خطت كوبا، أول من أمس، خطوة إضافية نحو «حماية النظام الاشتراكي من الداخل»، مع تعيين ميغيل دياز كانيل، نائباً اول لرئيس مجلس الدولة، ما يرشح هذه الشخصية القيادية كخليفة مرتقبة للرئيس راوول كاسترو الذي بدأ الأحد ولاية رئاسية ثانية وأخيرة لخمس سنوات على رأس الدولة.
وبذلك يصبح دياز كانيل، العضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم منذ 2003، الرجل الثاني في النظام مكان خوسيه رامون ماتشادو فينتورا (82 عاماً)، الذي أعيد إلى الصفوف الخلفية بتعيينه أحد النواب الخمسة لرئيس مجلس الدولة.
ولاقت خطوة تعيين فينتورا في عام ٢٠٠٨ كنائب اول لرئيس الدولة امتعاضاً كبيراً في صفوف القيادات الشبابية للحزب الشيوعي الكوبي. لكن فيديل كاسترو، الذي سلم مقاليد الحكم الى شقيقه راوول عام ٢٠٠٦، فضل ان الإبقاء على فينتورا في ذلك الوقت كي لا تفسر خطوته بأنها انقلاب كامل على الجيل المؤسس للثورة الكوبية.
ويرفض الكوبيون الخوض في تفاصيل انقلاب كان وشيك الحدوث في حينه، اكتشف مبكراً واستتبع بعزل نائب رئيس الدولة كارلوس لاهي، ما شكّل صدمة كبرى للحزب الشيوعي الكوبي. وكان لاهي يُعَدّ من الحلقة الضيقة المقربة من فيديل، ووجهت له اتهامات بالتفاوض مع جهات خارجية خارج الأطر الرسمية، قبل أن يُعزَل من منصبه من عدد آخر من الكوادر.
ومع تسلم دياز كانيل، الذي يبلغ عامه الـ 53 في نيسان، تكون كوبا قد حسمت خيارها في ضخ دم جديد في المناصب القيادية العليا. وسبق لميغيل دياز كانيل، الذي شغل منصب وزير التعليم العالي، أن رُقّيَ في آذار 2012 ليصبح أحد النواب الثمانية لرئيس مجلس الوزراء، ما سمح له بالبروز بشكل أكبر في المشهد السياسي الكوبي خلال الأشهر الماضية.
وأوضح راوول كاسترو، في خطابه خلال الجلسة الافتتاحية للجمعية الوطنية، أن تعيين دياز «يمثل خطوة نهائية في تثبيت الوجهة المستقبلية للبلاد، من طريق انتقال هادئ ومنظم لأعباء الحكم إلى الأجيال الجديدة». وأشار إلى أن انتقال الحكم بين الأجيال «عملية يجب متابعتها خلال هذه الولاية الخمسية»، لافتاً إلى أن هذه العملية يجب أن تحصل «بشكل غير منقطع وبدقة».
ومن المتوقع أن تجري هذه الخلافة بحدود عام 2018 مع انتهاء الولاية الثانية، لكنها قد تحدث قبل ذلك، ولا سيما مع تلميح كاسترو إلى احتمال انسحابه من الحياة السياسية، إذ قال مازحاً، في لقاء مع صحافيين: «سأستقيل. سأبلغ 82 عاماً ويحق لي الانسحاب، ألا تعتقدون ذلك؟».
وانتخبت الجمعية الوطنية الأحد الأعضاء الـ31 من مجلس الدولة، الهيئة العليا في السلطة التنفيذية الكوبية، بينهم 17 عضواً جديداً مع معدل أعمار يبلغ 57 عاماً. وانعكس التجديد المتوقع لمجلس الدولة في شخص مرسيدس لوبيز اسيا (48 عاماً)، أمينة السر الاولى للحزب الشيوعي في هافانا، وهي مهندسة زراعية والسيدة الوحيدة بين اعضاء المكتب السياسي الـ15 والأصغر سناً بين نواب رئيس مجلس الدولة الخمسة. وحافظ نائبا رئيس آخران على موقعيهما، هما الزعيم التاريخي راميرو فالديز (80 عاماً) وغلاديس بيخيرانو (66 عاماً) رئيس هيئة المراقبة المالية في الدولة. أما خامس نائب للرئيس، فهو رئيس هيئة التنسيق النقابية في الدولة، سالفادور فالديز ميزا (67 عاماً) الذي كان عضواً في مجلس الدولة.
وقبل تعيين الأعضاء الـ31 في مجلس الدولة، انتخب النواب الـ612 في قصر المؤتمرات في هافانا، وبينهم فيدل كاسترو (86 عاماً)، الذي لقي تصفيقاً حاراً في ظهور علني نادر له، رئيساً جديداً للمجلس. واختير استيبان لازو، الخبير الاقتصادي البالغ 69 عاماً، ليخلف الجامعي والدبلوماسي ريكاردو الاركون (75 عاماً) الذي لم يترشح مجدداً لهذا المنصب الاستراتيجي الذي يشغله منذ 1993. ولازو هو السياسي الأسود الرئيسي في كوبا، وكان في السابق احد نواب رئيس مجلس الدولة الخمسة.
ويرى المحللون أن الولاية المقبلة من خمس سنوات ستشكل اختباراً لطريقة تطبيق المرشحين المحتملين للخلافة، الإصلاحات التي اطلقها راوول كاسترو عام 2008.
وإلى جانب التغييرات السياسية، دخل اقتصاد كوبا عام 2013 أكثر ثقة في النفس، ولا سيما بعدما مهدت الحكومة لإعادة هيكلة الاقتصاد عبر وضع قوانين توسع نشاطات القطاع الخاص في مجموعة كبيرة من الأعمال. ويبدو أن الخطى التي يخطوها اقتصاد كوبا، تُعَدّ سعياً من الحكومة لتفعيل توصيات مؤتمر الحزب الشيوعي الكوبي الذي اختتم أعماله نهاية 2011، واتخذ إجراءات اقتصادية وُصفت حينها بالثورية، حيث اعتمد ثلاثمئة طريق للإصلاح. وعلى الرغم مما تحقق خلال 2012 للاقتصاد الكوبي من طفرات، إلا أن الطريق أمامه لا يزال طويلاً؛ وخاصة أن كوبا اختارت السير بوتيرة بطيئة وحذرة نحو تقليص حجم القطاع العام وتعديل قانون الهجرة وإصلاح نظام الضرائب والدعم الحكومي، وذلك خوفاً من ان تؤدي هذه التحويلات الى انعكاسات تصيب بنية النظام الاجتماعي والاقتصادي.
في المقابل، لا تزال الجارة اللدود للجزيرة الشيوعية تطبق الخناق السياسي والاقتصادي على هافانا؛ فقبل أسبوع مدد الرئيس الاميركي، باراك أوباما، حال الطوارئ تجاه كوبا التي أعلنت في عام 1996. كذلك تفرض الولايات المتحدة أيضاً حصاراً مالياً وتجارياً شاملاً على كوبا منذ عام 1962. وشكّلت زيارة وفد مكون من سبعة من أعضاء الكونغرس الاميركي الى كوبا، قبل اسبوع، خطوة لافتة في مسعى لتحسين العلاقات التي تعثرت منذ إلقاء القبض على الجاسوس الأميركي آلان غروس. وأعلن الوفد أن العلاقات مع كوبا لا يمكن ان تتقدم حتى يُطلَق سراح غروس، الذي توافق كوبا على النقاش في شأنه، شرط التفاوض في وضع الكوبيين الخمسة الذين أعلنت الامم المتحدة انهم معتقلون تعسفياً في سجون الولايات المتحدة.