب في مالي سيستغرق سنوات، فهناك بحسب رأيه لا تزال عدة ملفات مهمة لاستعادة الأمن والأمان لمالي والساحل الأفريقي، منها «مواجهة التهديد الإرهابي، وتحديد مصير الرهائن الفرنسيين، وتعزيز المصالحة الوطنية في مالي، وضمان التنمية الاقتصادية في منطقة الساحل، ومنع التجاوزات، وتدريب قوات مالي وتجهيزها».
في مقابل ذلك، قلّل الخبير في المؤسسة أيضاً، بونز تيرتريه، من بشائر النصر مع دخول تمبكتو، وأوضح «لا ننخدع بسهولة العمليات، نحن يمكن أن نكون قد نجحنا في إجبار الجهاديين على مغادرة المدن، لكن ذلك لا يعني أنهم لا يمكن أن يستعيدوا المبادرة لمهاجمتنا من خلال ملاجئ لهم في المناطق الصحراوية في شمال مالي».
من جهة أخرى، أعلن الاتحاد الأفريقي أمس أنه سيؤمن 10% من المبالغ التي تحتاج إليها القوة الأفريقية في مالي، وذلك عشية مؤتمر للجهات المانحة يعقد اليوم مهمته تأمين 460 مليون دولار على الأقل لصدّ المسلحين الإسلاميين.
وسيموّل الاتحاد الأفريقي للمرة الأولى عملية لحفظ السلام، وسيفرج كما جاء في الوثيقة عن 54 مليون دولار لتمويل انتشار هذه القوة التي تسمّى المهمة الدولية لدعم مالي (ميسما)، وعن خمسة ملايين دولار لإعادة تنظيم الجيش المالي.
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس، أن بريطانيا عرضت على فرنسا تقديم المزيد من المساعدات لعملياتها العسكرية ضد المسلحين الإسلاميين في مالي، لكنها لن تقوم بدور قتالي.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)