إسطنبول | ربما وجدت الحكومة التركية نفسها تحت «مجهر» الدفاع عن حق التظاهر ورفع الصوت، ولا سيما أنها الأكثر اهتماماً بالأزمة السورية و«رأس حربة» المدافعين عن «الثورة» هناك. لكنها فشلت في «استيعاب» الشباب المدافع عن «المتنزه» التاريخي في ساحة تقسيم، لتحوّل الخلاف من «بيئي اقتصادي» إلى «مطالبة بإسقاط النظام».
يرى الصحافي في جريدة «اليوم» التركية، أونور إيريم، أن أغلب المتظاهرين الذين نزلوا الى الساحات في معظم المدن هم من النخبة المثقفة والأكاديميين وطلاب الجامعات، بالإضافة إلى غالبية الطبقة الوسطى في المجتمع التركي.
ويوضح الصحافي المواظب على التظاهر في ساحة «تقسيم»، لـ«الأخبار» أن الشباب يتظاهرون ليُسمِعوا صوتهم للحكومة بأن «كفى قمعاً للمعارضة والإعلام الحر» ولكي «تتوقف الحكومة عن أن تكون فاشية» وأن «تتوقف الحكومة عن تحويل تركية العلمانية إلى دولة إسلامية».
يضيف إيريم إن «الشباب التركي سئم من غطرسة أردوغان، الذي رغم كل الاحتجاجات أصرّ على بناء المركز التجاري، بل إنه ومع تزايد أعمال القمع من الشرطة التركية أعلن أنه سيبني جامعاً مكان المتنزه».
المتابع للحشود في ساحة «تقسيم» ستلفته بالطبع تلك الحشود الغفيرة من طلاب الجامعات والمدارس الذين خرجوا مع أساتذتهم.
في هذا السياق، يقول الطالب الثانوي أوزغر سمسيك (18 عاماً)، لـ«الأخبار» إن أساتذتهم «حرّضوهم على المشاركة في التظاهرات لأنه يحق لهم أن يعبّروا عن آرائهم»، أما لماذا هو مشارك فيقول: «أرفض أن يتحكم أردوغان بي وبتركيا وكأننا ملكٌ خاص له».
الطالب في جامعة «Bilgi» إحدى أكبر جامعات تركيا، فوزي باشاران، يكشف لـ«الأخبار» أن معظم أساتذة الجامعة خرجوا إلى ساحة «تقسيم»، كما أنهم كتبوا لطلابهم لافتات مثل «نراكم في تقسيم»، وأحد الأساتذة كتب «أنا الآن في المنزل، لن أنزل إلى الجامعة بل إلى تقسيم... نلتقي هناك».
بدوره، الطالب الجامعي مصطفى دورسون أوغلو قال إنه خرج إلى الشارع للتعبير عن موقفه الرافض «لأسلمة المجتمع» كما يريد أردوغان.
ويضيف حتى في الإسلام يريد أن يكون «إسلاماً سنياً فقط». ويعطي مثالاً على ذلك «قرر أردوغان أن يسمي الجسر الثالث، الذي يبنى الآن ليربط آسيا بأوروبا، باسم (يافوس سلطان سليم) المتهم بأنه قتل مئات الآلاف من العلويين، على الرغم من اعتراض العلوية والأقليات، ورغم ذلك أردوغان ما زال مصراً على قراره».
المشاركون في التظاهرات وضعوا إلى جانب أسمائهم على صفحاتهم الشخضية على مواقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» و«تويتر» كلمة (Çapulcu) أي نهّاب، في ردٍ على اتهامات أردوغان للمشاركين في التظاهر بأنهم «عاطلون من العمل وثرثارون وسيّئو الشكل».
الطالب فوزي باشاران، المواظب على التظاهر في الساحة، قال إن أردوغان بتصريحاته تلك ساهم في «رفع نسبة مشاركة الشباب في التظاهر»، موضحاً أن «الشباب التركي أراد أن يوصل لأردوغان أنه واع لأهمية دوره في رسم خريطة البلاد السياسية والاجتماعية».
التظاهرات التي بدأت في «غازي عنتاب»، وانطلقت في أغلب المناطق التركية، ساهم أداء «الشرطة» القاسي في ازدياد مطالب المشاركين فيها من إلغاء فكرة بناء «المجمع التجاري» إلى المطالبات السياسية وبإسقاط رئيس الوزراء ووزير الداخلية على خلفية «التعامل غير المتوقع من الشرطة».
مصطفى دورسون أوغلو، يوضح لـ«الأخبار» أن تعامل الشرطة «القاسي» دفع الشباب إلى التظاهر أكثر ورفع مستوى المطالب، ويشدد على أن «الديموقراطية في تركيا في خطر، فهذه أول مرة في تاريخ تركيا تستعمل فيها الشرطة القنابل المسيلة للدموع والعنف الجسدي لكي تقمع تظاهرة سلمية».
من جهتها، توضح طالبة الإعلام نشى كايا، أنها تظاهرت لترفع الصوت في وجه خصخصة الإعلام، وبرأيها أن ذلك «ساهم في تجاهل أكبر محطات الإعلام التركية للتظاهرات ومطالب الشباب، وهي بدل ذلك تقوم بالتغطية لصالح الحكومة». وهي تطالب بأن يكون «هامش الحرية لدى الإعلام أكبر مما هو عليه، فالديموقراطية الحقيقية يلزمها إعلام مستقل ينقل بصورة متوازنة طبيعة الأحداث». كايا أوضحت أن «المتظاهرين لجأوا إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال صوتهم لجذب الانتباه إلى الإعلام الأجنبي، في ظل غياب الإعلام المحلي».
أما فوزي باشاران فأكد أنه يتظاهر للدفاع عن «الأقليات غير المحمية» حسب تعبيره، فبرأيه أن الحكومة «لا تقوم بحماية الأقليات، بل تقف دائماً إلى جانب الفئة الأكبر وتمهش الفئات الأصغر «المسيحيين والعلويين». وأعطى مثالاً على ذلك في «تفجيرات الريحانية وهي المنطقة العلوية، وقد وجّهت الحكومة الاتهام مباشرة لكل من هو علوي فيها بأنه تابع للنظام السوري»، ويضيف «حتى في موضوع الكحول الذي تحاربه الحكومة، فإن الشركات القريبة من الحكومة لا تعاني كثيراً على غرار الشركات التي تتعارض سياسياً مع توجه الحكومة».



بعدما دخل حزب الشعب الجمهوري (حزب مؤسس الجمهورية التركية العلمانية مصطفى كمال أتاتورك) الى جانب الشعب المحتج على مشروع رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان بتحويل حديقة «غازي» في ساحة تقسيم الى مجمع تجاري ومسجد، أعلن رئيس الحزب القومي العريق في البلاد، كيليشتدار أوغلو، أن من يقف خلف هذه الاحتجاجات في ساحة تقسيم هم شباب تركيا.
وأضاف خلال أحد التجمعات وسط اسطنبول إن «نافذة جديدة انفتحت أمام تركيا، هذا الشباب شباب مختلف، أنا أقبّل هؤلاء الشباب من جباههم، لكن ما الذي أستطيع القيام به؟ هم يستحقون قبلة على جباههم».
وكان كيليتشدار أوغلو دعا اعضاء حزبه، ليستخلصوا عبرة من أحداث «تقسيم»، وأن يقرأوا الأحداث، ويفهموا الشباب.