إسطنبول | في مؤتمره الصحافي الذي دعي إليه نحو 100 من الإعلاميين الأتراك والأجانب، أعلن زعيم حزب العمال الكردستاني بالوكالة، مراد كارايلان، مشروع الحزب للمصالحة مع الدولة التركية. وقال إن مسلحي الحزب داخل تركيا، وعددهم نحو 2000 مقاتل، سينسحبون من هناك اعتباراً من 8 أيار/ مايو المقبل. وناشد حكومة رجب طيّب أردوغان تحمل مسؤولياتها في موضوع المعالجة السياسية للمشكلة الكردية. وهدد كارايلان بنسف العملية السلمية إذا تعرّض مسلحي الحزب إلى أي مضايقات أو هجمات من قبل الأمن والجيش التركي خلال عملية الانسحاب، المتوقع لها أن تستمر حوالى شهرين. ورأى كارايلان أن إخلاء سبيل جميع عناصر الحزب الكردستاني، وفي مقدمتهم زعيم الحزب عبدالله أوجلان، وبالتالي الاعتراف بالهوية الكردية دستورياً، شرطان أساسيان لإكمال مسيرة السلام بين الأكراد وتركيا.
ونقلت مصادر كردية عن قيادات الكردستاني أن الحزب، بالاتفاق مع السلطات التركية، قد قام بتشكيل لجان خاصة لتطبيق اتفاق الانسحاب مع الحكومة التركية، بعدما أمرت الحكومة الجيش والأمن بعدم التصدي لأي مسلح من عناصر الكردستاني ووقف جميع العمليات العسكرية من قبل الجيش جنوب شرق البلاد وعلى طول الحدود مع العراق، حيث سينسحب مسلحو الكردستاني إلى داخل الشمال العراقي.
وتحدثت المعلومات الصحافية عن أعداد كبيرة من الشباب الأكراد الذين يتوجهون إلى شمال العراق للانضمام إلى مخيمات الكردستاني في جبال قنديل ليتم تدريبهم وإعدادهم للمرحلة القادمة، أي الانخراط في العمل السياسي داخل تركيا بعد التعديلات الدستورية والقانونية التي ستقرها الحكومة، وتتيح الفرصة للحزب الكردستاني للعمل السياسي الحر.
وكانت كل هذه التطورات كافية لتسخين الشارع السياسي والإعلامي والشعبي داخل تركيا، حيث تعرضت الحكومة لانتقادات عنيفة من قبل أحزاب المعارضة، وخصوصاً حزب الحركة القومية، الذي اتهم قادته أردوغان والحكومة بالخيانة الوطنية والتآمر مع واشنطن ضد وحدة الأمة والدولة التركية والقضاء على النظام العلماني فيها، وإقامة دولة إسلامية في إطار ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى رسم خارطة جديدة للمنطقة.
وقال هؤلاء إن حزب العمال الكردستاني يسعى للحصول على حكم ذاتي جنوب شرق البلاد، على أن يكون ذلك الخطوة الأولى على طريق الفدرالية الشبيهة بالفدرالية في شمال العراق، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن أكراد سوريا لا ولن يعودوا إلى وضعهم السابق، أياً كانت نتيجة التطورات هناك. فإذا سقط النظام فالحكومة الجديدة ستقبل بالنظام الفدرالي الذي ستفرضه عليها واشنطن كما جرى في العراق، وهو ما يفسر انتخاب الكردي غسان هيتو رئيساً للحكومة السورية المؤقتة ومن قبله عبد الباسط سيدا رئيساً للمجلس الوطني السوري المعارض. أما إذا بقي النظام فسيضطر إلى المساومة مع الأكراد الذين سيطالبون بالحكم الذاتي، على الرغم من أن المنطقة الكردية في شمال شرق سوريا ليست بالكامل كردية، حيث لا يزيد عدد الأكراد في المنطقة على 40%، خلافاً للأكراد في شمال العراق، الذين يشكلون نحو 95% من السكان، والباقي من التركمان والعرب. أما في جنوب شرق تركيا، فالحال لا تختلف عن سوريا، فالأكراد أيضاً نحو 60%، وهي النسبة القريبة من نسبة الأكراد في كردستان إيران.
وتدفع كل هذه الحسابات العواصم المعنية بالملف الكردي إلى الحديث عن سيناريو سبق أن طرحه أوجلان قبل سنوات، وقبل أن تختطفه الاستخبارات الأميركية من العاصمة الكينية نيروبي وتسلمه إلى أنقرة 14 شباط/ فبراير 1998. وتحدث آنذاك عن الكونفدرالية الديموقراطية بين الفدراليات الكردية الأربع في تركيا وإيران وسوريا والعراق، باعتبار أن الدولة الكردية المستقلة بعيدة المنال لأسباب عديدة، على حدّ قوله آنذاك. ودفع ذلك حزب العمال الكردستاني إلى العمل بين أكراد سوريا وإيران، حيث أصبح باجاك ذراع حزب الكردستاني التركي داخل إيران، فيما تحول الاتحاد الديموقراطي الكردستاني السوري إلى قوة كردية فعالة داخل كردستان سوريا التي سيدخل مقاتلون من الكردستاني التركي إليها بعد انسحابهم من تركيا استعداداً للمرحلة التالية هناك، وبالتالي في إيران حيث يتوقع الكثيرون لإيران أن تشهد أحداث مثيرة خلال انتخابات الرئاسة في حزيران/ يونيو المقبل.
وجاءت مباركة البيت الأبيض رسمياً ومباشرة، ومعه الاتحاد الأوروبي، للمصالحة التركية مع حزب العمال الكردستاني لتثبت الدعم الأميركي والأوروبي للمسار التركي والإقليمي الجديد، وتدفع العديد من المحللين إلى الحديث عن ذكريات سايكس بيكو، حيث يبدو واضحاً أن الغرب يسعى لرسم خارطة المنطقة من جديد بعد تصفية الحسابات في سوريا، وربما استعداداً للذكرى المئوية لاتفاقية سيفر (آب 1920)، التي كانت تتحدث عن دولة كردية وأخرى أرمنية جنوب وشمال شرق تركيا، وما يجاورها من المناطق في سوريا والعراق، وكانتا جزءاً من الأراضي العثمانية. ورفض أتاتورك هذه الاتفاقية الموقعة بين الدول الغربية. وكان لافتاً أنه لم يبق من الأرمن أحد في شمال شرق تركيا آنذاك، بعدما تم تهجيرهم وقتل الكثير منهم عام 1915 على أيدي السلطات العثمانية والقبائل الكردية المتحالفة معها. وبقي الأكراد بمفردهم في تلك المناطق التي أصبحت في ما بعد جزءاً من الجمهورية التركية التي أسّسها مصطفى كمال أتاتورك عام 1923. أتاتورك تحول الآن إلى شخص غير مرغوب فيه بالنسبة إلى الإسلامي رجب طيب أردوغان والكردي عبدالله أوجلان الذي تحدث في خطابه الأخير لمناسبة عيد النوروز الشهر الماضي عن الإخاء التركي_الكردي الإسلامي.