الصحراء الغربية | مراوح الهواء الضخمة التي حطّت رحالها في مرفأ العيون البحري في الصحراء الغربية، تثبت أن المملكة المغربية قد حسمت خيارها منذ زمن بأنها لن تتخلى عمّا تسميه «وحدتها الترابية» وبوابتها الجنوبية الى القارة السمراء. من الطاقة البديلة الى تحلية المياه، مروراً بمرافئ الصيد البحري واستخراج الفوسفات وسياحة الرياضات المائية، ورشة حقيقية تشهدها الأقاليم الصحراوية للمغرب. في المقابل يشي الحضور الكثيف للجيش المغربي في هذه المنطقة بأن النزاع المعلّق مع جبهة بوليساريو الانفصالية قابل للانفجار في أي لحظة.
لكل طرف اقتراح خاص بالحل لواحدة من أقدم مشاكل الحرب الباردة، والتي اصطلحت الأمم المتحدة على تسميتها بـ«الحل السياسي للوضع النهائي للصحراء الغربية». في المغرب، يؤكّد الملك محمد السادس استعداد بلاده لمواصلة العمل في إطار اقتراحه للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وفي تندوف، يؤكّد الأمين العام للبوليساريو، محمد عبد العزيز، استعداد الجبهة التي يترأسها «ديموقراطياً» منذ عقود، لتعزيز التزامها على أساس أن يتضمن الحل استفتاءً حقيقياً لتقرير المصير. وفي الجزائر، يؤكّد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أنّ الجزائر ليست، ولن تكون أبداً، طرفاً في الصراع. ومع ذلك، فإنّ الجزائر ترى أنّ أي تسوية لا تتضمن استفتاءً حقيقياً ليست تسوية على الإطلاق.
يتكلم المسؤولون المغاربة، الذين التقتهم «الأخبار» في إطار جولة صحافية نظمتها وزارة الاتصال المغربية، بلغة واحدة عند سؤالهم عن هذه المنطقة. «مشكلتنا مع الجزائر وليست مع جبهة البوليساريو الانفصالية، وحالما يقرر الجزائريون إنهاء هذا الصراع، فسوف ينتهي».
ثمّة حاجة ملحّة إذاً للإجابة عن هذه المشكلة التي هي مصدر كل القلاقل والمشاكل في علاقات الجزائر والمغرب. هل النزاع في الصحراء صراع على الاستقلال بين المغرب وجبهة البوليساريو، أم هو في واقع الأمر نزاع غير مباشر بين الجزائر والمغرب؟
لقد شكّلت قضية الصحراء الغربية في مرحلة الصراع المحتدم بين المعسكرين الشرقي والغربي «مثالاً استثنائياً في الانعتاق والتحرّر من قوى الإمبريالية والاستعمار الجديد». لكن بنادق الصحراويين التي صدأت في صحراء مخيم تندوف واستُؤجرت في الصراعات الأفريقية، وعودة الآلاف ممن نزحوا الى المخيم وانخراطهم في الحياة السياسية المغربية، ومقتل الرئيس الليبي معمر القذافي وانهيار حكمه، وضعت جبهة «البوليساريو» أمام خيار صعب في قبول الحكم الذاتي الموسع، وخصوصاً أن أخبار سحب أو تجميد الاعتراف بـ«الجمهورية الصحراوية» تتوالى فصولاً، وآخرها قرار دول البارباد وسان فانسان وغرينادين تجميد اعترافها بـ«الجمهورية الصحراوية» في منتصف شباط الماضي. ويأخذ هذا القرار بعين الاعتبار الموقف المتخذ من قبل باقي دول منظمة الكاريبي الشرقية، وغالبية الدول الأعضاء في مجموعة الكاريبي «كاريكوم»، والذي يهدف الى التشجيع على إيجاد حل لهذه المشكلة من قبل مجلس الأمن، وتشجيع جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي كريستوف روس من أجل التوصل إلى حل سياسي مقبول من قبل الأطراف. في المقابل، يستخدم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تكتيكاً قديماً شكّل لازمة في السياسة الجزائرية، وهو الالتفاف على المشاكل الداخلية عبر تعمّد إعادة إشعال فتيل الخلافات مع الجار المغربي. وترى المؤسّسة العسكرية الجزائريّة قضية الصحراء الغربية من «الثوابت الوطنية، وتصنّف إدارة هذا الملف ضمن صلاحيات الجيش الوطني الشعبي، التي لا يجوز أن تطالها المساءلة، أو أن تكون عرضة للنقاش أو التشكيك من أحد، تماماً مثل صلاحيّات إدارة، أو بالأحرى تقاسم، الريع النفطي، وصلاحيات «صناعة» رؤساء الدولة حسب الحاجة، وعزلهم عند الحاجة»، وفق ما يؤكد معارضون جزائريون في الخارج.

وعاد كريستوفر روس أمس الى المنطقة، وذلك بعد قيامه بجولة أولى امتدت ما بين يومي 25 تشرين الأول و11 تشرين الثاني، شملت مشاورات في مدريد وباريس.
وطغى جمود كبير على السنوات الخمس الماضية من المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة، وفي الوقت الذي تنامى فيه إحباط الطرفين، فإنّ كلاً منهما يعزي الفشل في إحراز تقدم ليس فقط إلى رفض الطرف الآخر للتفاوض على أساس اقتراحه، ولكن أكثر؛ كل طرف يُرجع استمرار الوضع على ما هو عليه إلى عدم وجود إجراءات حاسمة من قبل المجتمع الدولي ومجلس الأمن، والأمين العام، ومبعوثه الشخصي. وبالنظر إلى تعاطي الأمم المتحدة مع هذا الصراع بموجب الفصل السادس من الميثاق، وفي غياب توافق وإجماع دوليين، لا أحد يمكنه أن يفرض أي شيء على الطرفين.
ويقول روس في تقريره الأخير الى مجلس الأمن أواخر العام الماضي: «بعد أربع جولات من المفاوضات الرسمية وتسع جولات من المحادثات غير الرسمية، فإنّ عقد اجتماع آخر سيزيد فقط من تسليط الضوء على الجمود، وبالتالي إضعاف المصداقية العملية. ولهذا، وفي إطار الإعداد لعقد جلسات أخرى، رسمية أو غير رسمية، اقترحت على الأطراف أن أقوم بالمزيد من المشاورات مع القوى الدولية الرئيسية تليها فترة من الدبلوماسية المكوكية الهادئة مع الطرفين والدول المجاورة».
وحرص المغرب خلال الزيارة الصحافية الى الصحراء على تنظيم عدّة لقاءات مع المجالس المنتخبة في مدينتي العيون والداخلة، إضافة الى أعضاء في مجلسي النواب والمستشارين. ويتوزع هؤلاء على عدد من أحزاب الأغلبية والمعارضة، وجميعهم من المؤيدين للحكم الذاتي. ومنذ سنة 1977، شارك سكان مقاطعات الصحراء الغربية: العيون، السمارة، آوسرد، وبوجدور، ومنذ 1983وادي الذهب، في الانتخابات المغربية الوطنية والمحلية.
الشخصية الأكثر قدرة على التعبير عن رأي الصحراويين المؤيدين للحكم الذاتي هو والي جهة وادي الذهب الكويرة، حميد شبار، الذي كان سفيراً للمغرب في الأمم المتحدة، وهو واحد من الذين أشرفوا على إعداد اقتراح الحكم الذاتي الموسع، الذي قدّمه الملك المغربي الى الأمم المتحدة.
يدافع شبار عن مبادرة الحكم الذاتي من منطلق الواقع الحالي لأقاليم الصحراء، وتحديداً مدينة العيون حيث مقر عمله. يقرّ بأنّ الإقليم بحاجة إلى المزيد من الجهود، لكنّه يحلم بتحويل منطقته الى قبلة للسياح، وتحديداً للرياضات البحرية، وهي التي تقع على مرمى حجر من جزر الكناري. ويرفض الاتهامات الموجهة الى المملكة حول وجود أي توتر بين الصحراويين، رغم اعترافه بوجود العديد ممن يؤيدون الانفصال.
المشترك في كلام الصحراويين المؤيدين للحكم الذاتي استخدامهم لمصطلح «أولاد العم»، في الحديث عن الانفصاليين في تندوف. ويسأل هؤلاء عن السبب الذي يدفع بالمخابرات الجزائرية للسماح لنصف عائلة في تندوف بزيارة الصحراء في إطار ما يعرف بـ«الزيارات العائلية» وبقاء نصفها الثاني هناك، ويؤكدون أنه لو سُمح لعائلات بأكملها بزيارة الصحراء، فمن المؤكّد أنّها ستفضّل البقاء على العودة للمخيم.
في المقابل، تزخر التقارير الإعلامية للانفصاليين بأخبار انتهاكات حقوق الإنسان، من قمع الشرطة وظروف الاعتقال الى الاحتجاز والمحاكمة والسجن، وعدم وجود فرص عمل. وتجاهر منظمات النساء التابعة للبوليساريو، والطلبة، ومنظمات شبابية، بدعوتها الى ضرورة العودة إلى الكفاح المسلح، بعد 25 عاماً من الجهود غير الناجحة للأمم المتحدة، ويقترحون انسحابها، في حين فرّ الى نواكشوط عدد من المنشقين عن جبهة «البوليساريو». ويتحدث هؤلاء عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في مخميات تندوف، ويصفون من بقي هناك بأنهم «رهائن».
ويعمل فريق بعثة «المينورسو» التابع للأمم المتحدة على الجانبين الشرقي والغربي من الجدار الرملي، الذي بنته المغرب على حدودها مع الجزائر. وتجري دوريات البعثة للإشراف على وقف إطلاق النار، على مساحة أكبر من المملكة المتحدة البريطانية، في حين تعمل دائرة الأعمال المتعلقة بالألغام في منطقة تم وصفها أخيراً بأنها واحدة من المناطق الأكثر تعرضاً لانتشار الألغام في العالم.
ويشرف فايسبرود ويبر على البعثة، وهو في الوقت نفسه الممثل الخاص للأمين العام في الصحراء الغربية. ولعل النقطة الأكثر حساسية التي تثيرها المغرب بشكل دائم، هي رفض «البوليساريو» قيام المفوضية السامية للاجئين بتسجيل اللاجئين بشكل فردي. وتعتبر «البوليساريو» والجزائر أن المفوضية السامية للاجئين راضية عن تقديرات اللاجئين التي أمدّوها بها، وأنّ مطالبة المغرب بضرورة التسجيل الفردي للاجئين تنطلق من دوافع سياسية، علماً بأنّ مجلس الأمن جدّد في قراره الذي صدر نيسان العام الماضي دعوته للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى العمل على إحصاء سكان مخيمات تندوف، وذلك بالتشاور مع الجزائر، البلد المضيف. وتعتبر مسألة تحديد هوية السكان الصحراويين من القضايا الحساسة لكلا الطرفين، وسجّلت الأمم المتحدة ما يزيد على ١١٠ آلاف طعن من قبل المغرب والبوليساريو. وتتهم المغرب جبهة «البوليساريو» بأنها تتعمّد إقصاء مكوّنات مهمة من القبائل الصحراوية، لكي تضمن أن يكون أي استفتاء حول تقرير المصير لصالحها. وتشير الى أنها حققت إنجازاً في الأمم المتحدة باستبعاد قابلية تطبيق مخطط الاستفتاء المقترح، نظراً إلى عدم وجود إحصاء نهائي للسكان الصحراويين مقبول من جميع الأطراف. ووسط جمود المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، يبدو أن المغرب قد حسم خياره بعدم التخلي عن الصحراء بشكل قاطع. وفي حين يحاذر المسؤولون المغربيون في الحديث عن أعمال التنقيب عن النفط والغاز في الصحراء، يبدو أن هذه المنطقة الواعدة بطاقتها الهوائية والشمسية ستشكل في المستقبل القريب خزان الطاقة للجوار الأوروبي.



بين الحكم الذاتي وحق تقرير المصير

بناءً على دعوات مجلس الأمن الدولي من أجل إيجاد حل سياسي للنزاع حول الصحراء الغربية، قدمت المملكة المغربية بتاريخ 11 نيسان 2007 للأمين العام للأمم المتحدة المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظـام للحكم الذاتي لمنطقة الصحراء الغربية. وتنص المبادرة على «ضمان المملكة المغربية لكافة الصحراويين دورهم الكامل في مختلف هيئات المنطقة ومؤسساتها، على أن يتولى سكان الصحراء تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. كذلك ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية المنطقة». ترى المغرب أن هذه المبادرة «تشكل حلاً وسطاً، وتنسجم مع قرارات مجلس الأمن ومبدأ حق تقرير المصير. ويخضع نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء المنبثق عن المفاوضات لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، في مقابل عدم إمكانية القيام باستفتاء على أساس خيارات غير قابلة للتطبيق». في المقابل، قدّمت جبهة البوليساريو اقتراحاً يقضي بضمان حق تقرير المصير في أي استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة. رفضت المغرب اقتراح جبهة «البوليساريو»، واعتبرته مبنياً على أطروحات متجاوزة ولا يتضمن أي جديد من شأنه الإسهام في حل النزاع حول الصحراء. وتبنّى مجلس الأمن بالإجماع، في 24 نيسان 2012 ، القرار رقم 2044 (2012)، الذي جدّد فيه تأييده للمعايير التي حدّدها المجلس من أجل التوصل إلى حل سياسي ونهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء. وبعد عقد تسع جولات من المفاوضات غير الرسمية، لا يزال الجمود سمة بارزة من الطرفين في غياب أي أمل بالتقدّم.