واشنطن | عادت أخبار فشل الجهود التي قادتها الولايات المتحدة لإعادة إعمار العراق خلال فترة احتلالها العسكري المباشر له لتتصدر وسائل الإعلام الأميركية. هذه الاخبار عزّزها التقرير النهائي الذي أعدّه المفتش العام الأميركي الخاص بإعادة إعمار العراق، ستيورات بوين، بعنوان «دروس من العراق». هذا التقرير، الذي صدر يوم أمس في 171 صفحة، قال بوين فيه «إن انسحاب القوات الأميركية من بغداد نهاية عام 2011 الماضي سبّب الحدّ من قدرات الولايات المتحدة على تشكيل الأحداث هناك». وتضمن التقرير، أيضاً، آراء مسؤولين بارزين، أميركيين وعراقيين، توصلوا إلى استنتاجات مشابهة، تتحدث عن أخطاء الولايات المتحدة في العراق، حيث كشف هؤلاء أنّ الولايات المتحدة تولت القيام بالعديد من المشاريع العملاقة، لكن من دون أن تتشاور في الأغلب وبشكل كاف مع العراقيين لتحديد المشاريع التي يحتاج إليها الشعب العراقي. وأوضح بوين أنّ من بين التحديات التي واجهت الولايات المتحدة في العراق، إنشاء مكتب يتألف من مسؤولين عسكريين ومدنيين يهدف إلى تخطيط وتنفيذ هذه المشاريع، في حين تمثل التحدي الآخر في البدء بمشاريع إعادة الإعمار عقب استتباب الأمن والتركيز في البداية على المشروعات الصغيرة.
وتضمّن التقرير رأي وزير الدفاع السابق ليون بانيتا، الذي قال إنّ عدم قدرة إدارة الرئيس باراك أوباما على إبرام اتفاق ينصّ على ترسيخ وجود عسكري في العراق بعد عام 2011، حرم الولايات المتحدة من نفوذ سياسي مهم لممارسته هناك. وعزا بانيتا الفشل إلى أنّ دور الجيش الأميركي لم يتعلق بإعادة إعمار العراق، وهو دور لم يكن مستعداً له، بل كان «الجيش في العراق لخوض حرب».
بدوره، قال نائب وزير الخارجية، وليام بيرنز، إن الولايات المتحدة بالغت بشكل كبير في التخطيط «لعمل كل شيء في العراق، ومن خلال طريقتها الخاصة، لتكتشف فقط بسرعة أن الأميركيين لم يعودوا يرحبون ببقائنا في العراق».
السفير الأميركي السابق لدى العراق، ريان كروكر (2007 _ 2009)، رأى أنّ أكبر مشكلة واجهت واشنطن تمثلت في فشلها في الحصول على الدعم الحقيقي من جانب العراقيين لمواصلة مشاريعها الكبرى. أما خلفه جيمس جيفري (2010 _ 2012) فقال إنّ جهود إعادة الإعمار قد حققت بعض التقدم بتوفير العمل لعشرات الآلاف من العراقيين وتحسين نظام الرعاية الصحية وتحسين مشاريع إنتاج النفط وتوليد الكهرباء وبناء جيش عراقي جديد، لكنه أكد أنّ «أموالاً كثيرة جداً قد أنفقت والنتائج كانت ضئيلة».
على المقلب العراقي، قال وزير المال رافع العيساوي إنّه «بدلاً من التركيز على عدد صغير من المشاريع التي يحتاج إليها بالفعل الشعب العراقي، بدأت الولايات المتحدة بتنفيذ مشاريع كبيرة مثلت صعوبة في ما بعد على العراقيين لاستكمالها»، منتقداً بشدة سياسات حكومة المالكي. ورأى أنّ الولايات المتحدة فشلت في بناء مشاريع إعادة الإعمار.
بدوره، رأى وزير العدل السابق، حسن الشمري، أنّ الأميركيين بنوا بنيّة طيبة، وموّلوا مشاريع صغيرة قرب قواعدهم العسكرية، ولكن القليل منها كان مكتفياً ذاتياً. وتضمن التقرير تصريحات لرئيس الوزراء نوري المالكي، التي أكد فيها امتنانه لقيام الولايات المتحدة «بضخّ استثمار في العراق»، لكنه رأى أنّه «لو نجحت الجهود الرامية إلى إدارة مليارات الدولارات التي جاءت في شكل مساعدات إلى العراق بشكل جيد، لكانت كافية لتحقيق تغيير حقيقي وجذري في العراق».
مسؤولون أميركيون آخرون رأوا أن القائمين على المشاريع الأميركية فشلوا في استيعاب حقيقة أنّ العراقيين لن يسمحوا ببقاء القوات الأميركية عقب انتهاء موعد رحيلهم.