تحوّل ميدان تقسيم في قلب إسطنبول إلى ساحة معارك بين الشرطة وآلاف المتظاهرين الذي تجمهروا رفضاً لتحويل حديقة (غازي) إلى مجمّع تجاري. مئات الآلاف من المعتصمين، وفي مقدمتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، وقيادات الحزب، ومعهم عدد كبير من الممثلين والممثلات والمحامين والأطباء ومن مختلف القطاعات الشعبية، وثلاثة أيام من المواجهات التي حاول خلالها المحتجون التوجه إلى مكاتب رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان في إسطنبول وأنقرة، والتي يتوقع كثر استمرارها مع تزايد الدعوات إلى تظاهرات مليونية اليوم.
ورفعت شعارات مثل «حكومة اصطفا» أي «استقالة الحكومة»، فيما أعلن المتظاهرون أنهم مستعدون لمواجهات جديدة. بعضهم رأى أن «كل الأتراك في حالة غليان منذ 10 أو 11 سنة، واليوم الجميع يريد استقالة رئيس الوزراء».
واعترف وزير الداخلية معمر جولار بأن 47 ولاية تركية قد شهدت تظاهرات تأييدية لتظاهرة إسطنبول، مشيراً إلى أن قوات الأمن اعتقلت 970 شخصاً فيما أصيب حوالى 80 بجراح. لكنّ رئيسي نقابتي المحامين والأطباء أكدا أن عدد المعتلقين تجاوز 3000 وزاد عدد الجرحى على 2000، فيما أعلنت «منظمة العفو الدولية» مقتل شخصين، فيما تحدثت أنباء عن مقتل متظاهر ثالث في إزمير.
وأجبرت حدة المواجهات، التي تُعدّ إحدى أكبر حركات الاحتجاج الشعبي منذ تولي حزبه الإسلامي المحافظ الحكم في 2002، أردوغان على التراجع السبت عن قرار إبقاء الشرطة في الميدان وأمر القوى الأمنية بالانسحاب من ساحة تقسيم وحديقة «غازي». هو نفسه الذي قال قبلها بيوم إن الحديقة «لا يمكن أن تكون مكاناً يفعل فيه المتطرفون ما يشاؤون»، معلناً تمسكه بتنفيذ المشروع المثير للجدل في تلك الحديقة.
وقال أردوغان «إذا كان هذا الأمر يتعلق بتنظيم التجمعات، وإذا كان هذا حراكاً إجتماعياً يجمعون فيه 20 شخصاً، فبإمكاني أن أجمع 200 ألف شخص. وإذا جمعوا مئة ألف فسأجمع مليوناً من حزبي». وأضاف «كل أربعة أعوام نجري انتخابات وهذه الأمة تختار... والذين لا يقبلون بسياسات الحكومة بإمكانهم التعبير عن أرائهم في إطار القانون والديمقراطية». وقال أردوغان إن إعادة تطوير متنزه غازي يستخدم كمبرر لإثارة الاضطرابات، محذراً حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، من إذكاء التوتر».
وعلّق زعيم الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو على التظاهرات قائلاً إن «على أردوغان أن يستخلص الدروس اللازمة من الأحداث الأخيرة ويعتذر من الشعب التركي». وتعرّضت وسائل الإعلام غير الموالية للحكومة لضغوط كبيرة بهدف منعها من بث صور وأخبار الأحداث طيلة الأيام الثلاثة الأخيرة. وأطلق المواطنون عبر شبكات التواصل الاجتماعي حملة لمقاطعة المحطات الإخبارية التي رضخت للضغوط وتجاهلت كل ما جرى في إسطنبول وعموم تركيا، في الوقت الذي سعت فيه وسائل الإعلام الموالية للحكومة الى إظهار الأحداث على أنها «تمرد ضد الحكومة الديمقراطية».
وأسفت عدة أطراف سياسية من داخل السلطة لشدة القمع الأمني، وعبّر الرئيس التركي عبدالله غول عن «قلقه» من شدة المواجهات، بينما رأى نائب رئيس الوزراء بولنت أرينش أنه «بدلاً من إطلاق الغازات المسيلة للدموع على الناس يجب على السلطات أن تقنعهم وأن تقول لهم إنها تتفهم قلقهم وتأخذه في الاعتبار».
وأمام هذه الردود تراجع رئيس الوزراء، وأقرّ بأن تدخّل الشرطة كان في بعض الأحيان «مبالغاً فيه»، مؤكداً أن وزارة الداخلية ستفتح تحقيقاً في الأحداث.
ودعت عدة دول غربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الحكومة التركية الى «ضبط النفس»، وشهدت مدن نيويورك وفيينا تظاهرات حاشدة تضامناً مع المتظاهرين الأتراك.
أما وزير الإعلام السوري عمران الزغبي فرأى أن «أردوغان يقود تركيا بطريقة إرهابية ويدمر حضارة الشعب التركي ومكاسبه».
(الأخبار)