هو طقس رئاسي فرنسي معتمد منذ أيام نابوليون الثالث، سمّاه الملك وقتها «الأسفار الرئاسية الى المناطق»، والرؤساء الفرنسيون يؤمنون، حتى الآن، بأن لها مفعولاً «عجائبياً» على الناس. ولعلّ أكثر من يحتاج الى «عجيبة» فعلية تنقذ صورته في الوقت الحالي هو الرئيس فرانسوا هولاند. لذا، ها هو يبدأ جولة على مختلف مناطق جمهوريته تحت عنوان الاتصال بالمواطنين الفرنسيين عن قرب.بعد 10 أشهر على انتخابه رئيساً للجمهورية، وتزامناً مع تراجع شعبيته الى أدنى المستويات في شهر آذار الحالي، استنجد هولاند بالجولات المناطقية علّها تعيده والفرنسيين الى أجواء الحملات الانتخابية الحماسية. أولى محطات الرئيس، الاثنين الماضي، منطقة ديجون جنوبي شرقي باريس، واستغرقت يومين وليلة. نام هولاند على سرير الجنرال شارل ديغول في ديجون، وحلم بأن تغصّ الشوارع بالهاتفين له والمرحبين به. فآخر الإحصاءات حول شعبيته سبّبت له أرقاً أكيداً، إذ أشارت الى أن نسبة الآراء الإيجابية تجاهه انخفضت الى 33%.
على أجندة هولاند في محطته الأولى «لقاءات مع عمّال وموظفين وأصحاب مؤسسات وشباب عاطلين من العمل»، إضافة الى «تفقّد سير عمل الآليات التي وضعتها حكومته لمواجهة المشاكل الاقتصادية». لكن اللافت أن الرئيس لم يصطحب معه أياً من وزارئه، ما يظهر الهدف الأساسي من الجولة، وهو حصر الاهتمام كله بشخص الرئيس المنتخب.
البعض أطلق عليها اسم «خدمات ما بعد المبيع»، والبعض الآخر وصفها بـ«المسرحية». أما ناتالي كوسيوسكو موريزيه، النائبة في حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، فوصفت جولات هولاند بـ«البروباغندية». «أهلاً بك في عالم الواقع»، قالت النائبة والوزيرة السابقة في حديث على «راديو مونتي كارلو» أمس.
مهمة هولاند، باعتراف الجميع، ستكون صعبة. فهو سيواجه في محطاته الميدانية أصحاب مؤسسات على شفير الإفلاس، وموظفين استغني عن خدماتهم أخيراً، وشباباً متخرجين وعاطلين من العمل، ومسؤولين في البلديات ممن اقتطعت من ميزانياتهم مبالغ كبيرة في السنوات الأخيرة... المشاكل الاقتصادية هي العنوان الأبرز للشكاوى التي ستنهال على مسامع الرئيس. ذلك الرئيس الاشتراكي الذي حمل «التفاؤل والحلول» في حملاته الانتخابية وبرامجه الإنقاذية. وهنا قال بعض المعلقين الصحافيين إن «العجيبة» التي ينتظرها هولاند من جولاته ولقاءاته تلك من الصعب أو من شبه المستحيل أن تتحقق.
والى الذين لن يلتقيهم هولاند في جولاته، سيخاطبهم الرئيس على شاشات التلفزيون الاسبوع المقبل، في إطلالة إعلامية مكمّلة للنشاط الميداني.
يذكر أن معظم الرؤساء الذين سبقوا هولاند قاموا بتلك الجولات بعد أشهر من انتخابهم. وكان لكل رئيس «أسلوبه» الخاص وبصمته التي تركها في ذاكرة الفرنسيين.
فالجنرال ديغول مثلاً، اشتهر بإلقاء خطاباته أمام المجموعات الطالبية في المناطق وكان يختمها غالباً بإلقاء النشيد الوطني الفرنسي مع الحشود. الرئيس السابق فاليري جيسكار ديستان اعتمد جولات «العشاء عند الفرنسيين»، وكان يحضر الى مائدة العشاء في منزل فرنسي وتنقل منه لقطات على التلفزيون. أما الرئيس فرانسوا ميتران فتسجّل له جولة أولى مكوكية تخللتها 14 محطة خلال 48 ساعة. جاك شيراك أيضاً حدد موعداً شهرياً لجولات على المناطق الفرنسية حيث التقى المزارعين والصناعيين في مختلف أنحاء البلاد. حتى نيكولا ساركوزي جال على سائقي التاكسي مثلاً وتناول الغداء معهم ومع سائقي القطارات والممرضات... وأحصيت لساركوزي 300 زيارة ميدانية خلال عهده.
الأجواء الصحافية التي رافقت انطلاقة «جولات هولاند» لم تكن إيجابية ولم يعوّل أيّ من المعلقين على نتائج سحرية لذلك النشاط. فالكارثة الاقتصادية ــ الاجتماعية «أكبر بكثير من أن تخفف من وطأتها جولات رئاسية في قطار»، كما علّق البعض.
(الأخبار)