ضجّت الوسائل الإعلامية خلال الأسبوع المنصرم بتصريحات مسؤولين أميركيين وعرب وإسرائيليين عن قبول العرب بمبدأ تبادل الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بغرض التوصل إلى تسوية شاملة للصراع. فماذا يعني هذا المبدأ، وإلى أين سيقود؟ أولاً، إنها ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا المقترح، إذ كان ضمن بنود ما كان يُعرف بتفاهم «أبو مازن ــ بيلين»، أو وثيقة «عبد ربه ــ بيلين» التي تعود إلى عام 1995، ليعود ويُطرح من جديد خلال المفاوضات اللاحقة. وأيدت السلطة الفلسطينية وياسر عرفات وبعده محمود عباس فكرة تبادل الأراضي منذ طرحها، لكن على أساس أن تكون في إطار المفاوضات النهائية للحل. وكان قرار لجنة مبادرة السلام العربية قبل أيام بخصوص تبني مبدأ تبادل الأراضي بمثابة تصديق عربي.
وفي مفاوضات كامب دايفيد عام 2000، طرح الإسرائيليون مسألة تبادل الأراضي، زاعمين أنهم لا يستطيعون تفكيك كل المستوطنات، فاقترحوا مبادلتها بمناطق صحراوية لا سكان فيها، مقابل بقاء أغلب المستوطنات مع الاحتلال. وفي عام 2006، طرح الجنرال الأميركي غيورا آيلاند، مشروعاً حمل اسم «خطة التجميع»، معنيّاً بتبادل الأراضي بين سلطة الاحتلال وكل من دول الطوق، الأردن ومصر، وأراضي السلطة الفلسطينية وقطاع غزة.
وطرح الإسرائيليون أكثر من مرة التبادل بنسبة 3 إلى 1، أي مقابل كل 3 كيلومترات تُضَمّ من الضفة إلى الاحتلال تُمنح السلطة كيلومتراً مقابلها، وهذا يشمل ما بين 5 إلى 10 في المئة من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
وعلى ماذا ستحصل السلطة الفلسطينية إذاً مقابل ما تستولي عليه دولة الاحتلال؟ تحصل السلطة على مناطق صحراوية على الحدود المصرية. وعادة ما تُستخدم هذه المناطق كمكب للنفايات السامة ويسميها الإسرائيليون «حالوتساه».
بعد إعلان الرئاسة القطرية لقرار لجنة مبادرة السلام العربية، قال أبو مازن إن التبادل يجب أن يكون بالكمّ والنوع. ويرى مراقبون أن هذا الطرح يستهدف الرأي العام الفلسطيني، وأنه ليس جدّياً كما يحاول أن يبيّن أبو مازن؛ فالسلطة الفلسطينية لم تحاول أن تحافظ داخل جلسات التفاوض على الكمّ ولا على النوع، وأظهرت ميلاً إلى التنازل عن أي أرض، وكي لا يقال إنها تنازلت عن الأرض، وجدت في اقتراح تبادل الأراضي ضالتها.
وبحسب الخبراء والمراقبين للشأن الفلسطيني، ينطوي طرح تبادل الأراضي على الكثير من المخاطر؛ فهو يشرعن الاستيطان، لأن بموجبه يُصار إلى تبادل أراضٍ صحراوية بمستوطنات، بحجة عدم إمكان تفكيكها. وهو يكرّس، «أحقية» إسرائيل بفلسطين المحتلة عام 1948، وتصبح معه الضفة الغربية مكاناً مختلفاً عليه وللإسرائيليين فيه حق.
إضافة إلى ذلك، يعتمد هذا المبدأ على حلّ الدولتين ويفسح المجال أمام الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل؛ إذ إن تبادل الأراضي يعني بالنسبة إلى الإسرائيليين التخلّص من التجمّعات العربية القريبة من الضفة الغربية، المثلث شمالاً وعرب النقب جنوباً، والضغط على عرب الساحل في يافا وحيفا وعكا للانتقال للسكن في مناطق قريبة من الضفة كي يسهل التخلص منهم في ما بعد. في المقابل، ضم التجمعات الاستيطانية الكبيرة في القدس الشرقية والضفة، ما يجعل الدولة الفلسطينية المنشودة غير مترابطة جغرافياً.
من جهة ثانية، يعني مبدأ التبادل، التنازل عن حق العودة بموجب القرار 194، ويعني أيضاً تهديد استقرار أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون داخل الأرض المحتلة عام 1948.
(الأخبار)