بعدما أصدرت الولايات المتحدة الأميركية مذكّرة توقيف بحقّه، غادر أمس مسرّب وثائق «وكالة الأمن القومي» إدوارد سنودن مدينة هونغ كونغ الصينية على متن طائرة من طراز «إيروفلوت» الروسية الى موسكو، التي يرجّح أن ينتقل منها الى فنزويلا أو الإكوادور. الموظف السابق في الوكالة الاستخبارية بدأ رحلة الهرب من قبضة الحكومة الأميركية وأجهزتها التي أصيبت بضربة قاسية بعد تسريب المعلومات السرية عن برامج التجسس على المواطنين الأميركيين والأجانب. وأعلن وزير خارجية الإكوادور ريكاردو باتينو، مساء أمس، أن سنودن «طلب اللجوء الى بلاده».
وبعيد وصول الطائرة التي تقلّه الى مطار موسكو، أفاد بعض الصحافيين بأن سنودن لم يكن موجوداً أثناء خروج ركّاب الطائرة الى باحة الاستقبال، فيما أكّد بعض الشهود أنه تمّ نقله في سيارة دبلوماسية كانت متوقفة الى جانب الطائرة. وأكدت وكالات أنباء روسية بأن اسم إدوارد سنودن مدرج على قائمة أسماء ركاب رحلة «إيروفلوت»، التي من المقرّر أن تقلع اليوم باتجاه هافانا، ومنها في رحلة محلية متجهة الى كراكاس. من جهتها، أشارت قناة «روسيا 24» الى أن سنودن «يمكن أن يُنقل لقضاء ليلته في سفارة دولة أميركية جنوبية في موسكو»، من دون أن تفصح عن اسم تلك الدولة.
موقع «ويكيليكس»، الداعم لسنودن، أشار أيضاً الى أن «مستشارين قضائيين» يعملون مع الموقع، و«دبلوماسيين» يرافقون الشاب، من دون توضيح جنسياتهم ولا الوجهة النهائية للأميركي. وأعلن الموقع أنه ساعد سنودن في «الحصول على لجوء سياسي آمن في بلد ديموقراطي». فيما ذكرت مصادر صحافية أن سنودن سيصل الى العاصمة الفنزويلية أو الإكوادورية عبر العاصمة الكوبية هافانا. وبحسب مصدر لوكالة «أنتر فاكس» الروسية، فإن سنودن سافر برفقة راكبة تدعى سارة هاريسون، وهي مسؤولة في موقع «ويكيليكس».
وكانت حكومة هونغ كونغ قد أعلنت في بيان صحافي، أمس، أن سنودن غادر أراضيها «طوعاً ومن خلال وسائل قانونية وبطريقة عادية». وأضاف البيان إن هونغ كونغ «لم تحصل على المعلومات اللازمة» لتنفيذ مذكرة التوقيف التي أصدرتها الولايات المتحدة بحق سنودن. وأوضح البيان الحكومي أنه تمّ إعلام الولايات المتحدة بمغادرة سنودن أراضيها. وأمس ألغت واشنطن جواز سفره. من جهتها، قالت وزارة العدل الأميركية إنها ستسعى الى الحصول على تعاون السلطات لتطبيق القانون في الدول التي سيسافر إليها سنودن.
وكان سنودن قد تحدث في إحدى مقابلاته الصحافية الأخيرة عن «احتمال طلبه اللجوء الى آيسلاندا، حيث تنشط منظمات مدافعة عن الحقوق المدنية والمناهضة للرقابة على المعلومات الخاصة من جانب الحكومات».
سنودن الذي عمل في «وكالة الاستخبارات المركزية» و«وكالة الأمن القومي» وفي شركة «بوز آلن هاميلتون» المتعاقدة مع البنتاغون، سرّب معلومات سريّة عن برنامج يدعى «بريسم» تعتمده «وكالة الأمن القومي» للتجسس على اتصالات الأميركيين والأجانب وعلى حساباتهم الإلكترونية. وقد نشرت صحيفتا «ذي غارديان» البريطانية و«ذي واشنطن بوست» الأميركية الوثائق التي سرّبها سنودن منذ 5 حزيران الماضي. وبعد أسبوع عمدت «ذي غارديان» الى نشر فضيحة ثانية مستندة الى تسريبات سنودن وتتعلق بتجسس الاستخبارات البريطانية والأميركية على اتصالات مندوبي وقادة الدول في «قمة الثماني».
وأكدت صحيفة «صنداي مورنينغ بوست» أمس، أن وكالة الأمن القومي تطّلع على «ملايين الرسائل الهاتفية القصيرة» المرسلة عبر شبكات الهاتف الصينية. وردّت بكين بنبرة حادة على هذه المعلومات، إذ وصفت «وكالة الصين الجديدة» الولايات المتحدة بأنها «أكبر نذل في عصرنا» في مجال الهجمات المعلوماتية.
وقالت الوكالة الصينية الرسمية إن هذه الاتهامات «تدلّ على أن الولايات المتحدة التي حاولت لفترة طويلة أن تقدم نفسها على أنها ضحية بريئة للهجمات الإلكترونية، هي أكبر نذل في عصرنا في هذا المجال». وكان سنودن قد قال في مقابلة مع صحيفة «صنداي مورنينغ بوست» إن «وكالة الأمن القومي الأميركية تقوم بقرصنة شركات اتصالات صينية لسرقة رسائلكم النصّية».
وبعد نشر فضيحة برنامج «بريسم» التجسسي، كشفت صحيفة «ذي غارديان» عن برنامج آخر يطلق عليه اسم «تمبورا» ويقوده المركز البريطاني للتنصت، ويسمح بجمع معلومات عن الاتصالات عبر الإنترنت والهاتف.
كذلك كشف سنودن أخيراً عن قيام «وكالة الأمن القومي» الأميركية بعملية قرصنة واسعة النطاق على جامعة «تشينغوا» الصينية البارزة، ومن بين متخرّجيها الرئيس الصيني الحالي شي جينبينغ والرئيس السابق هو جينتاو.
يذكر أن مسرّب وثائق الجيش الأميركي وبرقيات الخارجية، الجندي برادلي مانينغ، لا يزال يحاكم بتهمة «التجسس» و«تهديد الأمن القومي» وقد يواجه عقوبة السجن مدى الحياة. أما ناشر تلك الوثائق، جوليان أسانج، فهو لاجئ في سفارة الإكوادور في لندن تحت تهديد الملاحقة والترحيل والسجن في حال خطوه خطوة واحدة خارج مبناها.