لا تخلو الانتخابات التشريعية الماليزية من حدة التنافس بين الأحزاب الحاكمة والتحالف الشعبي المعارض، حيث تتداخل قضايا الاقتصاد وشؤون المعيشة بالحساسيات القومية والدينية في دولة من النمور الآسيوية ذات الغالبية المسلمة، بينما تسيطر ثلاثة أعراق أساسية على البلاد، هي الملايو (62 في المئة) والصينيون (نحو 27في المئة) والهنود (8 في المئة) و(3 في المئة) للأقليات الأخرى. الاستحقاق الانتخابي، الذي تشهده ماليزيا (عدد سكانها140, 20 مليون نسمة)، قد يضع نهاية «أليمة» بالنسبة إلى ائتلاف الجبهة الوطنية الذي استمر 56 عاماً في الحكم، فيما تنفتح شهية التحالف الشعبي المعارض، على تسلم السلطة التي حُرمها منذ الاستقلال عن بريطانيا في عام 1957، مستفيداً من استطلاعات الرأي التي تفيد بتراجع شعبية التحالف الحاكم من 65 في المئة إلى 34 في المئة، حسبما أفاد الباحث في الشؤون الآسيوية عمر غانم عبر موقع «الجزيرة». فرغم سعي رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق، إلى رفع معدل التنمية والنمو الاقتصادي وتحسين شروط الحريات وحقوق الأقليات الإثنية والدينية، يتهم تحالف المعارضة الحكومة بأنها سارت في برامج اقتصادية كرّست الطبقية وأحدثت الشرخ بين فئات الشعب الماليزي ونمّت نزعة الطائفية والانقسامات العرقية.
أما زعيم المعارضة، أنور إبراهيم، الذي نشط في عالم التواصل الافتراضي إلى حد النجومية الشعبية، فيبدو أنه عائد إلى مسرح السياسة، وهو يحمل إرادة الانتقام من خصومه في الائتلاف الحاكم، وخصوصاً أن هذا الائتلاف بقيادة رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد، قد أساء إلى إبراهيم وشوه سمعته أمام جمهوره المسلم المحافظ؛ إذ اتهمت السلطة زعيم المعارضة بالشذوذ الجنسي والفساد وأُقيل من مناصبه السياسية والرسمية وسُجن نحو ست سنوات (1998-2004)، ولم تثبت براءته مما اتهم به إلا نهاية العام الماضي.
اللافت في برنامج التحالف الشعبي الجديد، هو مغازلته للأقليات، وخصوصاً أن الحزب الرئيسي في التحالف المعارض هو الحزب الإسلامي، الذي يواجه تحديات صعبة في طمأنة غير المسلمين، في ظل تصاعد موجة الكراهية والتطرف الديني في البلاد، كانعكاس لما يحدث في العالم من تحولات. فلعل ما حمله برنامج الحزب الإسلامي الانتخابي لعام 2013 من دعوة الكنيسة الكاثوليكية في ماليزيا الناخبين للتصويت للمعارضة يشكل مفاجأة في الحياة السياسية للحزب. فرغم أن الإسلام هو الديانة الرسمية لماليزيا، هناك بوذيون وكونفوشيوسيون، وتاويزم وهندوس وسيخ ومسيحيون وأتباع ديانات قديمة.
أما أبرز تصريحات إبراهيم إثارة للجدل، فكانت دعمه «اتخاذ كل الإجراءات لحماية أمن إسرائيل»، ومواقفه الايجابية إزاء إعطاء الحرية للمثليين جنسياً. لهذا قد يكون موقف المعارضة حرجاً أمام هذا الاستحقاق في بلد، الإسلام فيه هو دين الدولة الرسمي.
في المقابل، يمتلك رئيس الوزراء الحالي داتو سيري نجيب رزاق (كما يدعوه الماليزيون)، تاريخاً سياسياً حافلاً؛ فهو سليل عائلة سياسية عريقة، وليس الأول في عائلته من يتولى رئاسة الوزراء؛ فقد سبقه والده تون رزاق الذي كان ثاني رئيس للوزراء بعد الاستقلال عام 1957، وأعقبه خاله حسين عون، في هذا المنصب.
ويبدو أن التنوع العرقي والديني في ماليزيا كان دائماً محور برامج انتخابية بين التيارات المتنافسة؛ ففي أول اقتراع عام 1955، شُكّل تحالف من أكبر الأحزاب الملايوية والصينية والهندية، حصد وقتها 51 مقعداً من أصل 52 كانت مجموع مقاعد البرلمان. واستمر هذا التحالف الوطني الجامع حتى عام 1969 عندما تعرض لنكسة انتخابية كان نتيجتَها اندلاعُ أسوأ أعمال عنف طائفي في تاريخ البلاد.
ويضم الائتلاف الحـاكم أربعة عشر حزباً، أبرزها حزب رئيس الوزراء «المنظمة الملايوية الوطنية المتحدة» (آمنو)، تليها أحزاب: الصيني الماليزي والكونغرس الهندي الماليزي، وجاراكان لشعب ماليزيا، والشعبي الثوري وبوميبوترا التقليدي المتحد، وشعب سراواك، وسراواك الوطني، وداياك سراواك، وصباح التقدمي، وحركة العدل الشعبية، والديموقراطي الليبرالي، والشعب الصباحي المتحد، والديموقراطي الصباحي، واتحاد شعب سراواك.
بينما تتشكل الجبهة المعارضة من أكثر من ثلاثين حزباً، أهمها الحزب الإسلامي الماليزي (باس) وحزب العمل الديموقراطي (داب) وحزب الشعب التقدمي الماليزي (بارو).