خلال الرحلة التي استمرّت 12 ساعة على متن طائرة تابعة لخطوط «آيروفلوت» الروسية المتوجهة من موسكو الى هافانا، بقي المقعد الرقم 17إي المحاذي للنافذة فارغاً ينتظر راكباً لم يأت أبداً. كان هذا المقعد مخصصاً، بحسب سجلات الرحلة، لإدوارد سنودن، الذي كان من المفترض أن يسافر الى الإكوادور حيث طلب اللجوء. مضيفة الطيران الروسية في الرحلة الى هافانا، توجّهت إلى الصحافيين الذين ملأوا مقاعد الطائرة بالقول «لو سافر سنودن في هذه الرحلة لكان غبياً وتستطيعون أن تروا بأنفسكم ماذا حدث هنا.. لو كنت مكانه لفعلت الشيء نفسه». أين اختفى سنودن إذاً؟ الرئيس فلاديمير بوتين يقول إنه «لا يزال في قاعة الترانزيت في مطار موسكو. وكلّما أسرع في اختيار وجهته النهائية كان ذلك أفضل». بوتين الذي وصف سنودن بـ«الشخص الحرّ»، أكّد أن «روسيا لا تربطها بالولايات المتحدة اتفاقية لتسليم المطلوبين».
وزير الخارجية الأميركي جون كيري دعا روسيا من جهته الى تسليم سنودن، مؤكداً أن واشنطن «لا تريد المواجهة». «أدعو بكل بساطة الى الهدوء والتعقّل في وقت لا نريد فيه أن نرفع مستوى المواجهة بسبب أمر عادي». كيري ذكّر بأن حكومة بلاده سلّمت سبعة أشخاص بناءً على طلب من روسيا خلال العامين المنصرمين «من دون أي ضغينة». «نأمل ألا تعتبر روسيا أن مصالحها تكمن في الوقوف مع شخص متهم بانتهاك القانون في بلد آخر»، ختم كيري، من دون أن يلقى كلامه أي تأثير عند الجانب الروسي.
يلفّ الغموض إذاً مكان وجود سنودن منذ وصوله الى موسكو من هونغ كونغ الأحد. وكان من المتوقع أن يمضي «الهارب» ليلة واحدة في فندق في المطار بوصفه مسافراً يمرّ فقط في موسكو متوجّهاً الى أميركا اللاتينية، ولكنّ مسؤولي الفندق لم يؤكدوا إقامته. لكن التصحريات الأميركية بشأن «ضلوع روسيا والصين في عملية تهريب سنودن» استدعت رداً من الطرفين. المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينج قالت إن «انتقادات الولايات المتحدة للحكومة المركزية في الصين لا أساس لها من الصحة. ولا يمكن الصين أن تقبلها على الإطلاق».
من جهته، نفى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التلميحات الاميركية بأن موسكو «ساعدت سنودن من خلال السماح له بالسفر الى موسكو». وقال «اختار الشاب برنامج الرحلة بنفسه، وقد علمنا بشأنها من وسائل الإعلام». لافروف أوضح أن سنودن «لم يعبر الحدود الروسية». وأضاف «نعتبر محاولات اتهام الجانب الروسي بانتهاك القوانين الاميركية، وخاصة بالضلوع في مؤامرة، أمراً لا أساس له من الصحة وغير مقبول». من جهة أخرى، كشف أحد محامي سنودن في هونغ كونغ أمس بعض التفاصيل المتعلقة بإقامة موكّله السرية في المدينة الصينية بعد مغادرته جزيرة هاواي حيث كان يعمل ويقيم. محامي سنودن روى أن الشاب «وصل بمفرده الى هونغ كونغ بعدما شعر أنه تم التخلي عنه واتصل بمنظمات للدفاع عن حقوق الإنسان». وأشار الى أنه «بدّل مكان إقامته مرّة أو مرتين ليلاً وبتكتّم شديد، قبل أن يلجأ الى أحد مؤيّدي قضيته». ويذكر المحامي أن موكّله فرض على مستشاريه أثناء عشاء معهم «وضع هواتفهم النقّالة في البرّاد» خشية من التنصت. محامي سنودن قال إن الشاب كان «كثير الحذر في كل تصرفاته أخيراً، لكنه كان سعيداً بما قام به».
(الأخبار، أ ف ب)