مفجّرا بوسطن مسلمان مهاجران من القوقاز، أحدهما خضع لتحقيق من قبل عناصر «مكتب التحقيقات الفدرالية». تلك المعطيات حول المشتبه فيهما الأساسيين في تفجير ماراثون بوسطن، تاميرلان وجوهر تسارناييف، كانت كافية لتفتح أبواباً عديدة للنقاش في الداخل الأميركي. «الإسلام الإرهابي»، المهاجرون، العلاقة مع روسيا والشيشان وفشل الـ«إف بي آي»، تلك كانت العناوين العريضة التي طبعت النقاشات الإعلامية والسياسية بعد الكشف عن هوية المشتبه فيهما.
صدمة الأميركيين الثانية بعد التفجير جاءت عند اعتراف «مكتب التحقيقات الفدرالية» بأنه حقق مع تاميرلان، الأخ الأكبر، عام 2011، ثم أفرج عنه «لعدم ارتباطه بأي نشاط إرهابي» كما جاء في خلاصة تقريره. «إف بي آي» أفاد أيضاً بأن «دولة أجنبية» ـــ يرجَّح أن تكون روسيا ـــ هي التي طلبت التحقيق مع تاميرلان «لاتباعه الإسلام المتطرف ونيّته السفر الى بلده الأم للالتحاق ببعض المجموعات المتطرفة السرية». لكن المكتب الفدرالي «خذل الأميركيين مجدداً، في حين كان بإمكانه أن يتفادى وقوع الحادثة»، كتب البعض أمس. وتفادياً لأي خطأ ثانٍ، سارع أبرز ضبّاط التحقيق الى المستشفى، حيث يعالج جوهر، وتحلّقوا حول سريره بانتظار أن ينطق بأول كلمة ليبدأوا باستجوابه. لكن مصادر طبية في المستشفى أفادت بأن جوهر «غير قادر على التخاطب مع أحد بعد».
رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس النواب الأميركي، مايكل ماكول قال «إنه لأمر مقلق أن يكون أحد المشتبه فيهما موجود على رادار مراقبة إف بي آي». قناة «روسيا اليوم» نقلت عن والدة الشقيقين، زبيدة تسارناييفا، قولها إن «العائلة كانت تخضع لمراقبة متواصلة على مدى سنوات». «عناصر الاستخبارات كانوا يتحدثون إليّ ويقولون إن تاميرلان هو قائد متطرف وإنهم يخشونه»، تضيف الوالدة من داغستان. لكن سلطات الأمن القومي الأميركية نفت أن تكون قد وجدت أي دليل على ارتباط الشقيقين تسارناييف بتنظيم «القاعدة» أو بأي مجموعات متطرفة أخرى في الخارج حتى الساعة.

«مكتب التحقيقات يجب أن يوضح للشعب الأميركي أسباب خطئه ويحاسب المسؤولين عن هذا التقصير الفادح» أجمع معظم المعلقين. السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، شرح من جهته أن الـ«إف بي آي قد يكون أسقط تاميرلان من راداره لسببين: إما لأن المكتب فاته أموراً كثيرة خلال عمله الاستقصائي، أو لأن قوانيننا لا تسمح بتعقّب الأشخاص بطريقة مشددة». وهنا يكون غراهام قد أعاد فتح باب النقاش حول تعزيز وسائل الرقابة على الأشخاص والسماح بالتجسس عليهم بشكل أوسع. «نحن في حالة حرب مع الإسلام المتطرف، لذا نحن بحاجة لرفع مستوى اللعبة من جانبنا» أضاف غراهام.
الملف الثاني الذي تأثر مباشرة بالكشف عن هوية الشقيقين تسارناييف، هو ملف المهاجرين. موضوع الهجرة والنقاش حول تشديد الخناق على المهاجرين الى الولايات المتحدة وتضييق مروحة الوافدين إليها، هو مطروح أصلاً في الكونغرس الأميركي. وقد يستغل الجمهوريون حادثة بوسطن، لتدعيم وجهة نظرهم الداعية الى ضرورة الحدّ من نسبة المهاجرين. «لكن كيف لنا أن نعرف الى ماذا سيتحول المهاجرون الذين يأتون الى الولايات المتحدة في عمر المراهقة أو الطفولة؟ كيف نفلتر مشاريع الإرهابيين؟ هذا أمر مستحيل»، علّق البعض الآخر.
روسيا حضرت أيضاً في النقاشات المطروحة. والتحليلات ذهبت الى حدّ التكهن بأن تؤثر نتائج تحقيقات بوسطن على المساعي الدبلوماسية الأميركية ـــ الروسية حول سوريا. وبما أن المشتبه فيهما إسلاميان متطرفان سيرجّح ذلك الكفّة لصالح الطرف الروسي الذي طالما حذّر من دعم المجموعات المتطرفة في سوريا، شرح البعض. فالنظام الروسي يدعم نظام بشار الأسد ويعارض أي تسليح للمعارضة السورية، تحت عنوان أن «السلاح يذهب الى أيدي المتطرفين الإرهابيين». وهنا، سيكسب الرئيس فلاديمير بوتين نقاطاً إضافية تدعم وجهة نظره تلك، وخصوصاً أن حكومته كانت قد حذّرت سابقاً من أحد المتورطين في التفجير. ماذا سيكون موقف الرئيس باراك أوباما الآن بعد أحداث بوسطن في ما يتعلق بتسليح المعارضة السورية التي تضمّ في صفوفها عناصر مرتبطين بـ«القاعدة» وآخرين من الشيشان؟ سأل بعض المحللين. «كما في الشيشان كذلك في سوريا، هكذا ستتحدث روسيا عن محاربتها للمجموعات الإرهابية المتطرفة»، أردف آخرون.
ويبقى اللافت في تغطية الإعلام الأميركي لتطورات أحداث بوسطن في الأيام الأخيرة، حالة الإنكار التي عاشها معظم الصحافيين حول الدور الأميركي في الشيشان ودعم واشنطن المجموعات الإسلامية المتطرفة ضد النظام الروسي منذ منتضف التسعينيات. تيّار كبير في الخارجية الأميركية وفي البنتاغون كان يعارض بشدة، ولا يزال، المحاولات الروسية للقضاء على الحركات المتمردة المتطرفة في الإقليم. وللرؤساء الأميركيين المتعاقبين ومسؤولي إداراتهم تصريحات علنية منذ عام 1994 تركّز على «استنكار الأفعال الروسية في الشيشان وانتهاكها لحقوق الإنسان هناك ودعوتها للتفاوض مع المتمردين». في عام 1999 نشرت صحيفة «ذي نيويورك تايمز» مقال رأي كتبه كبير المحللين السياسيين في السفارة الأميركية في موسكو (1994 ــ 1997)، يفنّد الطرق التي يجب أن تعتمدها إدارة بيل كلينتون للضغط على النظام الروسي بغية وقف حربه على المتمردين الشيشانيين. ومن بينها يذكر المقال، «فرض حصار مالي على روسيا وزيادة دعمنا لجورجيا التي تواجه ضغوطاً من موسكو بسبب مساعدتها المزعومة للمتمردين الشيشانيين». «ذي نيويورك تايمز» سمّت حينها المقاتلين الشيشانيين بـ«المتمردين» وليس «الإرهابيين». لكن الصحيفة ذاتها، كتبت أمس عن «الدعم الاستخباري الذي قدمته واشنطن لموسكو في السنوات الماضية حول الشيشان» وعن «نأي القادة الأميركيين بأنفسهم عن السياسات الروسية التي دمّرت غروزني وتسببت بمقتل عشرات الآلاف من المواطنين».
«ذي لوس أنجلس تايمز»، سردت بدورها، وعلى طريقتها تاريخ الأزمة الشيشانية، محمّلة روسيا مسؤولية التطرف في الإقليم وبطريقة غير مباشرة مسؤولية انتقال الصراع الى خارج حدود الشيشان، مروراً بباكستان وأفغانستان والعراق لتطال أخيراً الولايات المتحدة.
«العنصر الأهمّ في الإرث الشيشاني للشقيقين تسارناييف هو ديانتهما وليس مكان ولادتهما. ومن المتوقع أن ينتشر الآن شعور بالغضب في الولايات المتحدة سيترجم قولاً وأفعالاً ضد الإسلام بشكل عام»، خلص بعض المحللين. ـ