أعلنها الشباب البرازيليون الغاضبون: «لا نريد مزيداً من الملاعب الرياضية، نريد أن يأكل الشعب ويتعلّم. لا نريد أن تبدو البرازيل أجمل في عيون العالم، نريد فرص عمل وطبابة جيدة». نزل البرازيليون بالآلاف إلى شوارع المدن الأساسية منذ نحو أسبوع، وفي شعاراتهم مطالب معيشية وحياتية متراكمة لا تتلخص فقط بالاحتجاج على رفع تعرفة النقل العام.
لاحظ البرازيليون أخيراً أن حكومتهم أنفقت مبالغ مالية ضخمة (نحو 30 مليار دولار) من الأموال العامة على الورش التحضيرية لاستضافة «كأس العالم» المرتقب في 2014 و«الألعاب الأولمبية» في 2016. «هل كنّا إذاً ندفع الضرائب كي تذهب كلّها لتمويل الحدثَين الرياضيين؟»، سأل المواطنون. «نعاني من مستوى أمّية يصل الى21%، وحللنا في المرتبة الـ 85 في جدول التنمية البشرية، ملايين الأشخاص يموتون سنوياً بسبب ضعف الرعاية الصحية والملايين يرزحون تحت خطّ الفقر. فهل نحن بحاجة فعلياً إلى ملاعب رياضية؟»، سألت كارلا، الناشطة البرازيلية التي توجّهت إلى مواطنيها والعالم في شريط فيديو حُمّل على موقع «يوتيوب» منذ أسبوع مع بداية التحركات. «لا، لستُ ذاهباً إلى كأس العالم»، عُنون شريط الـ«يوتيوب» باللغة البرتغالية، والعبارة بدأت تنتشر على مواقع التواصل الإلكتروني.
كارلا نطقت باسم مجموعة ناشطين برازيليين، وهي تشرح في الشريط أن حدث استضافة المونديال والألعاب الأولمبية هو مهم، لكنه ليس أكثر ما يحتاج إليه البرازيليون الآن. «قد يتحسّن مدخول بائع البوظة على شاطئ البحر لفترة أسبوع، صحيح، لكن ماذا عن باقي فترات السنة؟ ماذا بعد انتهاء الحدث الرياضي؟»، سأل الناشطون الذين يرفضون كيف سوّقت الحكومة لحدث استضافة كأس العالم على أنه «ما يحتاجه المواطنون لتغيير حياتهم»! الشباب الغاضبون يدركون أن مكاسب استضافة الحدثين الرياضيين في بلد كالبرازيل «لن يحلّ المشاكل الأساسية، بل سيعود بالفائدة على أصحاب الأموال من المستثمرين وعلى منظمة الفيفا فقط».
وإضافة إلى رفع الأسعار وزيادة تعرفة النقل العام وصرف مبالغ طائلة على مشاريع «ليست بين أولويات البرازيليين الحياتية»، لفت المحتجّون أيضاً إلى ظاهرة وصفوها بالـ«خطيرة جداً»، هي طرد سكّان العشوائيات من منازلهم. «تأتي شرطة العشوائيات، تضع علامات على المنازل، وفي اليوم التالي تقوم الجرافات بهدمها. أين يأخذون هؤلاء السكان؟ وأين يضعون العصابات التي تقطن تلك المناطق؟»، يطرح الناشطون الإشكالية، ويصفون تصرف الحكومة هذا «كمن يخبّئ الأوساخ تحت السجادة».
بعض المحللين الاقتصاديين رأوا أن الإنجاز الذي تفتخر به الرئيسة ديلما روسيف، أي «تحويل 40 مليون برازيلي إلى الطبقة الوسطى» انقلب عليها. فالطبقة الوسطى الجديدة بدأت تطالب الدولة بخدمات صحية وتعليمية أفضل، وسياسة تنمية أفعل. وفيما لاقت التظاهرات الاحتجاجية السلمية تأييداً من المتابعين للشؤون البرازيلية، شكك البعض الآخر بصدقيتها. بعض الصحافيين البرازيليين والغربيين قالوا إن «ما يجري ليس تحرّكاً ضد حكومة فاسدة، لكنه استياء شعبي استغلّه اليسار البرازيلي المتطرّف لمحاربة روسيف».
لكن يبدو أن الرئيسة فهمت حجم الاستياء الشعبي والضغوط السياسية، فأعلنت أخيراً تنظيم استفتاء عام لتشكيل «جمعية تأسيسية خاصة» يكون دورها إجراء «إصلاحات سياسية» في البلاد. روسيف أعلنت أيضاً ضخّ 18,5 مليار يورو لتحسين خدمات النقل العام وتطبيق خطط لمكافحة الفساد ولتحسين قطاعات التعليم والصحة وتأمين الاستقرار.
قرارات روسيف قوبلت بترحيب من وفد ممثلي الحركة الاحتجاجية الذين التقوا بها وعبّروا عن «ارتياحهم للحوار الذي بدأ مع السلطة»، لكنهم أكدوا أنهم سيواصلون «النضال من أجل تحقيق المطالب وجعل النقل مجانياً».
وطرحت الرئيسة موعدين للاستفتاء: الأول هو السابع من أيلول في ذكرى استقلال البرازيل، والثاني في 15 تشرين الثاني في ذكرى إعلان الجمهورية.
لكن زعيم المعارضة في مجلس الشيوخ اليوزو نونس الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديموقراطي البرازيلي وصف اقتراح روسيف بأنه «واحد من الاقتراحات الأكثر جنوناً التي سمعت بها حتى الآن». وأضاف أنه «كان من الأفضل (لروسيف) أن تتحدث عن مقترحاتها بدلاً من أن تتهرب وتطلق اقتراحاً سيسقط في الفراغ». لكن بعض رؤساء الكتل الحزبية الأخرى في البرلمان نظرت بإيجابية إلى المقترحات الجديدة.
شعبياً، تفاوتت ردود فعل الشباب على اقتراحات روسيف، لكنها بدت في المجمل «أكثر إيجابية مما كانت عليه بعد أول خطاب رسمي وجهته الرئيسة مع بدء التحركات».
في شريط كارلا على يوتيوب، تظهر روسيف في إحدى خطاباتها وهي تقول: «لدى الشعب البرازيلي أسباب عديدة، غير كرة القدم، ليكون فخوراً بنفسه». الناشطون يطالبونها الآن بتحويل ذلك إلى واقع!