هذه المرّة اقتُرح فاعل «إرهابي» آخر غير الإسلاميين في حدث تفجير على الأراضي الاميركية. السيناريوهات المبكرة لتفجيرات بوسطن رجّحت ضلوع «أفراد أميركيين من اليمين المتطرف»، اضافة الى «الإسلاميين». هذه المرة نشرت صورة تيموتي ماك فاي (منفذ تفجيرات أوكلاهوما سيتي عام 1995) الى جانب صورة أسامة بن لادن في بعض الصحف الأميركية. اليمين الأبيض الأميركي أو «الإرهاب الداخلي» بات ينافس «القاعدة».
وبغضّ النظر عن نتيجة التحقيقات، فإن ترجيح طرف داخلي أميركي متورط في عمل إرهابي يشير الى صعود دوره من جديد، وازدياد قدراته الميدانية وخطورته. الأمر الذي سيفتح نقاشاً واسعاً في الداخل الاميركي، والذي قد يفتح صفحة جديدة في السياسة الداخلية إذا ثبتت تلك الترجيحات. علام اعتمدت اذاً ترجيحات تورّط اليمين المتطرّف في تفجيرات بوسطن؟
مطلقو فرضية «الإرهاب الداخلي» من الأميركيين ركّزوا على بعض «المؤشرات» التي دعمت ترجيحهم. وهي أولاً حجم التفجير الصغير نسبياً، الذي «لا يشبه عمليات القاعدة المعتادة الضخمة». والمؤشر الثاني كان أن أحداث بوسطن وقعت في الاثنين الثالث من شهر نيسان، وهو يوم تاريخي في الولايات المتحدة يسمّى «باتريوتس داي» Patriots Day ويخلّد ذكرى أول معركتين في حرب الاستقلال الاميركية (عام 1775). وقد غدا «ماراثون بوسطن» محطة ثابتة يحيي فيها سكان المدينة تلك الذكرى، ويعدّ يوم عطلة رسمية في ولاية ماساتشوستس.
«باتريوتس داي» كان محطة دموية أيضاً قبل 17 عاماً. ففي اليوم الوطني، نفّذ الشاب الاميركي المتطرف تيموتي ماك فاي تفجيرات أوكلاهوما سيتي، التي أودت بحياة 168 شخصاً. ونقل عن ماك فاي أن أحد أسباب اختياره توقيت التفجير هو لرمزية «باتريوتس داي» ولـ «الثأر لحصار واكو»، وهو حدث مرتبط باليمينيين المتطرفين أيضاً. وقد تبيّن لاحقاً ان ماكفاي وشريكه في التفجير تيري نيكولز ينتميان الى حركة يمينية متطرفة ومسلحة تدعى «حركة الوطنيين»، وهي لا تعترف بالحكومة الفدرالية ولا بقوانينها.
15 نيسان هو أيضاً «يوم الضريبة» لعام 2013، وهو اليوم الذي تصبّ فيه عائدات ضريبة الدخل الفردية في صناديق الحكومة الفدرالية. وهي الإشارة الثانية التي اعتمد عليها أصحاب الفرضية، الذين ذكّروا بأن «حزب الشاي» اليميني المحافظ كان ينظم تظاهرات شعبية ضد الحكومة وسياساتها المالية في هذا اليوم خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ويعترض الجناح اليميني المتطرف على مجمل سياسات إدارة باراك أوباما المالية منذ بدء الأزمة. ويرى البعض أن تزامن جريمة بوسطن مع «يوم الضريبة» يمكن أن يكون نتيجة لتراكمات احتجاجية ضد الاجراءات الضريبية القاسية التي تطبق بحق المواطنين.
ولعلّ المصادفة الإعلامية الأبرز، كانت نشر محطة «سي إن إن» تحليلاً أمنياً على موقعها الالكتروني في 5 نيسان الجاري، أي قبل عشرة أيام على وقوع أحداث بوسطن، يتناول ظاهرة تصاعد العنف لدى اليمينيين المتطرفين في الولايات المتحدة. «بينما يصبّ السياسيون الاميركيون والمواطنون تركيزهم على مواجهة تهديد الجهاديين المتطرفين من الخارج، يولي البعض القليل من الاهتمام للعنف السياسي الداخلي الذي بات مشكلة خطيرة بحدّ ذاتها». تحليل بيتر بيرغن في «سي إن إن» يعدد بعض الجرائم الأخيرة التي ارتكبها يمينيون متطرفون، وكان آخرها قتل مدير سجن كولورادو أمام باب منزله. وقد تبيّن أن مرتكب الجريمة ينتمي الى عصابة يمينية تعتنق مبادئ تفوّق العرق الأبيض وازدراء الأعراق الاخرى. بيرغن استند في تحذيره من «مخاطر العنف الداخلي المتطرف» الى نتائج بحث نشرته «نيو أميركان فاونديشن» أخيراً. بيانات الدراسة تشير الى أنه في عام 2012 بلغ عدد الموقوفين، الذين يعتنقون أفكار «القاعدة» بتهمة ارتكاب أعمال إرهابية، ستّة أشخاص، بينما بلغ عدد اليمينيين المتطرفين ممن ارتكبوا أعمالاً إرهابية في نفس العام خمسة عشر شخصاً. جرائم هؤلاء الأميركيين المتطرفين، أفراداً وميليشيات، راوحت بين التخطيط لهجوم إرهابي ضد الحكومة الاميركية، وقتل شرطيين في لويزيانا وقتل جندي وصديقته وقتل أربعة مدنيين في كاليفورنيا... وكلها تحت شعارات دينية وعرقية تنبذ الأعراق الاخرى. «حان الوقت لأن يلتفت السياسيون الى التهديد الداخلي المتصاعد، بدلاً من أن يسارعوا الى التهويل فقط من خطر القاعدة»، يخلص بيرغن.