لم يعد الرئيس الأميركي باراك أوباما ظاهرة. الرئيس الأسود في البيت الأبيض؟ صارت هذه «ظاهرة» خلف العالم. أعاد الأميركيّون انتخابه وكرّسوا «الظاهرة» حتى صارت أقل سطوعاً. لكن المؤسسة الكاثوليكيّة الأولى في العالم تقف اليوم على مفترق مشابه. باغت البابا الألماني العالم، فانسحب من ردائه الأبيض. المقعد على المفترق، والترشيحات تميل إلى حصول «مفاجأة» في البيت الروماني. قد تنتهي الانتخابات بوصول «البابا الأسود» إلى الكرسي المقدّس. المرشحّون كثر، لكن السجال محصور في نهاية المطاف في سؤال واحد: بابا إيطالي أم بابا أسود؟
بين 118 كاردينالاً يحق لهم انتخاب البابا، يوجد 28 إيطالياً. الحديث عن بابا إيطالي ليس طارئاً ولا يرتكز على أسانيد جماليّة. طبعاً، لا يعني ذلك بالضرورة أن ايطاليا بلاد أهلها متدينون. لا يحتاج الأمر إلى شرح وافر. الفاتيكان في روما، يتحدث لغتها، ويدير شؤون الأبرشيّة من هناك، استناداً إلى واقع تاريخي، أكثر منه عملانياً. في الواقع، القارة الكاثوليكيّة هي أميركا اللاتينيّة، وفيها 42% من الكاثوليكيين على الكوكب.
فلنبدأ من هنا إذاً، من القارة الصغيرة التي تتدلى كذيلٍ متروك على أطراف العالم. حتى المرشح الأبرز فيها، ليوناردو ساندري، أسقف ساو باولو، ينحدر من أصول إيطاليّة. ساندري، رئيس مجمع الكنائس الشرقيّة حاليّاً، يعني أنه أقرب «صلات الوصل» بين «كنائس الشرق» وروما. عيّن في منصبه خلال حزيران 2007، من قبل البابا بندكتوس السادس عشر، وكان قد رفع إلى الرتبة الكاردينالية لدى انعقاد المجمع الخاص بذلك في شهر تشرين الثاني 2007. زار الشرق كثيراً، ويعرفه تماماً، كونه من دبلوماسيي الفاتيكان، كما أنه اكتسب أهميّته في عهد البابا يوحنا بولس الثاني، الذي يعرف عنه اهتمامه بكنائس الشرق هو الآخر. ساندري، معروف باتصالاته الكثيرة مع الأساقفة الآسيويين، وتالياً، العرب. وبين اللاتينيين، تبرز أسماء عديدة، لا تملك «حظوظ» ساندري، كرئيس أساقفة برشلونة مارتينز سيستاك، الاسباني، الذي خاض رئيس الوزراء الاسياني الأسبق خوسيه لويس ثاباتيرو معركة العلمنة ضدّه، إضافة إلى رئيس أساقفة بيونس أيرس، والبرازيلي من أصل ألماني بيدرو اودليو. وللمناسبة، لا تغيب «السياسة» أبداً عن «الترشيحات». فرئيس أساقفة هافانا، لوكاس أورتيغا لامينو، رجل محترم في الفاتيكان. تعوّل عليه المؤسسة الدينيّة كثيراً، لنقل كوبا إلى «ما بعد كاسترو».
لن تحدث مفاجأة إذا صار ساندري هو البابا. قد تحدث إذا وصل البابا من افريقيا، حيث الدول الناشئة، والأقل عراقة مسيحيّاً. وعلى عكس ما يبدو الأمر، فإنها لن تكون «صدمة». مفاجأة صغيرة للإيطاليين وحسب، وفقاً لصحيفة «إيل جورنالي». هناك ثلاثة كرادلة مرشحون «مؤهلون» من القارة الفقيرة. أبرزهم، وفقاً لصحيفة «الغادريان» الانكليزيّة، هو الغاني بيتر كودو آبيا توركسون، الذي يرأس «المجلس البابوي للعدالة والسلام». اسم فضفاض، ويعطي انطباعاً أن «رأس» هذه المجلس يقوم بعملٍ كبير، خاصةً في افريقيا. وإلى توركسون، الأوفر حظاً، يبرز اسم الكاردينال الغيني، روبرت سار، الذي يتولى إدارة «بنك الفاتيكان الخيري». ليس غريباً أن يكون افريقيّاً، يكاد الفقر أن يكون مردافاً لغويّاً لإفريقيا، والعالم يعرف ذلك، ويعيش معه كلاميّاً لا فعليّاً. قد تكون فرص هذا البابا «القليلة» نابعة من هنا، يمكن اعتبارها بمثابة استكمال لأولويّات البابا «المستقيل» في محاربة الفقر. وإلى هذين الإسمين، يحق للنيجيري جون اولورونفيكي اونايكان الوصول هو الآخر.
أفريقيا بشقها الكاثوليكي، على موعدٍ مع أملٍ سماوي. أن تنكسر القواعد القديمة، وإن كانت غير معلنة، فوصول بابا أسود إلى المنصب الكنسي الأول في العالم، ليس كوصول أوباما مثلاً. يذهب كثيرون من متابعي شؤون الفاتيكان والمتحمسين لها في إيطاليا، إلى الاعتقاد بأن وصول بابا أسود سيؤثر على الأميركيين أنفسهم، أكثر من تأثير أوباما، لأنه حدث بأبعاد عالميّة، وبصبغة روحيّة، في الأساس لا يزال المجتمع الأميركي موشوماً بها، على عكس المجتمعات الأوروبيّة الأكثر تحرراً من الدين.
ذاكرة الفاتيكان لم تغادر أوروبا بعد، ولكن اليوم، تتردد أسماء جديدة خارج بوابات أوروبا، كالكاردينال الفيلبيني لويس انطونيو تاغلي، رئيس أساقفة مانيلا، الذي يتقدم (في الذِكر لا أكثر) على رئيس أساقفة بومباي (الهند) اوزوالد غراسياس، أما من أوستراليا فهناك مطران سيدني جورج بيل، بالكاد تمرّ الصحف الإيطاليّة على اسمه. أوستراليا بعيدة جداً.
الأوروبيون يبقون المرشحين الأوائل. نتحدث هنا عن بابا ألماني أخير، خلف بابا بولوني، حيث الحدود مشتركة والثقافة أيضاً. يجمعهما عداء قديم للشيوعيّة، يبدو إرثاً حمله معه كل واحد منهم، أكثر مما هو ثقافة «بابويّة» حقيقيّة. بمعنى آخر، حمل الباباوان الأخيران معهما أفكاراً، أتيا بها من بلادهما، ولذلك يعد وصول بابا من خارج أوروبا خرقاً للسائد، بالمعاني التي يكتنزها، لا في الشكل «النوستالجي» على طريقة المراهقة اليساريّة. هذا كله شيء، والحسابات داخل الكنيسة شيء. فما زال أسقف عاصمة الأزياء الإيطاليّة، ميلانو، الكاردينال آنجيلو سكولا، الرجل الأقرب. ووفقاً للصحف الإيطاليّة، فإن أسماء أخرى لا تقل عنه شأناً، حاضرة بقوة على المسرح. هناك الأسقف الكندي المحافظ مارك أوليه. وتشدد «إيل جورنالي» على مصطلح «محافظ» للتمييز بينه وبين الآخرين. وبذات النسبة، ترشح الصحيفة المطران النمساوي ــ المجري بيتر اردو، ورئيس أساقفة فيينا، كريستوف شونبورن. مبدئيّاً، هؤلاء هم الرجال «الأقوياء» في الفاتيكان، أو المرشحون الأبرز. المؤسسة الدينيّة لا تحبذ استخدام مصطلح «القوة»؛ ورغم ذلك، لم يظهر «البابا الأسود» بعد.