قال أستاذ القانون إن ضربات «الطائرات من دون طيار» هي «خرق للمادة الخامسة من الدستور» التي «تمنع الحكومة الاميركية من حرمان أي شخص من حياته أو حريته أو ممتلكاته». ردّت الباحثة الاستراتيجية «إن كل إنسان تستهدفه الولايات المتحدة بالقصف أو القتل أو السجن يكون يستحق ذلك فعلاً». الجنرال السابق في الجيش جزم بالقول «ما دامت الولايات المتحدة في حالة حرب ضد الإرهابيين، فمن المبرر قتلهم». وأضاف رفيقه في السلاح «لكن يجب أن يضمن قانون ما حماية المدنيين في المناطق المستهدفة بالهجمات». ثم في الفقرة الأخيرة من الجلسة، وقف الناشط اليمني بين العسكر والحقوقيين ليروي عن أهل قريته الصغيرة الذين يروّعهم ذلك الوحش الخفيّ المتنقل في السماء، وليخبر الحاضرين عن الأطفال والنساء الذين قتلتهم الصواريخ الاميركية فذابت أجسادهم مع جيف المواشي ودفنت بقاياهم في قبور واحدة. تلك كانت أجواء جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة العدل في مجلس الشيوخ الأميركي أول من أمس، حول «التأثيرات الدستورية في اعتماد القتل المتعمّد» من قبل الحكومة الاميركية.
وجهات النظر التي طرحت أثناء الجلسة الأولى من نوعها، مختلفة لكن ليست متباعدة في الجوهر، إذ أجمع كلّ المتحدّثين الأميركيين على أحقّية أن تستخدم الولايات المتحدة الوسيلة التي تريد كي تتخلص من أعدائها. ماذا عن سقوط مدنيين أبرياء ــ غير المدرجين على اللوائح الإرهابية الاميركية ــ والذين يسقطون في تلك الهجمات؟ هم بنظرهم «خسائر جانبية» في المعارك، ولا يحميها أي قانون حربي أو دولي، لكن يجب أن تُبذل جهود قانونية للتخفيف منها. وحده فارع المسلمي، الآتي من قرية وصاب في اليمن، أضاف بعض «الإنسانية» الى الموضوع المطروح. ورغم شهادته الواقعية، لم يغيّر في الآراء، بل أثار عواطف الصحافيين في اليوم التالي فقط.
شهادة الناشط اليمني «المعجب بالولايات المتحدة والممتنّ لها» جاءت في نهاية الجلسة، بعدما تحدّث كل من الجنرال المتقاعد جايمس كارترايت والكولونيل مارتا ماك سالي وأستاذ القانون أيليا سومين والباحثة القانونية روزا بروكس والباحث برنار شوارتز من مؤسسة «نيو أميركان فاوندايشن».
«اسمي فارع المسلمي، وأنا من وصاب، قرية جبلية نائية في اليمن. منذ ستة أيام تمّ استهداف قريتي بطائرة أميركية بدون طيار في هجوم أحدث هلعاً في أوساط مزارعي المنطقة الفقراء»، هكذا استهلّ المسلمي شهادته أمام اللجنة والحضور منذ أيام. الناشط اليمني روى كيف ذهب الى الولايات المتحدة قبل سنوات في منحة، وكيف أعجب بالنموذج الاميركي واكتسب أصدقاء أميركيين كثراً. المسلمي أضاف أنه عاد الى بلاده «لينشر صورة جميلة وحسنة عن الولايات المتحدة» التي أحبّها. وهكذا فعل، الى أن بدأت حرب الطائرات من دون طيّار على اليمن. «لم أتخيل أبداً أن تقوم اليد التي حولت حياتي من البؤس الى الأمل بضرب قريتي بواسطة طائرة بدون طيار»، قال الشاب اليمني. المسلمي روى تجاربه الميدانية في بعض القرى اليمنية التي زارها. «تلك الأم في جعار التي لم تتعرف إلى جثة ابنها البريء ذي الثمانية عشر ربيعاً إلا من خلال فيديو في هاتف رجل غريب. أو ذلك الأب في شقرة الذي كان يحتضن طفليه البالغين من العمر أربعة وستة أعوام وهما يموتان بين ذراعيه. وزعيم تلك القبيلة الذي كان حاضراً في قرية المعجلة في أبين حيث قتلت الصواريخ الاميركية أكثر من 40 مدنياً، بينهم أربع نساء حوامل. الجثث كانت قد أهلكت إلى درجة استحال معها التمييز بين جثث الأطفال والنساء ومواشيهم. بعض أولئك الناس الأبرياء دفنوا في القبور نفسها مع المواشي».
المسلمي أراد من شهادته أن ينبّه الأميركيين أيضاً إلى أن ما يفعلونه يخلّف أحقاداً لدى الشعوب المستهدفة. فـ«الغارات الجوية هي وجه أميركا بالنسبة إلى الكثير من اليمنيين، وما عجز المسلحون المتطرفون عن تحقيقه في الماضي، قامت به غارة واحدة بطائرة بدون طيار»، شرح المسلمي. وأردف «هناك غضب كبير تجاه الولايات المتحدة في وصاب». الناشط، الذي طالب الحكومة الاميركية بتعويضات لأهالي الضحايا، ختم بالقول «عندما عشت بنفسي تجربة الهجوم الجوي انقسم تفكيري بين هذه البلاد العظيمة التي أحببتها وبين الطائرة التي تحوم فوق رأسي، والتي لا تستطيع التمييز بيني وبين أحد مسلحي القاعدة». «أؤمن بالولايات المتحدة كما أعتقد أن المواطنين الأميركيين إذا علموا بحجم الألم والمعاناة الذي تحدثه الغارات ومدى تعطيلها لجهود كسب القلوب والعقول في اليمن فهم سيرفضون برنامج القتل المستهدف المدمّر»، خلص المسلمي.
إحدى وجهات النظر العسكرية في الموضوع شرحها الجنرال كارترايت الذي توجه في شهادته الى الإدارة الاميركية ووزارة الدفاع بمطالب تركّز على ضرورة الكشف عن سجلّ عمليات الطائرات من دون طيّار، والتصريح علناً عن برامج حماية المدنيين وعن مدى تأثير الهجمات عليهم. كذلك طالب الجنرال المتقاعد الحكومة الاميركية بنشر التحقيقات التي تجري بعد عمليات القتل المتعمّد. كارترايت أشار الى وجوب إدراج بنود حماية المدنيين في العمليات الواسعة التي تشرف عليها وزارة الدفاع، ولكن أيضاً تلك التي تنفذها «وكالة الاستخبارات المركزية».
أما الكولونيل ماك سالي فبررت قانونية الهجمات بالطائرات من دون طيّار بأنها «تقع ضمن قانون السماح باستخدام القوة الذي يطبّق منذ عام ٢٠٠١» تحت راية «محاربة الارهاب». ومن هنا ترى ماك سالي أن كل استخدام للقوة في إطار محاربة الارهاب هو «مشروع». رغم ذلك، تعترف الكولونيل بأن «كون الهجمات شرعية لا يجعل منها الاستراتيجية الفضلى للحفاظ على أمننا القومي».




4700 قتيل؟

تقول الحكومة الاميركية إنه لا يمكن أن نحصل على العدد الدقيق للضحايا المدنيين الذين سقطوا في هجمات «الطائرات من دون طيّار»، لأن ذلك يعدّ «سرّاً قومياً». لكن السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، كشف في شباط الماضي أن عدد القتلى وصل الى 4700 شخص. «قد يصاب مدنيون في بعض الاحيان، أكره ذلك، لكننا في حالة حرب، وقد قتلنا قادة بارزين من القاعدة»، أردف السيناتور. لا أرقام رسمية بعد عن الضحايا المدنيين، والهجمات بالطائرات من دون طيّار استهدفت باكستان وأفغانستان منذ عام 2004، وفي عام 2010 بلغت 117 ضربة في باكستان وحدها. وفي السنوات الأخيرة تكثّفت تلك الهجمات على اليمن وبلغت 42 في عام 2012. وكان الرئيس باراك أوباما وعد بـ«مزيد من الشفافية» حول تلك الهجمات، لكن لا شيء تغيّر حتى الآن، والنقاش لا يزال مفتوحاً بين السياسيين والعسكريين. بعض النوّاب يطالبون «وكالة الاستخبارات المركزية» بنشر تحقيقاتها حول كل عملية تنفذها بطائرات من دون طيّار وبكشف البيانات المتعلقة بالضحايا المدنيين. لكن «سي آي إي» لم تتجاوب مع أي مطلب من هذا النوع حتى الآن. «برنامج الطائرات من دون طيّار هو بحدّ ذاته سرّ قومي بالنسبة إلى سي آي إي» يقول بعض المتابعين، «لذا لن نعرف عنه الكثير في الوقت الحالي».